الثلاثاء 2023/07/11

آخر تحديث: 13:40 (بيروت)

وسام كيروز لـ"المدن": "قصتنا" بين حب لا يعيش...ويأبى الموت

الثلاثاء 2023/07/11
وسام كيروز لـ"المدن": "قصتنا" بين حب لا يعيش...ويأبى الموت
كيروز: "الحياة لا معنى لها إلاّ في كونها واحدة، فريدة، قابلة للضياع.. الحياة رائعة وثمينة لأنها هشّة"
increase حجم الخط decrease
بين بداياتٍ هي نهاياتٌ، ونهاياتٌ هي بداياتٌ، ولدت "قِصّتْنا"، لتكون دهشةً موسيقيّةً في سوقٍ رتيبةٍ لا تغري فنّياً أو إنسانياً. "قصتنا" كشعرٍ غنائيٍّ جاءت رقيقةً، تفضح كل شيءٍ من دون أن تقول أيّ شيء، لكنّها في الوقت عينه جارفةٌ، تسطو على أغوارنا بلا تكلّفٍ أو استئذان، لتعجن ذاكرتنا على هونِها، بصورٍ مبتكرةٍ ذات دلالاتٍ رمزيّةٍ غزيرةٍ لم تعد مألوفةً في عصر الكلمة السهلة والمغالاة في تسطيح الشعور. أمّا اللحنٍ فهو أوركسترالي ميلانكولي متعالٍ على معايير التراكيب اللحنيّة السائدة التي يسهل حفظها كما نسيانها، وهو يستدعي تركيزاً وتأملاً عميقاً لاستيعاب جماليّاته وتداخلاته الهارمونيّة وانتقالاته النغميّة التي جاءت مصهورةً بالكلمة وكأنّهما كيانٌ واحد.

هذا العمل الذي ألّفه ولحنّه وسام كيروز ليتلقاه الجمهور بأداءٍ ساحرٍ لعبير نعمة التي احسنت انتقاء أغنيتها، يبدو وكأنّه سقط في زمانٍ غير زمانه، فهو مثال للأغنية الكاملة التي نتعطّش اليوم إليها، بدءاً من الكلمة فاللحن ومروراً بالتوزيع والغناء، وهو يجسّد تجربةً إنسانيّةً ناضجةً وعميقةً كان لا بدّ أن نقف عندها مطولاً في هذه الحوار التي أجرته "المدن" مع كاتب وملحن الأغنية وسام كيروز.


-  دعنا نستهّل حديثنا بدءاً من الكلمة، "قصّتنا" هل هي قصّتك؟

* أكثر ما يدهش المتلقي هو الارتباط بين الشاعر والقصيدة، أو حتّى بين المغنّي والأغنية. هل كان شادي شخصاً حقيقيّاً في طفولة فيروز؟ من الذي ملّت أم كلثوم انتظاره؟ من هي المرأة التي يتحدّث نزار قباني بلسانها في قصائده الثوريّة؟

لكن بالنسبة للشاعر، كلّ قصّةٍ على وجه الأرض هي قصّته، ربّما في لحظةٍ ما في مخيّلته، وربمّا في لمحةٍ من ماضيه. الأغنية ليست قصّتي، بل الانتظار الذي فيها هو قصتي وقصّة كل إنسانٍ. عالقٌ في المنتصف صاحب "قصتنا"، عالقٌ بين الأحلام المنكسرة والمستقبل الذي لن يأتي، عالقٌ بين آثار الحبّ وغيابه، عالقٌ في الحبّ الذي لا يعيش، ولكنّه يأبى أن يموت. كلّ تلك القصص هي قصتي وقصتك أيضاً.

- ما بين النهايات والإبداع الفنيّ، عوالم مشتركة، فالأولى تخلّف وراءها فيض المشاعر والثاني يستثمره ليتجسّد. أتغري النهايات إلهامك دائماً؟

* النهايات ليست بدايات كما يقال، النهاية هي الحتميّة التي تصبح باباً للخلق. النهايات تحكم البدايات، لأن البدايات إذ وجدت، حُكم عليها أن تنتهي. ليس هناك مشاعر أقوى من اليقين بأن المشاعر تنتهي، وليس من حنينٍ أكبر من القول بأن الحنين لم يعد يلمسنا، وليس هناك من تمردٍ أكبر من أن يقول الإنسان إنهّ استسلم للقدر. في ذلك النوع من النهايات.. أجد بدايةً ما!

- هل أفشت "قصتنا" ما كتمتَ من أسرار؟

* دائماً أتذكّر أغنية فيروز الكبيرة، والأخيرة بنظري، "في أمل".. "حبيبي.. كرمالي.. تنيناتنا بنعرف شو صار". أعمق الأسرار هي تلك التي يعرفها اثنان، ولا يواجه أحدهما الآخر بها، أنا أعرف أنك تعرفين، وأنت تعرفين أنّني أعرف، ونبقى في الصمت. في كلّ مناورةٍ في الحبّ، أعرف أنّك تعرفين، وفي كلّ مناورةٍ في الحياة، تعرفين أنّني أعرف. كبشرٍ يمزّقنا شعورنا بأننّا لم نعد غامضين. يؤلمني أنّني لم أعد سراً بالنسبة لمن أحبّ... و"قصتنا" هي مجرّد معاندة.

- ماذا لو كان "في وقت نعيد" تجاربنا الخائبة؟ هل كانت "قصتنا" ستولد، أم أنّك كنتَ لتستغرق في تكرار ماضيك كرّةً بعد أخرى؟

* "قصتنا" تولد فقط في غياب الفرص الثانية، وفي الحقيقة ليس هناك من فرصٍ ثانيةٍ. الحياة لا معنى لها إلاّ في كونها واحدةً، فريدةً، قابلةً للضياع، وهي غالباً ما تضيع. حياةٌ واحدةٌ فريدةٌ ضعيفةٌ، نفرّط بها! ليست الحياة حساباً مفتوحاً. الحياة رائعةُ وثمينةُ لأنّها هشّة.

- في ما يتعلّق باللحن، نلاحظ أنّ لديك مهارة فريدة في تطويع الجمل اللحنيّة في خدمة السياق الدرامي للشعر الغنائي.. في رأيك، كيف تُغنِي تجربة الكتابة شخصيّتك كملحن؟ وماذا تضيف توأمة الكلمة واللحن، وخروجهما من المصدر عينه، إلى العمل نفسه؟

* بالنسبة لتجربتي الخاصة، الكلمة واللحن يولدان معاً، ويظلاّن معاً. تبعث فكرةً واحدةً الشرارة في المسارين، مسار الكلمة، ومسار اللحن. لا أريد أن أنظر إلى اللحن والكلمات من منظارٍ واحدٍ، لكن بالنسبة لي، هما دائماً نبعٌ واحدٌ.

التوزيع كوجهٍ آخر للمعنى

- طُرحت الأغنيّة في رؤيتين مختلفتين في ما يتعلّق بالتوزيع، الأولى أوركستراليّة شاعريّة، والأخرى إيقاعيّة سريعة إن صحّ التعبير، أيّهما أقرب إلى تصوّرك؟

* الأقرب هو التصوّر الأوركسترالي الميلانكولي. أمّا الثاني فكان محاولةً ناجحة لإعادة صياغة الميلانكوليا بقالبٍ من الفرح، كأن تضحك في وجه القدر.


- نلاحظ في التوزيع الإيقاعي السريع، أنّ الكورال شارك عبير نعمة غناءها ليصور العمل وكأنّه وداعٌ صاخبٌ فاتحٌ ذراعيه إلى العالم، بينما أوحى التوزيع الأوركسترالي بأنّ الأغنية بوحٌ رقيقٌ وهمسٌ مكتئب في أذن الحبيب.. في رأيك إلى أيّ مدى يساهم التوزيع في خلق المعنى؟

* التوزيع أجنحة العمل، ولا يجد العمل عمقه عند المتلقي إلّا عبره. بالنسبة للشاعر والملحن، العمل يكون مكتملاً ومنظوراً في ذهنهما، لكن من ينقله من هناك؟ وماذا يضاف إليه وكيف تعاد صياغته ويتطوّر فهمه جرّاء نقله؟ ذلك هو التوزيع... ليس أقلّ من ذلك.

- تجربتك في المجمل تجمع عالمَيّ الإعلام والموسيقى، فهل تعيش صراع العقل والقلب؟ أم أنّ الإعلاميّ والموسيقيّ المجتمعين فيك على وفاق؟

* لا شيء فيّ على وفاق. ولا أريد ذلك الوفاق، الوفاق بين تناقضاتنا فيه شيءٌ من النفاق. لا يستكين القلب إلاّ بألف حربٍ وحرب، بألف معركٍة ومعركة. حياتي الصحافيّة أضع فيها مقداراً من القلب أيضاً. والصحافيّ الذي في داخلي ينادي الموسيقيّ الذي بداخلي أيضاً ويقول له: سيدي، أنت لا تملك حصريّة القلب!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها