الخميس 2023/07/06

آخر تحديث: 12:22 (بيروت)

فيلم "بيكسار" الجديد Elemental... الحب ينتصر في عالم موازٍ

الخميس 2023/07/06
increase حجم الخط decrease
يعاني قسم الرسوم المتحركة في شركة ديزني حالياً من أزمة. في العام الماضي، أخفق فيلما الشركة، "عالم غريب" و"سنة ضوئية"، في شباك التذاكر. هذا العام، جاءت النسخة الحيّة من فيلم الرسوم المتحركة الكلاسيكي "الحورية الصغيرة"، مثلها مثل إعادات التقديم الأخرى لأفلام الرسوم المتحركة السابقة من ديزني؛ ناجحة نسبياً، لكنها لم ترق أبداً إلى مستوى التوقعات المالية. الآن من المتوقع أن يؤمّن فيلم "Elemental"، أحدث إنتاجات شركة بيكسار التابعة لديزني، أعمال المجموعة في مرحلة ما بعد كورونا المستهدفة لهذا العام، بعد عودة دور السينما إلى طبيعتها.

فبعد إصدار ثلاثة أفلام مباشرة عبر منصة "ديزني بلاس"، هي "سول" و"لوكا" و"التحوّل للأحمر"، عادت استوديوهات بيكسار إلى دور السينما العام الماضي بفيلمها "سنة ضوئية". وحتى إن أدّى الوباء إلى زعزعة عادات الاستهلاك والتوزيع، فالشركة التابعة لديزني حريصة على أسبقية الشاشة الكبيرة في تسلسل العروض الجماهيرية. هذا ما صرّح به المخرج والمدير التنفيذي بالشركة بيت دوكتر خلال مهرجان "كانّ" السينمائي الأخير، معترفاً بأنه من المحبط رؤية المتفرجين الشباب يكتشفون على هواتفهم المحمولة أفلاماً استغرق تطويرها سنوات...

"Elemental" أو "عناصري"، الفيلم السابع والعشرون من إنتاجات الشركة التي ثوَّرت صناعة الرسوم المتحركة بفيلمها "قصة لعبة" (1995)، هو أول فيلم روائي طويل في التاريخ مصنوع بالكامل باستخدام الصور المنشأة بالحاسوب CGI، وقد عُرض للمرة الأولى عالمياً في نهاية أيار/مايو الماضي على ساحل الكروازيت في ختام النسخة 76 لمهرجان "كانّ"، في إشارة لافتة من بيكسار لمسعاها العودة من جديد إلى سوق صالات السينما ومنافسة الأسماك الكبيرة الأخرى. ورغم صعوبة الوفاء بمستهدف الشركة، بالنظر إلى تحقيق الفيلم أسوأ افتتاحية لبيكسار في شباك التذاكر الأميركي حين عرضه قبل أسبوعين؛ لا بد من القول إن هذا الفيلم يعدّ إنجازاً تقنياً حقيقياً.


"Elemental"، مثل غيره من إنتاجات بيكسار، مشروع طموح جداً. فهذه المغامرة الفانتازية، الدائرة أحداثها في عالمٍ متروبوليتاني متخيّل يحاكي مدينة نيويورك بوضوح، استغرق تطويرها وإنجازها سبع سنوات كاملة. يتناول الفيلم ثيمات وموضوعات اجتماعية وسياسية من تلك التي انتظمت بيكسار على تناولها، كالهجرة والعنصرية والإقصاء الاجتماعي وصراعات الأجيال. في الوقت نفسه، "Elemental" أيضاً قصة حب قديمة الطراز نسبياً، على غرار روميو وجولييت، مسرودة بنَفَس ونهج رومانسيين كلاسيكيين. باختصار، يعطي الفيلم انطباعاً بأن ديزني، المعروفة بما تحمله أفلامها من نقد اجتماعي، لم ترد أن تحمل لواء التقدمية في أعمالها هذا الصيف واختارت أن تلعبها بأمان.

لكن الفيلم يملك بالفعل الكثير ليقدّمه من حيث الجماليات المرئية. ففي المدينة الملوَّنة والمبهرة المليئة بناطحات سحاب منتصبة في السماء، وجسور وسكك حديدية عملاقة تمرّ فوق ممرات مائية؛ تعيش كائنات مجسِّدة للعديد من العناصر الأساسية (ومن هنا يأتي العنوان)، أي الماء والنار والهواء والأرض. عالم مدينة العناصر مذهل حقاً. مدينة مستقبلية وخيالية حيث يتعايش سكان النار والماء والأرض والهواء. تندمج الجماعات الثلاث الأخيرة معاً، لكن جماعة النار - بألسنة اللهب التي لا يمكن السيطرة عليها في بعض الأحيان ما يجعلها كائنات خطرة - تظلّ معزولة عن البقية.

المخرج بيتر سون، الذي شارك في العديد من إنتاجات بيكسار على مدار الأعوام العشرين الماضية، يعالج هنا تجاربه الحياتية المبكرة عندما كان طفلاً لمهاجرَيْن كوريَين قدما إلى حيّ برونكس النيويوركي في الثمانينيات. بطلة الفيلم هي "إمبر لومين"، إطفائية شابّة وذكية تجد صعوبة في إدارة عواطفها، وتعيش مع عائلتها التي تملك متجراً في حيّ "فاير سيتي"، المهمل والمتهالك. والدها بيرني على وشك التقاعد، ويريدها أن تتولّى العمل من بعده. وعلى الرغم من أن إمبر تحاول المساعدة (مع نتائج كارثية في كثير من الأحيان)، إلا إنها تريد الاستقلال وتكريس نفسها للفنّ وبناء عالمها خارج تفويضات والديها، المتمسّكين بالتقاليد السائدة في موطنهما القديم، "أرض النار".

أما قصّة الحبّ المذكورة أعلاه فتتشكّل بدخول مخلوق الماء "ويد ريبل" حياتها. كيف يمكن أن تكون العلاقة بين فتاة من نار وشابّ من ماء، ستصبح إجابة هذا السؤال جزءاً من المسألة التي يتناولها الفيلم. يعمل ريبل لصالح حكومة المدينة ويهدّد بإغلاق متجر والديها بسبب عيوب في البناء. تتدخّل إمبر وفجأة يتعيّن عليها التعامل مع الجسم الحكومي القابع في وسط المدينة عبر النهر العظيم. في هذه العملية، يتقارب إمبر وويد، المخلوقان الصغيران المختلفان تماماً والممنوعان من لمس بعضهما البعض.

يُسرد الفيلم من منظور الشخصية الأنثوية القوية التي تمثّلها إمبر، والممزقة بين الفرص التي توفّرها المدينة المبهرة وقيود حياتها العائلية القائمة على التقاليد. على عكسها، يأتي المحبوب والأخرق ويد بعائلة ليبرالية تحتضن الانفتاح على العناصر الأخرى، بينما يتعيّن على إمبر إخفاء صديقها الجديد عن والديها. عندما يشجّع ويد صديقته على تجاهل التقاليد، تماماً كما يليق برجل أبيض من الطبقة الوسطى من دون خلفية مهاجرة ويملك نظرة ليبرالية للعالم ومكانة آمنة اقتصادياً؛ يدخل العاشقان في جدالٍ محتدم وتذكّر الفتاة صديقها بعدم حساسيته تجاه وضعها كإبنة مهاجرين. في هذه المرحلة، يطوّر الفيلم، الرومانسي بعض الشيء، إمكانات نقدية اجتماعياً؛ تجعله راهناً ولصيقاً بأحوال اليوم.

والحقيقة، أن الفيلم مليء بالأفكار المضحكة والمستوحاة والمفاجئة، وفيها تحضر المدينة الكبيرة (المتروبوليس) باختلافاتها الاجتماعية وزواياها المهملة وبنيتها التحتية المعطّلة وناطحات سحابها اللامعة عالماً حضرياً ضخماً. يتعلّق الأمر بقصص الهجرة، والتعامل مع الإقصاء العنصري، وتقبُّل الآخر، ومحاولات الربط بين عوالم تبدو غير قابلة للتوفيق، والولاء للأهل من دون إنكار الذات. في هذا الصدد، لا يُخفي الفيلم الجانب السلبي للمدينة العظيمة الساطعة، بل يجعله الموضوع الفعلي لسرده. على الرغم من كل الصراعات والتناقضات، فهذا فيلم تصالحي وتوافقي في حلوله وخلاصاته، بأسلوب بيكسار المعتاد. نداءٌ من أجل تنوّع وتعددية مُعاشَيْن عملياً ويُتفاوض عليهما بطريقة هجومية. تلعب الاختلافات الطبقية دوراً مهماً، مثلما تفعل صراعات الهوية السياسية والانتماءات، وتُقدّم كلّها بطريقة ميسَّرة حتى يمكن للجمهور اليافع فهمها.

خلاصة القول، لم تعد بيكسار كما كانت. صحيح، لا تزال أفلامها معجزات بصرية وروائع من حيث طرح التحديات والتغلّب عليها في مجال الرسوم المتحركة، لكن يبدو أنها فقدت الكثير من الفعالية والحساسية للتواصل مع الجمهور من موقع أكثر نقاءً وأصالة. يتابع الفيلم خطّ قصص بيكسار الأكثر تجريداً، لكن النصّ، الذي يجمع بين أمثولات عن المهاجرين وقصة حبّ مستحيلة، لا ينجح أبداً في مراده. المفهوم الأصلي ذكي، والمرئيات مذهلة، والرومانسية والعلاقة بين الأب وابنته تملك بعض اللحظات الحسّاسة والمؤثرة، لكن الفيلم نفسه لا ينجح أبداً في إثارة إعجاب وإغواء وتوريط متفرّج، أبعد من الاستمتاع بجودة الرسوم والمرئيات المتحركة، يريد كذلك إعمال عقله وقلبه تأثّراً بهذا النوع من القصص. حققت بيكسار هذا بالفعل مرات عديدة. دعونا نأمل أن تفعلها مرة أخرى.

(*) يُعرض حالياً في الصالات اللبنانية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها