الثلاثاء 2023/12/05

آخر تحديث: 12:36 (بيروت)

رحيل أشرف عبدالغفور :نقيب الأزمة...والوجه المألوف في كل بيت

الثلاثاء 2023/12/05
increase حجم الخط decrease
شيعت جموع الفنانين في مصر، ظهر الإثنين، الفنان أشرف عبد الغفور، نقيب المهن التمثيلية الأسبق، عن عمر ناهز 81 عاماً، وذلك بعد دقائق قليلة من وصوله إلى المستشفى على أثر حادث سير تعرض له على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي. ويمكن وصف وقائع الحادث بالغريبة، بحسب ما جاء في تحقيقات نيابة مدينة السادس من أكتوبر، التي أوضحت أن الفنان الراحل قد توفي بسبب هبوط حاد في عضلة القلب فور وصوله إلى المستشفى بصحبة زوجته التي كانت معه في السيارة وتعرضت لإصابات طفيفة، ويبدو أن الصدمة العصبية التي تعرض لها عبد الغفور، وليس الحادث في ذاته، هي التي أدّت إلى الوفاة.

وقد سألت أحد أعضاء نقابة المهن التمثيلية -فضّل عدم ذكر اسمه- عن معلوماته عن الحادث، فأفاد أن فناناً تشكيلياً عمره 33 عاماً، كان يقود سيارته بسرعة تجاوزت المسموح به، وعند منحنى أحد الجسور، فوجئ بسيارة أشرف عبد الغفور ولم يستطع تفاديها، فاصطدم بها من الخلف، ودفعها للأمام حتى ارتطمت برصيف الطريق ما أدى إلى تهشمها وتعرض الفنان الراحل وزوجته لإصابات متوسطة إلى خفيفة، لكن وقع الصدمة كان قوياً على الرجل الذي تجاوز الثمانين من العمر.

وكشف موت عبد الغفور بهذه الطريقة المأسوية، حالة الحب والتقدير التي كان يتمتع بها بين زملائه من الأجيال الفنية المختلفة، وسيل المواساة الجارف الذي أحاط بابنته الفنانة ريهام عبد الغفور منذ قدومها إلى المستشفى وحتى إتمام إجراءات الجنازة ووصول الجثمان إلى مقابر الأسرة، لا سيما أن الفقيد وابنته كانا حريصين دائما على الوقوف بجانب زملائهما في المواقف الصعبة التي يمرون بها.

وعبد الغفور عبد الجواد – وهذا هو اسمه الحقيقي – من مواليد 22 حزيران العام 1942 في مدينة المحلة الكبرى في دلتا النيل، لكنه تربى في منطقة الجيزة وتعلّم في مدارسها وظهرت عليه علامات حبّه للتمثيل أثناء دراسته الابتدائية، وظل يمارس هوايته حتى حصل على دبلوم التمثيل سنة 1963 بعد عام من وقوفه المسرحي الأول مشاركاً في مسرحية "جلفدان هانم" من بطولة الممثلة المسرحية نعيمة وصفي وممثل الكوميديا محمد عوض، ومن إنتاج فرق مسرح التلفزيون المصري التي أنشأها المسرحي السيد بدير مطلع ستينيات القرن الماضي. ومع بروز نباهته الفنية خصوصاً تمكّنه من الأداء بالعربية الفصحى، انضم عبد الغفور إلى فرقة المسرح القومي، وبات قاسماً مشتركاً في معظم عروضها المسرحية، مثل: مصرع غيفارا، وطني عكا، النار والزيتون، موتى بالقبور، الملك لير، وهولاكو. كما أدت قدراته الصوتية وتمكنه اللغوى لسطوع نجمه كصوت إذاعي مميز، حتى تجاوزت أعماله أمام ميكروفون الإذاعة، المئة عمل من روائع المسلسلات والبرامج الإذاعية.

بيد أن تلك الملكات الفنية التي تمتع بها عبد الغفور لم تكن كافية كي تفتح له شاشة السينما ذراعيها، فكان فيها مجرد ممثل زائر، على الرغم من حالة الترحيب التي لاقتها بداياته السينمائية منذ ظهوره الأول في فيلم "القاهرة 30" للمخرج صلاح أبو سيف العام 1966، وأتبعه بفيلم آخر في العام نفسه هو "المراهقة الصغيرة" من إخراج محمود ذو الفقار، قبل أن تأتيه علامته المميزة في فيلم المخرج حسن الإمام "قصر الشوق" العام 1967، أحد أجزاء ثلاثية الأديب نجيب محفوظ. واللافت أن سنوات نشاط أشرف عبد الغفور السينمائي تركزت بين العامين 1966 و1977 قدم خلالها نحو 15 فيلماً، قبل ان تنقطع صلته تماماً بالعمل السينمائي، ومن أبرز علاماته السينمائية: "لسنا ملائكة" إخراج فطين عبد الوهاب، "الشوارع الخلفية" إخراج كمال عطية، "صوت الحبّ" إخراج حلمي رفلة، "ذات الوجهين" إخراج حسام الدين مصطفى، و"لا شيء يهم" إخراج حسين كمال.

ورغم أنه ظهر سينمائياً في مرحلة تغيير الجلد التي شهدتها السينما المصرية أواخر الستينيات، والتي أفرزت كلاً من نور الشريف وحسين فهمي ومحمود ياسين، فإن الأداء الرصين لأشرف عبد الغفور ورفضه لكثير من الأدوار التي كانت تعرض عليه، واستحواذ الثلاثة الكبار على كعكة البطولات السينمائية، كلها عوامل حالت بينه وبين نجومية السينما التي راح يبحث عنها سريعاً عبر شاشة التلفزيون، وتحققت له مع ظهوره في مسلسل "القاهرة والناس" للمخرج محمد فاضل الذي استمر عرضه خمس سنوات، فخرج عبد الغفور بعده وجهاً تلفزيونياً مألوفاً في كل بيت، ثم توالت أعماله التلفزيونية، خصوصاً ذات الطابع التاريخي أو الديني، فتقلّب على كل الشخصيات الدينية أو التاريخية المعروفة تقريباً، أمثال أئمة الفقه الإسلامي ورواة الحديث، والعز ابن عبد السلام، وصلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس، إلى جانب أدواره الاجتماعية في مسلسلات شهيرة مثل: "الفنان والهندسة، عادات وتقاليد، بنت من شبرا، حضرة المتهم أبي، فارس بلا جواد، زيزينيا، شيخ العرب همام، الرحاية، يتربى في عزه، لحم غزال"، ومسلسل "رشيد" الذي كان آخر أعماله التلفزيونية في العام الحالي، ولم يمهل القدر الفنان الراحل كي ينتهي من تصوير دوره في مسلسل "نقطة سوداء" حيث كان قد تبقى له نحو عشرين بالمئة من مشاهده التي كان من المفترض تصويرها في بيروت.

وفي العام 2011، يوم كانت مصر تعيش أجواء أحداث 25 من يناير، والفنانون يشهدون حالة من التشرذم والانقسام بين لوائح بيضاء وأخرى سوداء، خرجت أصوات من داخل الوسط الفني تقول: أليس فيكم رجل عاقل يجتمع حوله أرباب المهنة؟ ولم يكن هذا الرجل سوى أشرف عبد الغفور الذي نودي به نقيباً للمهن التمثيلية في مصر لمدة ثلاث سنوات كانت من أحرج السنوات في تاريخ مصر وفي تاريخ الممارسة الفنية، ونجح عبد الغفور في مهمته، واستطاع تهدئة الأوضاع وإقرار الكثير من اللوائح التي ساعدت في ضبط الأداء المهني، ورغم تصديه لكثير من القضايا الشائكة إلا إنه خرج من تجربته النقابية بلا أعداء تقريباً، وهو ما تأكد للجميع في مشهد وداعه الأخير. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها