الأربعاء 2023/12/27

آخر تحديث: 08:55 (بيروت)

جوزيف الحاج...الصورة عرضة لانتهاك الذكاء الاصطناعي أكثر من غيرها

الأربعاء 2023/12/27
increase حجم الخط decrease
كانتْ فكرة اللقاء أو الحوار مع المصوّر والكاتب، جوزيف الحاج، مقرّرة قبل جائحة كورونا، وقبل انفجار 4 آب في مرفأ بيروت، وقبل إعلان اختراع الذكاء الإصطناعي... للحديث عن علاقة زميلنا، في "المدن" لفترة، بالصورة والتصوير والمصورين والكتابة، لكن أموراً طارئة ومتشعّبة، شخصية وعامّة، أجّلت كل المواضيع والأفكار والمشاريع، والمصادفة في الأيام الأخيرة جعلتنا نجري الحوار، انطلاقاً من حضور الكتابة والصورة في الذاكرة.


- كيف تلقيت خبر اختراع الذكاء الإصطناعي وتأثيره على الصورة وفبركتها وتزييفها... بل تأثيره على كل شيء من الأغاني إلى الموسيقى والوظائف والسينما؟‬‬‬
طبعاً سيكون للذكاء الإصطناعي (AI) تأثيره الكبير والخطير على كل هذه القطاعات التي ذكرت، غير أنّ الصورة ستكون عرضة للإنتهاك أكثر من غيرها. وراء الصورة هناك نظرة بشرية تنقل الواقع بصدقٍ وتعبّر عن مبدعها، بينما يتباهى "الذكاء الإصطناعي" بتفوقه على الإنسان. تعترف إحدى الشركات العاملة في مجال تطوير هذه البرامج (Absolutely AI) مهنئة نفسها بهذا الإنجاز: "ليس مبالغة القول إننا تخطينا اللحظة التي تؤكد أن الآلة قد أصبحت فناناً يفوق بدرجات موهبة الإنسان".

بدأ شيء من هذا الذكاء يتسرّب إلى حياتنا اليومية منذ وقت طويل من خلال هواتفنا المحمولة. وصحيح أنّ البعض اعتبر "الذكاء الإصطناعي" ثورة على مستوى تسريع المعالجات الحاسوبية والألغوريتمات، وأشاد بتأثيراته الإيجابية على صورة الإعلان (مثل توفير انتقال فرق التصوير إلى أمكنة بعيدة، وخلق صور تفوق الخيال...) غير أنّ "ثورته" الحقيقية التي اقتحمت كل شيء قد بدأت فعلاً. اعتبره إيلون ماسك: "أكبر تهديد لحضارتنا".


في الغرب بدأت التساؤلات المقلقة حوله: "ما قيمة ما يحققه؟". وباشرت الورش القانونية وضع نصوص تضبط التعاطي به، خصوصاً أنه يجعل الحدود بين العمل الأصلي والآخر المشغول بواسطته ضبابية. القوانين الأوروبية لا تصنف صورة فوتوغرافية على أنها عمل فني إن لم تكن موقعة من إنسان ولا تحمل بصمات مصوّرها وشخصيته. كذلك يفرض القانون الأميركي على العمل الفني أن يكون إبداعاً بشرياً خالصاً. 


 من المعلوم أن الصورة شهدت منذ ولادتها تعديات وسّعت إمكانيات تشويه وتزوير عناصر تكوينها وبنيتها (مثل تصحيح الإضاءة، تعديل الألوان، إستعمال المراشح (Filters) وبقية إمكانيات الروتوش اللانهائية...) يدوياً في البداية، واليوم بواسطة برامج الكومبيوتر المعالجة للصورة، فوتوشوب مثالاً.

القلق من تأثير ذكاء الآلة على الفنون مبرّر: لأي سبب يمكن التنازل عن عملية الإبداع التي يمتاز بها الإنسان وحده وتفويضها للآلة؟
   
 ‬

- في رأيك، هل يمكن في الخيال الاستغناء عن الكاميرا مستقبلا؟
استخدام الذكاء الإصطناعي هو أول بوادر هذا التخلي، إذ إنه ينتج صوراً من دون الإستعانة بآلة تصوير. حتى أيامنا عرفناً شكلاً آخر وهو إرفاق الكاميرا مع آلة أخرى هي الهاتف المحمول. لكن هذا الدمج لم يلغ الكاميرا تماماً. فماذا يخبئ لنا المستقبل من تحولات؟


 
- في أي زمن للصورة تتعلّق، زمن الأبيض والأسود، زمن الملوّن، الديجتال، زمن الهواتف النقالة والسلفي...  
منذ بداية الفوتوغرافيا كان لكل زمن تقنيته. لم يتوقف تطور هذه الوسيلة الفنية لناحية تقنيتها. أما تعلقنا نحن جيل ما بعد منتصف القرن الماضي فكان للأسود والأبيض بالرغم من بلوغ تقنية الألوان ذروة إكتمالها. كان اعتماد الأسود والأبيض يشكّل نوعاً من حرية المصوّر، فهو وحده يظهّر السلبية وبطبع صوره مختاراً الكثافة اللونية وحدّة التباينات بين اللونين الأسود والأبيض وتدرجاتهما اللانهائية. في الأسود والأبيض ما يعوّض عن غياب اللون، على مساحته تتشكّل روحية المكان وعمق الشخصية الإنسانية ومشاعرها. كل ذلك لا يُنقص من أهمية التصوير الملون والإنحياز لتقنية دون غيرها من التقنيات الأخرى المتعدّدة. الديجيتال أو الرقمي سهّل الكثير بالنسبة للصورة: سهولة تحقيقها، سرعة انتشارها، إمكانيات استنساخها... ولو أدّى ذلك إلى مخاطر تزويرها وضياع حقوق ملتقطها. أما الهواتف النقّالة وكثافة انتشارها فهي ما يميّز بين المصور المحترف الذي لم يتخل عن كاميراته وبين أولئك الذين يرفعون هواتفهم عند كل مشهد أو حدث مفاجئ. السيلفي حققها أيضاً المصورون الرواد منذ بداية الفوتوغرافيا وحتى ما بعد الهاتف النقّال.

بالنسبة لي، ورغم ميلي إلى الأسود والأبيض المعتمد حتى اليوم رغم تطور التقنيات فإنني لا أرفض أبداً الملون والديجيتال والاستعانة بإمكانياتهما العديدة. ولدي موضوعات كثيرة حققتها بواسطة هذه التقنيات.


- بالعودة إلى بدايتك... كيف بدأت علاقتك بعالم الصورة؟
تعرّفت على أول آلة تصوير اقتناها الأهل في طفولتي المبكّرة، استغربت شكلها وبسببها دخلت مع أخي الأكبر محلاً لم نكن أرتاده كطفل وكان يثير حشريتي لما أراه من علب صفراء اللون متنوعة الأحجام (علب الأفلام) وصور لوجوه ولقطات لمهرجانات فولكلورية كانت تقام في بلدتنا الصيفية. المفاجأة الكبرى كانت بعد أيام عندما تم طبع الصور ومشاهدة ما التقط فيها من وجوه وأماكن بعيدة تقع خلف جبال لم نكن نتخيل وجود ما وراءها. لم أجرؤ على استعمال هذه الآلة إلا عند بلوغي الخامسة عشرة ولفترات متباعدة (لم أزل أحتفظ ببعضها حتى اليوم في أرشيفي). بعدها تحولت عن الصورة بسبب الشغف بالسينما وتقنياتها ومضامين أفلامها والنقاشات المعمقة في نوادي السينما في طرابلس. في تلك الفترة إقتنيت كاميرا سينمائية وصورت بعض الأشرطة، مع عودة إلى الإهتمام بالصورة الفوتوغرافية على يد محترف قدير هو رؤوف رحمة. مع بداية الحرب الأهلية ومخاطر ارتياد صالات السينما في المدن والعاصمة، إنحصر إهتمامي بالفوتوغرافيا والإطلاع على أعمال المشاهير من الرواد والمعاصرين، ومتابعة محاوراتهم في الصحافة الغربية من خلال القليل الذي كان يردنا من مجلات في تلك الفترات العصيبة. كنت أصور وأجرّب باستمرار في بيئتي وفي الطبيعة المحيطة.

- كيف أتيت إلى الكتابة عن الصور؟
مع بداية إهتمامي بالتصوير ثابرت على قراءة نقاد الصورة: رولان بارت في "La Chambre Claire" وأبحاثه الأخرى في هذا المجال. سوزان سونتاغ في "عن الفوتوغرافيا". ريجيس دوبريه وكتابه "حياة الصورة وموتها". روزاليند كراوس، إتيان هيلمر وآخرين... بدأت الكتابة في العام 1999 عندما كانت جريدة "المستقبل" تعدّ في صفحتها الثقافية مراجعة لأبرز إنجازات القرن العشرين. طلب الروائي حسن داوود عبر الصديق محسن أ. يمين إعداد موضوع عن التصوير يُعده مصور محترف، فكانت مشاركتي الأولى عن "تاريخ وتقنية التصوير الفوري - POLAROID"، نُشر المقال في 9 كانون الأول 1999- العدد"153". مذاك واصلت الكتابة في "المستقبل" حتى توقف صدور ملحقها الثقافي "نوافذ" بتاريخ 4 تشرين الأول 2015. بلغ عدد مقالاتي فيها 359 مقالاً.
مشاركتي في موقع "المدن" بدأت في 9 كانون الثاني 2013 واستمرت حتى أيار 2019 عندما توقفت عن المشاركة بسبب حدث أليم حلّ بالعائلة. بلغت مشاركتي 168 مقالاً.
مع المشاركة الصحفية، مارست تدريس التصوير في معاهد مهنية، أعددت مقرراً باللغة العربية يغطي المنهاج المطلوب. 


- هل أنت مصوّر أم فقط تهوى التصوير؟
 ما أجمل أن نبقى هواة حتى آخر المسار! نتعلم كل يوم، نراكم الأخطاء. نفشل أحياناً، وفي أحيان أخرى نحس بالزهو عند مديح الآخرين لنا. لفترة قصيرة احترفت مهنة التصوير. أبعدتني عن الهواية والتجريب وسرد الذات، لكنني استعدت حريتي وتخليت عنها، لأسترجع متعة التجوال بالكاميرا في شوارع المدينة القريبة وفي بيروت ودمشق وحلب...


- هل لديك أرشيف صور؟
بالتأكيد! الأرشيف هو السيرة الذاتية، التجارب الفنيّة، توثيق المكان وتحولاته، الوجوه، بعض المبدعين، أحداث وأنشطة ثقافية... الأرشيف هو يومياتي، هو الزمن المتسارع، هو الفرح، الحرية، العشق، وأحياناً، الغضب، الانتظار، المآسي، الفقد، الغياب، الحزن... حتّى الصمت.  عندما تشهد الصورة على كل ذلك، يبلغ الأرشيف ذروة اكتماله. أرشيفي محفوظ وموثّق بعناية وحرص زياد، ومشاركة شادي، الذين اختارا أيضاً طريق التصوير. مجمّع منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اللحظة. يحتوي على الأعمال الفوتوغرافية والفيديو. 


- بأي المدارس التصويرية تهتم غالباً؟
 إلى الإبداعات الفردية، عرفتْ الفوتوغرافيا العديد من المدارس والتيارات التي تركت تأثيراتها حتى اليوم. أعجبنا بها فاستوحينا منها محاولين تقليدها بشكل ما. تعرفت على التيار الإنساني الفرنسي والعالمي، الذي اهتم برصد الإنسان في حياته اليومية، منهم: روبير دوانو، إدوار بوبا، ويلي رونيس، هنري- كارتييه بريسون، براساي، دنيز كولومب، أندريه كيرتيز، سابين فايس، فيرنر بيشوف... مصورو الأزمة الإقتصادية الأميركية في ثلاثينات القرن الماضي، الذين جمعتهم منظمة "Farm Security Administration" لتوثيق تداعيات الأزمة الإقتصادية التي ضربت الولايات المتحدة في ثلاثينات القرن الماضي، أبرزهم: واكر إيفانز، دوروتيا لانج، راسل لي، بن شان...  مصورو مدرسة فرانكفورت. مصورو حروب القرن العشرين. أما الأسماء الفردية فهي لا تحصى، أذكر التشيكي جوزف سوديك، الألمانيان هيلا وبرند بيش، كذلك بعض الأسماء اللبنانية المعاصرة، فؤاد الخوري مثلاً. التأثر بالآخرين لا ينتهي ولا يقتصر على أسماء معينة عرفت الشهرة، فقد يُعجب المحترف بنظرة مصور هاوٍ ويتأثر بها، لمَ لا؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها