الإثنين 2023/11/13

آخر تحديث: 12:15 (بيروت)

مكادي نحّاس لـ"المدن": لن نعرف الهناء قبل تحرير فلسطين

الإثنين 2023/11/13
مكادي نحّاس لـ"المدن": لن نعرف الهناء قبل تحرير فلسطين
الفلسطينيون ليسوا وحدهم، ونحن كفنانين لا نملك سوى أصواتنا، وسنكون أصواتهم
increase حجم الخط decrease
قد يكون السؤال في زمن الإبادة الاسرائيلية لشعب قطاع غزة: ما جدوى الغناء الآن؟ السؤال محق في هذا الزمن المرعب، لكن في الجانب الآخر، الغناء للقضية الفلسطينية يبدو لنا محاولة لإحياء أصوات ناس غزة، لإحياء الذين قتلوا في سبيلها. والحال أن ما يحدث في غزة وفظاعته كاد ينسينا أنّ الأغنية ربما تكون النافذة الوحيدة التي نرى منها فلسطين، نافذةٌ تُخرج الأرض المحتلّة من طابعٍ ميتافيزيقيٍّ، إلى واقعٍ منتظرٍ وملموسٍ ولو وجدانياً. فاللحن لن يسقط طائرة، والكلمة لن تلوي ذراع صاروخ، والصورة لن تستبدل واقعاً مسعوراً بآخر، لكن كل شيءٍ في وطننا مغايرٌ للشائع. غناؤنا الآن لم يعد ترفاً، بل واجباً، فبينما يرّنم العالم لصغاره كي يناموا، نغني نحن لرجالنا كي يستيقظوا، ونسدّ آذان أطفالنا، علّ صوت الطائرة التي ستقتلهم يحل على مسامعهم سكينةً مزيّفةً.

الأغنية الفلسطينية في وقتنا، هي محاولةٌ للوقوف بينما يجثم كَونٌ على ظهرنا، وهي صدى متجدّد قاعدته معاكسة، كونه يعلو مع مرور الزمن، كما أنّه ضرورةٌ وجدانيةٌ وتاريخيةٌ وميدانيةٌ، أدركها العديد من الفنانين، كالأردنيّة مكادي نحاس التي وقفت قبل أيام بجوار عددٍ من الفنانين المقاومين، أمثال لطفي بوشناق والفنانتين درصاف الحمداني ولبنى نعمان، بمشاركة الأوركسترا السمفونية التونسية في مسرح الأوبرا في تونس، ليرفعوا الصوت عالياً. وهذا الفعل ليس غريباً على فنانةٍ لا تعتبر فلسطين "تريند"، بل قضية مصيريّة لا تغيب من بالها ولا من فنّها.

وقد كان لـ"المدن" هذا الحوار مع مكادي للوقوف على دور الغناء كفعل مقاومة. 

- قبيل الخوض في أيّ كلام، ماذا تعني لك فلسطين؟

* فلسطين تعني لي كما تعني لكلّ الشرفاء في الشرق والعالم. فهي قضيتنا الرئيسة، ومن دون تحريرها لن يعرف الوطن العربي هناءً أو استقراراً.

- كيف صارت القضيّة الفلسطينيّة جزءاً أساسياً من تجربتك الفنيّة؟

* ولدتُ لعائلةٍ سياسيّةٍ، والدي من السياسيين البارزين  في الأردن، وقد لعب أدوراً مفصليّةً، خاصةً في ما يتعلّق بالتحركات المرتبطة بالقضيّة الفلسطينيّة، وكان أشدّ الداعمين لنضال الشعب الفلسطيني، بالإضافة الى كونه كاتباً وأديباً وأحد مؤسّسي رابطة الكتّاب الأردنيين. وأنا كبرت وترعرعت ضمن هذا الواقع في منزلٍ سياسيٍّ ثقافي وفنيّ، الفنّ فيه يحمل فكراً ويخدم قضايا الناس على جميع الأصعدة.

- قلتِ دائماً أنّك تحلمين بالغناء في فلسطين، هل ما يحصل في غزة اليوم يجعل حلمك أكثر إلحاحاً؟

* بلا شكّ، ما زلت اتمنى أن أغنّي في غزة وفي كلّ مدينةٍ فلسطينيّة بعد تحريرها!

- أنتِ من أبرز الأسماء التي تغني التراث اليوم، أتعتقدين أنّ الأغنيّة التراثيّة الفلسطينيّة ستمنح القضيّة الفلسطينيّة انتشاراً عالمياً وتبدّل السرديّة الصهيونيّة التي يسعى الإعلام الغربي لإشاعتها حول ما يحدث في غزة؟

* بالتأكيد، فنحن عندما نغني التراث نؤكّد على هويّتنا وجذورنا وانتمائنا لأوطاننا، ونجاهر بأنّنا لسنا طارئين على هذه البُقعة من العالم. التراث هو الذي يحفظ كينونتنا ويعلّل التصاقنا بهذه الأرض الطيبة. وأعتقد أنّنا كفنانين، كلّما أفرطنا في المحليّة وغرقنا في التراث أكثر، كلّما حقّق فنّنا انتشاراً عالميّاّ أوسع. 
الفنّ والتراث والثقافة ثالوث يؤكد هويّتنا كأصحاب أرض، فالعراق وفلسطين وسوريا والأردن ولبنان والدول العربيّة تتميز بتراث عظيم علينا حفظه لنحفظ أنفسنا وهويّتنا وحقّنا في أن نكون، وأن ندافع عن قضايانا ضد الغرب والصهيونيّة.

- ما جدوى الغناء اليوم والطائرات قد فجرّت الصدى؟

* جدوى الغناء أنّه يُبقي على الأمل بأنّ الظُلم زائلٌ. والغناء هو صوت من لا صوت لهم. وهو أيضاً بمثابة تأكيدٍ أنّنا معهم ونشعر بهم وأنّهم ليسوا وحدهم. ونحن كلّما رفعنا صوتنا، نرفع صوتهم أيضاً، ونغني أوجاعهم وكلّ ما يمرّون به.

- الأغنية سلاح من لا سلاح له، أم لَهو لمن تخاذل عن حمل سلاحٍ أو حجر؟

* الأغنية الملتزمة بقضايا الناس بالتأكيد هي سلاحٌ في وجه الظلم والظالمين، وهي أيضاً سلاح من لا سلاح له، كما ذكرتِ في السؤال. أمّا الأغنية السطحيّة التي لا تقدّم شيئاً، وخصوصاً في مثل أوقاتنا الصعبة في هذه الأيام، فهي لَهو وتخاذلٌ بلا ريب. 

- الفنانون الناجحون، ربّما، مقاتلون فاشلون على الجبهات، ماذا عن المقاتلة في مكادي نحّاس؟ 

* بالتأكيد الفنان بشكلٍ عام، إنسانٌ حسّاسٌ ومرهفٌ، وبالنسبة لنا صوتنا وموسيقانا وأغانينا هي السلاح، لكني أستطيع أن أقول عن نفسي أّني مقاتلة على كلّ المستويات، في فنّي وما اُقدّم وما اختار من غناءٍ ومواضيع، وحتى في انتقائي لأنواع الموسيقى التي أقدّمها. وهذا ينطبق على شتّى موضوعات الحياة بشكلٍ عام. 

- كخطابٍ وجدانيٍّ، تاريخيٍّ، ما دور الأغنيّة اليوم، أتذكّرنا بما نسيه العالم؟

* لطالما كانت الأغنية صوت الناس والواقع. الاغاني الأصيلة والعميقة التي تعبّر عن قضايا جادة، تعمٍّر طويلاً، ونحن اليوم نسمعها في الإذاعات ونشاهدها في شاشات التلفزة وحتّى عبر الـReels في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يثبت كونها خطاباً، وجدانياً، وتاريخيّاً حياً، ومستمراً.

- بالعودة للحفلة التضامنية التي شاركتِ فيها في تونس، الى جانب مجموعة من الفنانين، ما أهميّة المشاركة الجماعيّة في هكذا مناسبة؟

* أهميّة المشاركة تستخلص من أهميّة الحدث والتوقيت. فقد نُظمت هذه الحفلة الكبيرة من قِبل وزارة الثقافة التونسية دعمًا للشعب الفلسطينيّ في غزّة. وهي رسالةٌ مباشرة هدفها التأكيد على أن الفلسطينيين ليسوا وحدهم، وأنّنا كفنانين لا نملك سوى أصواتنا، وسنكون أصواتهم.

- لماذا لا تمتد هذه التجربة إلى سائر العالم العربي؟ هل سنرى مكادي في أمسياتٍ مشابهةٍ في مسارح العواصم العربيّة قريباً؟

* أتمنى أن تمتّد مثل هذه الفاعلية الى بقيّة العالم العربي، وأتمنى أن نساهم ولو بجزءٍ معنويٍ وبسيطٍ في مساندة أهلنا في فلسطين.

- بعد الحفلة التضامنية في تونس، تضعين اللمسات الأخيرة على "يمّا مويل الهوى" دعماً لغزة، لماذا هذه الأغنية بالذات؟

* "يما مويل الهوى" من الأغنيات التراثيّة التاريخيّة المعروفة في المشرق العربي. وهي من أغاني النضال التي تتحدّث عن حكم النذل لفلسطين، وفيها دعوة صريحة تحث الناس على النضال والثبات، وأنا غنيتها من قبل، واليوم أرغب في إعادتها برؤيةٍ مختلفة مع الفنان الفلسطيني شادي زقطان، دعماً للصامدين في غزّة. 

- ماذا بعد أن تنتهي الأغنيّة؟

* الغناء لا ينتهي ولا يخفت صداه، خاصةً عندما يكون تعبيراً عن قضايا إنسانيّة، أو مساندةً لأصحاب الحق. سنظلّ نغنّي للقضيّة ولأصحاب الحقّ.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها