الأربعاء 2023/08/16

آخر تحديث: 13:07 (بيروت)

التبشير البروتستانتي بين علويّي سوريا القرن الـ19: تفكيك العنف

الأربعاء 2023/08/16
التبشير البروتستانتي بين علويّي سوريا القرن الـ19: تفكيك العنف
صافيتا..تبشير البدايات
increase حجم الخط decrease
وحوش، وثنيون، جاهلون وأشرار.. وما من أحد يكترث لأرواحهم. هذا طرف من نعوت  المبشرين لـ"النصيرية" أو "العلويين" تمهيدًا لأنجَلَتهم وتلقينهم كلمة "الحياة" ونشر كلمة الله بينهم. ولا يبدو أن هذا العنف الرمزي كان الضرب الوحيد من العنف الذي تعرض له "النصيرية"، فثمّة عسف وتنكيل العثمانيين "وهو ما سنفرد له مادة تحقق في صحته من عدمها" وعنف الفتاوى والتكفير بحقهم "كما في حالة ابن تيمية" وعنف الآغوات والبكوات والمرابعين و.. وأخيرًا عنف سلطات دينية ودنيوية ما انفكت تمتطي ظهورهم "مجازًا وحرفيًا" وتمسخ كينوناتهم وحيواتهم. والحال هذا، يبدو الكلام عن ذاتيتهم السياسية، دع جانبًا ذاتيتهم الإنسانية، ضربًا من ضروب الخيال والعنف المفاهيمي. هذا التحقيق، وما يليه، فاتحة لفهم أرحب للسياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية التي جعلت من جماعة بشرية "العلويين في هذه الحالة" ما آلت إليه.
بعد الحلقة الأولى، النص أدناه هو القسم الثاني من ورقة للباحثة إيفيت تلحمي، المتخصصة في الشؤون السورية:

يؤمن النصيريون بتناسخ الأرواح (أو metempsychosis)، حيث تنتقل الروح من جسد بشري إلى جسد آخر، وقد لا يكون بالضرورة جسداً بشرياً، ويلجأون إلى التقّية الدينية في أوقات الخطر إذ يُجاز لهم وحتى يُطالبون بإخفاء دينهم الحقيقي حفاظاً على حياتهم. إنهم متكتمون للغاية بشأن معتقداتهم الدينية، ولديهم أعيادهم الخاصة وطقوسهم المختلفة التي هي مزيج من الأعياد السنيّة والشيعية والمسيحية. الجدير بالذكر أنهم يزورون خلال هذه الأعياد العديد من الأضرحة المقدسة لأوليائهم (زيارات). ليس لديهم مساجد وهم بالأحرى يؤدون طقوسهم الدينية، حيث يستخدمون الخبز والنبيذ، في منازلهم الخاصة. ينقسم النصيريون إلى أربعة قبائل: الكلبية، والخياطية، والمتاورة، والحدادية. كما أنها مقسمة إلى أربع مذاهب: الشمسية (الشمالية)، والقمرية (الكلازية)، والغيبية، والحيدرية. المذهبان الأولان هما المذهبان الرئيسان. منذ القرن التاسع وحتى القرن التاسع عشر، تعرض النصيريون، الذين كانوا يعتبرون من غلاة الشيعة، للاضطهاد والقمع من قبل الدول الإسلامية السنية المتعاقبة.

تزعم بعض الدراسات أن جذور النصيرية انبثقت من المسيحية. لدعم ادعاءاتهم، يشيرون إلى استخدام مفهوم الثالوث وأعيادهم الدينية التي تسمى "القداس"، والتي تشبه القداس المسيحي بطقوس النبيذ والخبز. بالإضافة إلى ذلك، يحتفل النصيريون بالأعياد المسيحية مثل عيد الميلاد وعيد القديسة بربارة وعيد الغطاس وغيرها. وفقاً لبعض العلماء، كل هذا يشير إلى أن النصيريين كانوا مسيحيين في الأصل.

في أوائل ثلاثينيات القرن التاسع عشر، أصبح المبشرون الأميركيون الذين سافروا في جميع أنحاء المنطقة على دراية بالنصيريين، الذين كانوا ودودين بشكل استثنائي معهم. اعتقد هؤلاء المبشرون أنه بسبب الحالة المؤسفة للنصيريين وحقيقة أنهم تعرضوا لمعاملة سيئة من قبل العثمانيين، الذين أطلقوا عليهم لقب "الوثنيين"، يجب عليهم العمل بينهم من أجل تخليصهم. كان أول شخص يقترح عمل المبشرين البروتستانت بين "البائسين والمنحطين [النصيريين] الذين لم تُبذل مجهودات إنجيلية لهم" هو سوري يوناني عرض خدماته للمبشرين ولم يطلب أي تعويض في المقابل. أخذ كمية قليلة من الأناجيل ووزعها على النصيريين الذين كانوا، حسب قوله، سعداء بتلقيها.

كان بعض المرسلين الأوائل متحمسين للعمل بين هؤلاء الناس. كتب إسحاق بيرد وجورج ويتنج، المبشرين الأميركيين الموجودين في سوريا، في مراسلاتهما المشتركة، إلى المجلس على النحو التالي:

زودنا الأنصارية... الذين قال البعض إنهم جنسٌ من الدروز، لكنهم أكثر جهلاً وغرابة منهم، بنسخ قليلة من كلمة الحياة، والتي، كما أكد لنا الوكيل، بدأوا في قراءتها بارتياح كبير. يبدو أن المحطات التبشيرية في طرابلس، أو اللاذقية مرغوبة، ليس فقط لصالح المسيحيين، ولكن في إشارة خاصة إلى هذه الأمة نصف الوثنية.

ينبغي وضع هذا الوصف الذي قدمه إسحاق بيرد موضع تساؤل لأن النصيريين، أكثر من بقية السوريين، كانوا أميين في الغالب وبالتالي لم يكن بإمكانهم قراءة "كلمة الحياة" كما ورد. فقط مشايخ الدين هم من يستطيعون القراءة. مرة أخرى في عام 1835 كتب القس ويليام طومسون توصية مماثلة لمجلس الإدارة. وبحسب طومسون، يجب عليهم فتح محطات تبشيرية بين المحمديين والدروز والنصيريين حتى يتمكنوا من نشر كلمة الله بين هؤلاء الناس. أكد طومسون أن: "التوصية الرئيسة لمركز اللاذقية كمحطة تبشيرية هي قربها من بلد الأنصارية الجبلية، وهم شعب شعروا منذ فترة طويلة بضرورة بدء البعثة بينهم". ثم تابع على النحو التالي:

النصيريون هم من بعض النواحي شعب فريد. هم ليسوا محمّديين ولا مسيحيين. على الرغم من أنهم، مثل الدروز، يصرحون بأنهم مسلمون. آراؤهم الدينية سرّ عميق. ومع ذلك، ثمّة شيء واحد معروف وهو أن دينهم، مهما كان، ليس له تأثير جيد عليهم. ليس هذا الدين في الحقيقة أفضل من الوثنية. إن جهل الناس وبؤسهم عظيمان للغاية، وبالتالي فإنهما من الأشياء المناسبة لكرم المسيحيين. لا يوجد سبب للاعتقاد بأي معارضة جادة للجهود الإنجيلية من قبلهم. الوعظ، وتوزيع الكتاب المقدس والطرق، والمدارس- كل هذه الوسائل لفعل الخير، كما يُعتقد، يمكن أن توضع على الفور بينهم، إذا كان لدينا رجال فقط للقيام بذلك.

ولإقناع المجلس بالعمل بين النصيريين، أعلن طومسون:
ألن يفرح كل صديق للإنسان، وبشكل خاص كل مسيحي حقيقي، لأن شعباً غارقاً في الفظاعة ومنحطاً بفعل الجهل والرذيلة، قد أدرك الكنيسة في نهاية المطاف. فهم دينهم غير معروف، وليس لهم مدارس أو كتب، ومكروهون بشدة من قبل المسيحيين، ومُعفرون بالتراب من قبل أسيادهم المسلمين، ولا يوجد، حرفيًا، رجل يعتني بأرواحهم، ولا حتى يستر أجسادهم، وبالتالي فإنهم، باعتبارهم فقراء وبائسين، مكروهون ومضطهدون، جاهلون وأشرار، يحملون نداءً قوياً لأذن وقلب الكنيسة مثل أي شعب على وجه الأرض.

مرة أخرى في العام 1847، أرسل القس جورج ويتينج طلباً مشابهاً إلى المجلس يطلب منهم موافقتهم على فتح محطة في مناطق النصيريين، مؤكداً حقيقة أن 150 ألفاً أو 200 ألفاً من هؤلاء الأشخاص الأكثر بؤساً وجهلاً وإهمالاً، وأكثرهم انحطاطاً وعوزاً، والذين كانوا منبوذين ومضطهدين، من دون كتب أو مدارس أو توجيه من أي نوع، أعلنوا بالفعل عن استعدادهم لاستقبال المبشرين وإرسال أطفالهم إلى المدرسة. وبحسب ويتنج، فإن النصيريين يهلكون مثل وحوش الحقل، من دون أن يفكر أحد بأرواحهم أو يهتم لها، ومن واجب الكنيسة الأميركية أن تفكر بهم وأن ترسل بعض أبنائها وبناتها ليبشروهم بالإنجيل المبارك ويجمعوهم في كنف يسوع. خلال العام نفسه، افتتح الدكتور ييتس وزوجته، اللذان استقرا بالقرب من السويدية، مدرسة لأبناء جميع الأقليات الدينية. وبحسب إدوارد باركر، القنصل البريطاني، فقد تمكنوا من إنشاء مجتمع بروتستانتي في تلك المنطقة يضم الروم الأرثوذكس السابقين والمسلمين السابقين والنصيريين السابقين.

وعلى الرغم من حقيقة أنه في أوائل ثلاثينيات القرن التاسع عشر ومرة أخرى في أربعينيات القرن التاسع عشر أوصى العديد من المبشرين بعمل ABCFM بين النصيرية، إلا أن المجلس كان يعتقد خلال تلك السنوات أن مهمته الأساسية هي العمل وسط المجتمع المسيحي المحلي:
على الرغم من أنك ستقيم في أرض المسلمين، فإن أعمالك ستكون موجهة بشكل خاص إلى إحدى الكنائس الشرقية. إن هدف إرسالياتنا إلى الكنائس الشرقية هو أولاً إحياء معرفة وروح الإنجيل بينهم. وثانياً، العمل على المحمديين بهذه الوسيلة.

هكذا بدأ المبشرون أنشطتهم بين النصيريين فقط في خمسينيات القرن التاسع عشر بعد أن طوروا شبكة صلبة من المدارس في جميع أنحاء سوريا. إلى جانب افتتاح المدارس، قدم المبشرون الأميركيون أيضاً خدمات صحية من خلال إنشاء المستوصفات والمستشفيات. خلال عامي 1852 و 1857، طلب المبشرون البروتستانت المتمركزين في سوريا مراراً وتكراراً أن يفتح المجلس مراكز تبشيرية في المناطق التي يسكنها النصيريون. كما أوصى ثيوفيلوس فالدمير بفتح مركز تبشيري بين النصيريين. وفقاً له:
إذا أمكن إنشاء بعض الإرساليات البروتستانتية، مثل تلك التي قام بها المورافيون بينهم (الإسماعيليون والنصيريون)، فسوف يتعلمون قريباً تقدير وحب المبادئ الحقيقية للمسيحية ويصبحون أنفسهم مسيحيين، ولكن حتى الآن، باستثناء المدارس القليلة التي تمت الإشارة إليها بالفعل، لم يُعمل أي شيء لهذه الطوائف المخدوعة الفقيرة والوثنية حقًاً.

إلى جانب الأنشطة التبشيرية الأميركية بين النصيريين، بدأ النشاط التبشيري من قبل المبشرين البريطانيين والفرنسيين. ومثل المبشرين البروتستانت، قدموا أيضاً خدمات صحية وأنشأوا مستشفيات، لكنهم ركزوا في الغالب على المجال التعليمي الذي كان مُتجاهلًا حتى ستينيات القرن التاسع عشر من قبل السلطات العثمانية ليس فقط في مناطق النصيريين ولكن أيضاً في جميع أنحاء الإمبراطورية. كان هناك نزاع بين مختلف المبشرين حول العمل بين النصيرية.

فقد أوصى القس صموئيل لايد، المبشر الأنجليكاني الذي سافر عبر المنطقة التي يسكنها النصيريون في أوائل خمسينيات القرن التاسع عشر، بأن هذا سيكون "سبباً كبيراً للتشجيع في محاولة لتبشير هؤلاء الناس (النصيريين) حيث لم يكن يوجد، حتى بداية خمسينيات القرن التاسع عشر، مبشر مسيحي يعمل بينهم". وفقًا ل لايد، كان المبشرون الأميركيون يوصون منذ فترة طويلة بأن يبدأ مجلس البعثات التابع لهم مهمة بين النصيريين، لكن لم يتم فتح أي مهمة بعد. زار لايد بعض المُقدمين والمشايخ النصيريين للتأكد إن كان النصيريون، فيما لو افتتحوا مدرسة هناك، سيكونون على استعداد لإرسال أطفالهم إليها. وبحسب لايد: "بما أنه من المستحيل أن نكرز بالإنجيل فيما بينهم علانية، فهذه هي الطريقة الوحيدة لبدء الإرسالية. من خلال الأطفال سيتم فتح طريق للآباء المرتبطين بهم بشدة".

خلال منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر، زار لايد منطقة النصيريين للمرة الثانية، وعاش بينهم لعدة سنوات، وأقام علاقات أوثق مع الشيوخ النصيريين. قدم لايد تقريراً عن عمله بين النصيريين لكل من القنصل البريطاني في بيروت والكنيسة الأنجليكانية في لندن. كان لايد يرى أنه يجب فتح مدرسة للنصيريين منذ ذلك الحين، وبحسب قوله: "الانطباع العام الذي تلقيته عن جدوى المدرسة والرسالة كان أكثر ملاءمة - أكثر بكثير مما كنت أتوقع". كانت المهمة الأساسية للمدرسة والرسالة هي تبشير النصيريين. ووفقاً للايد، كانت هناك عدة أسباب دفعته إلى الاعتقاد بإمكانية تبشير النصيرية لصالح الكنيسة الإنكليزية. فأولاً، اعتقد النصيريون، مثل السكان المسلمين، أن الإنجليز سيكسبون البلاد قريباً، وكان النصيريون يتوقون إلى ذلك لأنهم كانوا ينظرون إلى الإنكليز باحترام وأمل. ثانياً، لقد عاملوا الكتاب المقدس باحترام. ثالثًا، بما أن النصيريين كانوا مرتبطين ببعضهم البعض بقوة، فإن التأثير على جزء منهم سيؤثر على الكل.

على الرغم من فوز لايد بثقة النصيريين، إلا أن المبشرين الأميركيين كانوا أكثر نجاحاً بينهم. كان المبشرون البروتستانت هم الوحيدون الذين فتحوا مدارس في هذه المناطق المهملة، وكان الغرض من هذه المدارس، كما ذكروا، هو جذب السكان المحليين إلى البروتستانتية من خلال نظامهم التعليمي:
يمكّننا نظام المدارس المشتركة [المبشرين] من اختيار أفضل الفتيان الواعدين في معهدنا اللاهوتي. وبقدر ما يتعلّق الأمر بمهمتنا، ثمة حاجة ماسة إلى المدارس المشتركة ولا يزال لديها واجب مهم للغاية للقيام به. هذا صحيح بشكل خاص فيما يتعلق بالدروز والنصيرية، الذين نأمل أن ننشئ بينهم قريبًا بعثة. إذا تمكنا من جمع الأطفال في مدارس مسيحية، فسيتم اتخاذ الخطوة الأكثر أهمية نحو جمع هذه المجتمعات بأكملها في كنيسة يسوع المسيح.

وفقًا لغريغوري وارتابيت Gregory Wartabet، وهو أرمني تحول إلى البروتستانتية، وقد زار سوريا الكبرى في ديسمبر 1854:
إذا كانت مثل هذه المدارس [المدارس البروتستانتية] قد أُنشئت في جميع أنحاء سوريا، خاصة وأن الحاجة إليها أصبحت مثل إعصار يهب على الأرض، فمن يستطيع تقدير نتائجها للجيل الصاعد... في الحالة الحالية للأشياء، سيثبت هذا أنه مساعد قوي للتجديد النهائي لهذه الأرض. بدلاً من تغيير شخص واحد، نأمل أن يتم الوصول إلى الكثيرين ممن لن يسمعوا الإنجيل، وسيكون الكتاب المقدس كتاباً قياسياً في كل عائلة.

كان النصيريون يعلمون أن هذه المدارس "كانت تعتزم تحويل أطفال النصيريين، ولهذا السبب أصر الشيوخ النصيريون على أن المدارس يجب أن تكون تحت إشرافهم، وأنه "لا يمكن استخدام أي وسيلة لتحويل الصبي الذي ستجعله اليفاعة عرضة لمثل هذا الانحراف". ذكر وارتابيت أيضاً:
قبل عشرين عاماً، كان اسم البروتستانت كلمة جديرة بالازدراء قولاً وفعلاً، حتى تم تجنب البروتستانتي باعتباره مجذوماً، ولكن الآن [منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر] لم يعد الأمر كذلك، وصار يُنظر إليه بشكل أفضل وأكثر احتراماً من قبل جميع طوائف الشرق تقريباً، على الرغم من اختلافهم مع عواطفه ومشاعره.

بدأ المبشرون الأميركيون عملهم بين النصيرية العام 1857. طلبوا من السلطات العثمانية منحهم تصريحاً لفتح مدارس بين النصيريين ومُنحوا تلك التصاريح. وافتتحت مدرستين للنصيريين، واحدة للبنين والثانية للبنات. كان التعليم مجانياً. كما سُلمت الكتب مجاناً. وخلال السنوات التالية، افتتح المزيد والمزيد من المدارس التبشيرية في جميع أنحاء الإمبراطورية العثمانية بما في ذلك منطقة النصيريين. وكُثفت أنشطة المبشرين بين السكان الأصليين لسوريا بشكل خاص بعد الحرب الأهلية عام 1860. بدأ المبشرون بالتدخل في السياسة العثمانية تجاه الأقليات، ومع الوقت أصبحوا أكثر نفوذاً.

أثار تكثيف العمل التبشيري في سوريا الكبرى شكوك السلطات العثمانية، فهم استوعبوا خطر السيطرة الأجنبية على نظام التعليم السوري، لكن الإمبراطورية العثمانية كانت ضعيفة للغاية على الصعيدين المالي والسياسي، وكانت تحت رحمة القوى الأوروبية، وخاصة بريطانيا وفرنسا، للمساعدة في الحفاظ على وجودها. في ذلك الوقت، لم تكن مدارس الدولة العثمانية أكثر من غرفة ملحقة بمسجد (كتّاب) حيث تعلم الأطفال المسلمون السنة تلاوة القرآن، وبالتالي استبعد الأطفال الدروز والنصيريين لعدم وجود مساجد في مناطقهم.

في العام 63-1862 نشر نصيري سابق يُدعى، سليمان الأذني كتاباً بعنوان "الباكورة السليمانية في كشف أسرار الديانة النصيرية". في مقدمة الكتاب الذي يكشف الأسرار الدينية للنصيرية، يروي الأذني قصة تحوله من النصيرية إلى الإسلام، ثم إلى طوائف مسيحية مختلفة وإلى اليهودية، حتى أصبح أخيراً بروتستانتياً راسخاً. وبحسب جيسوب، فقد اعتقل العثمانيون الأذني بتهمة الهروب من الخدمة العسكرية وسُجن. لم يطلق سراحه إلا بعد تدخل المبشرين البروتستانت، مشيرين إلى أنه بروتستانتي وبالتالي مُعفى من الخدمة في الجيش. يدعي بعض العلماء مثل هاشم عثمان أن اسم الأذني كان في الواقع اسماً مستعاراً لمبشر بروتستانتي مسيحي، وأنهم نشروا هذا الكتاب الملفق ليثبتوا للسكان المحليين وخاصة النصيريين أنه بعد دراسة جميع المذاهب، كانت البروتستانتية هي الصحيحة.

على الرغم من العمل لسنوات بين السكان المحليين، إلا أن نجاح المبشرين البروتستانت في تحويل الناس إلى المسيحية كان محدوداً. وبحسب جيسوب: "حتى الآن في سوريا، حدثت التحولات في حالات منعزلة، هنا وهناك يأتي شخص إلى جانب الرب، لكننا لم نشهد بعد إحياءً عاماً يضيء كل القلوب ويعطي مثل هذا الترقب للسماء مُجسدة على الأرض".

خلال هذا العام (1860) قام المبشرون البروتستانت بتعميد المدعو حمود وهو أول متحوّل نصيري. أما العمادة الثانية فكانت عام 1864، وفي العام 1865 تم تعميد أول امرأة نصيرية تحولت إلى البروتستانتية. يذكر جيسوب أنه في العام 1866، وبسبب العمل المكثف بين المسيحيين والنصيريين، أعلن 300 يوناني ونصيري من قرية صافيتا (شمال سوريا يسكنها مسيحيون ومسلمون ونصيريون) أنفسهم بروتستانت، لكن العشرات منهم فقط صمدوا حتى النهاية. ولذا قرر المرسلون تكثيف عملهم بين الأقليات المحلية، ولا سيما النصيرية.

في العام 1868، أوضح المبشر الأميركي جورج إي. بوست، في طرابلس، مرة أخرى أهمية العمل بالقرب من المناطق المأهولة بالسكان النصيريين من أجل تنويرهم و"تقويض أسس الإسلام بين أولئك الذين هم أقل تعلقاً بجميع تعاليمه. في العام 1869 بدأت الإرساليات البروتستانتية العمل بين النساء النصيريات أيضاً. في ذلك العام افتتحت الآنسة كروفورد مدرسة داخلية للبنات في اللاذقية. التحقت بهذه المدرسة عشرات الطالبات النصيريات اللائي اخترن في النهاية التحول إلى البروتستانتية وبحلول العام 1873 كان معظم المعلمين في المدارس الأميركية من البروتستانت. وفي هذه المدارس كانوا يقرأون الكتب الدينية التي كانت جزءاً من المنهج.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها