الجمعة 2023/12/29

آخر تحديث: 12:32 (بيروت)

حازم العظمة لـ"المدن":الشعر نادر..وبقاء الاستبداد صار مستحيلاً

الجمعة 2023/12/29
حازم العظمة لـ"المدن":الشعر نادر..وبقاء الاستبداد صار مستحيلاً
الرقابة، حين كنت في دمشق، كنت أراها وأتجاهلها
increase حجم الخط decrease


يجمع الكثير من النقاد والشعراء على أن الطبيب والشاعر السوري المقيم في باريس، حازم العظمة، يكتب قصيدة مكثفة قائمة على الحذف "تبدو منقطعة الصلة عن جيلها الشعري، إذ إنه يكتب ظلال اللغة، لا اللغة نفسها"، ولديه مفرداته الحداثية غير المنقطعة عن التراث، ومعجمه اللغوي، يستمدّه من الصحراء والطبيعة ويقف على تخوم المدينة، وهو في ديوانه الأخير "أول العشب"عن دار المتوسط، يواصل كتابة قصائده متمايزة ومتفرّدة.


- صدر ديوانك "أول العشب" وأنت في باريس، ما الذي أضافه المنفى لك، ما الذي أخذه منك؟ هل تغيرت لغتك بين دمشق وباريس؟ هل "الحرية" تثمر لغة مختلفة؟ هل سبق أن تعرضت للرقابة الذاتية والسلطوية في دمشق؟
عوز الحرية هو الذي يصنع لغته بالأحرى، لا أعيش في منفى ولا يعجبني أن ثمّة منافي، لا اعتقد أن لغتي تغيرت بين دمشق وباريس، ربما لأن الشعر لغة كونية، ومع أنها تستلهم تفاصيل الأمكنة والأوطان إلا أنها لا تذهب بذلك سوى إلى فضاءات أوسع، لا تكترث كثيراً للقوميات أو للقارات. الممرّات التي يعبرها الشعر لا قومية محددة لها. بالإضافة لذلك الثقافة الفرنسية في بعض اتجاهاتها لم تكن غريبة عني، ومثلاً ستندال الذي قرأته بشغف في وقت مبكر، أو تاريخ كومونة باريس الذي ألهمني دائماً. الرقابة، حين كنت في دمشق، كنت أراها وأتجاهلها. نحن في بلادنا- حيث عوز الحرية مطلق - نتحدث عن الحرية بمفهومها الأولي الأساسي، مفهوم الحرية هنا بعد أكثر من مئتي سنة من الثورة الفرنسية موضوع نقاش فلسفي، وثمّة من يريد ردّه إلى مفهوم ميتافيزيقي.


- أنت الذي تعيش في باريس، شعرياً لا زلت تزور الصحراء والطبيعة والأرض وانواع الأشجار، ومفرداتك اللغوية تشابكت، على نحو كثيف، مع مفردات الطبيعة... وتقول:

حين كانتِ الأرضُ شاعرةً 

وكنا حفاةً 

تسرّب منها إلينا

عبرَ أقدامنا الرقص...

هل الأرض مصدر إلهامك الشعري؟ هل لا زلت حارس الصحراء على تخوم المدينة؟

 الشعر في ما يذهب إليه يستمد من تاريخ الأنواع لا من نوعنا وحده، من الوقائع الصغيرة بالإضافة إلى كل ما في سعة العالم من كائنات. بهذا المفهوم يمكننا أن نعيد أصوله إلى الأرض وليس وحسب إلى أيام أو عقود ما في تاريخ فرد واحد أو من مكان واحد.


-هل تشعر بالحنين الى البيت الدمشقي؟

أكيد، ثمّة أماكن وبشر، تداعيات غزيرة وصور، هناك ما استمر ينمو مغروساً عميقاً في تطوّر ووعي الناس، ربما هذا ما أرعب الجلادين وأسيادهم.


- متى يمكنك العودة إلى سوريا؟

لا أعرف، صعب جداً بل مستحيل، طالما نظام الاستبداد وعصابته ما زالوا هناك، لا أعرف مثلاً ردة فعلي أمام "حاجز أمني"، مهما كان ذلك الشيء (الأمني) بذيئاً، لا أضمن ردة فعلي، لم أضمن ردة فعلي يوماً، حتى قبل الثورة.


- في الديوان يرد اسم إيلوار الفرنسي وامرؤ القيس العربي، ماذا يعني لك هذان الشاعران.

 امرؤ القيس كان لي دائماً مصدر إلهام، في سيرته وشعره، (بعكس المتنبي جليس السلاطين الذي لا يعنيني في شيء)، الملك الضلّيل والصُعلوك في لغتنا المعاصرة تعني المتمرّد والثائر وهذا أجده يشبهني.

 بالنسبة لإيلوار مرة أعارني الصديق جولان حاجي بيته في سان دُني شمال باريس، وفي صباح اليوم التالي اكتشفت أن إيلوار كان يمشي هنا في هذا الشارع وأن متحفه على بعد شارعين. هكذا ابتدأتْ قصيدتي عن إيلوار.


- إلى أي درجة مارست الحذف والمحو في ديوانك "أول العشب"؟ كيف تكتب القصيدة، في أي زمان، في أي مكان؟

 مسودات هذا الكتاب، ربما كانت ثلاثة أضعاف ما نشرته. أحذف كثيراً، أحياناً القصيدة تقصر وتقصر إلى أن تتلاشى. كثيراً ما أكتب في الشارع، أعني أن ذلك يدور في رأسي إلى أن أصل إلى البيت وأدوّنه. 


- هل قصيدتك منقطعة الصلة عن الأب الشعري عن الجيل الشعري، كما يستنتج بعض النقاد؟

أظنّ أنها منقطعة تماماً. لكنها تتصل بعيداً في عمق اللغة والشبكات التي تشيّدها اللغة في الزمن وفي وعي الزمن، ربما أستلهم كثيراً من شعراء قدامى، الشنفرى وعروة وامرؤ القيس ورهطهم. أحياناً أتمنى أن أقرأ لهم وأن يسمعوني. وليكن في الفلاة، حول نار آخر الليل. 


- تقول:

القصائد لا تُؤلَّفُ ولا تُكتَبُ...

إنّما، كحورياتِ البحرِ 

في الليالي المقمرة

تعبرُ من المياه العميقةِ إلى الشاطئِ...

إنمّا في غبشِ الفجرِ

تعبرُ من سياجاتِ الحقول...

 

أو تهبطُ على سطوح البيوتِ

تطوي المناماتِ

 

ترشُقُ النائمين على السطوحِ

بماء النجوم

... هل الشعر نتاج الحلم؟ تقول في مكان ما الشعر نادر، بازاء هذا منْ منَ القلة الشعراء لفتك في السنوات الاخيرة.

أجل الشعر نادر. لم يتكرّر الشنفرى أو أبو تمام كثيراً. "رامبو" لم يطبع من كتابه الأول سوى مئة نسخة. نصفها كسد لدى الناشر. الشعر ولغة الأحلام نسيبان، سوى أن الشعر أثرى وأبعد. مثله يغرف من تلك البئر الغامضة التي تدعى اللاوعي...


- ورد أمامي قول لك تعتبر أن "الردّ الحقيقي على 5 حزيران 1967 تأخر حتى آذار 2011. ولأنه تأخر كل هذا، لم يعد يهمّه كثيراً أن يكون رداً على شيء. صار رداً على كل شيء"..

ماذا يعني لك فشل أو اجهاض الربيع العربي؟ هل الثورة انتهت؟

الثورات ابتدأت ولن تنتهي سريعاً، حين نتحدّث عن ثورات إنما يدور ذلك عبر قرون أحياناً، في الثورة الوعي الذي تكون خلالها وحتى في هزائمها يتقدّم في طفرات تختصر عصوراً، بذرة الوعي التي أنتشت في الثورات ستنمو وتتجذر.. بقاء الاستبداد صار مستحيلاً.


- كيف كان تفاعلك مع الحرب على غزة، والعدوان الاسرائيلي على غزة، وقبلها هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، هل كتبت قصيدة، هل تكتب الشعر في هكذا ظروف؟

كلما ازدادت صورتهم تماهياً بالنازيين اقتربوا أكثر من التماهي الفعلي بهم. وهذا ما يضاعف حقدهم. لا نهاية لهذا سوى النهاية ذاتها التي كانت لنظام الأبارتيد الجنوب أفريقي. من جهتي حين أقترب من الأحداث السياسية أفعل ذلك بالمقال أو بالمنشور. نادراً ما أجد لهذا محلاً مباشراً في الشعر.


- في زمن موضة الرواية، هل فكرت في كتابتها؟

 لا أبداً لم يخطر ببالي. الرواية عمل دؤوب مثابر. الشعر هوى، شمس مفاجئة في نهار ماطر، مطر مفاجئ في عز آب. عاصفة برقٍ مرت بجانب البنت التي تبعتها الخيول. حين أشارت بيدها وقفوا في صف واحد وجثوا على ركبة واحدة.


- هل تقرأ الجيل الجديد من الشعراء؟

 أكيد. نادراً ما أجد شعراً. ربما لم أقرأ كل شيء. 

 

- ماذا تقول في قصيدة محمد الماغوط؟

الشاعر، أم مدير مجلة الشرطة!! الشاعر، أم مؤلف كوميديا التنفيس الجماهيري الشامل (بالاشتراك مع دريد لحام)!!


-علي الجندي؟                          

كانت ثمة فكرة شائعة في الستينات والسبعينات أن الشعر (الحديث) معادل للتسكع والكحول. الدولة كانت تروج لهذا.


-نزار قباني؟

سيحتاج رأيي فيه إلى مقال طويل. لا أعتقد أني سأكتبه يوماً.


-منذر مصري؟

كلما فكرت في منذر تداعى بـ"بشر وتواريخ وأمكنة". كوقائع حدثت فعلاً، وكعنوان مجموعة شعرية جميلة معاً.


-نزيه أبو عفش؟

المسيح وصليبه، لم يخرج يوماً من هذا (انظروني كم أتألم على صليبي).

 ليس ذلك فقط، هو أيضاً (نزيه أبو علي بوتين)كما سمى نفسه مرة ً في أثناء قصف المدن السورية. 


-سركون بولص؟

كلما ورد اسمه وجدت أني أعود إلى ما كتبه أبحث عن الشعر، ثمة كتابة مركبّة ولغة عالية، الشعر في مكان آخر.


-يوسف الخال؟

لا أعرف الظروف التي أدت إلى رواجه في ذلك الزمن كل هذا، تفاصيل ذلك قد تكون متوفرة، لكني لا أهتم. لا أجد علاقة له بالشعر، رغم الادعاءات الفظيعة.


-رياض الصالح الحسين؟

الشعر البسيط العذب البريء.


-أنسي الحاج؟

الوليمة، والرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع. وهكذا.


-سعدي يوسف؟

لولا موقفه الملتبس من ثورات الربيع العربي لكان شاعري المفضل.. أو ربما رغم ذلك.


عن الكاتب:

حازم العظمة: شاعر سوري من مواليد دمشق عام 1946. صدر له: "قصائد أندروميدا" (2004)، و"طريق قصيرة إلى عَراس" (2006)، و"عربة أولها آخر الليل" (2012).

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها