الأربعاء 2023/01/04

آخر تحديث: 16:11 (بيروت)

عاطف الحاج سعيد: تناولتُ الهوية الجنسية كحمّالة لجحيم المُغايَرة

الأربعاء 2023/01/04
عاطف الحاج سعيد: تناولتُ الهوية الجنسية كحمّالة لجحيم المُغايَرة
لم أفكر يوماً بكتابة أعمال أدبية بالفرنسية.. رغم إجادتي للغة
increase حجم الخط decrease
قبل سنوات ثلاث، علمت أن كاتباً سودانياً يدعى عاطف الحاج سعيد، يعيش معنا في أنجمينا في تشاد. ذهبت إلى بيته مع صديقي الروائي طاهر النور، وهناك التقيناه. كقارئ أنت مطالب بأن تعجب بكتابات الكاتب وليس بشخصه، لكن عاطف الحاج سعيد من النوع الذي تحبه من اللقاء الأول، فهو مهذب جداً ولطيف وهادئ وقليل الكلام، وهناك شعور بالسلام يغمرك حين تراه بطوله الفارع يمشي ويتحرك ببراءة الأطفال.

عاطف الحاج سعيد هو كاتب ومترجم وأستاذ جامعي سوداني، حاصل على درجة الدكتوراه في اللغويات التطبيقية، يعيش في العاصمة التشادية أنجمينا منذ سنوات. صدرت له في العام 2019 رواية "ربيع وشتاء" عن دار إبييدي للنشر في الإسكندرية، وهي الرواية الحاصلة على جائزة إبييدي للرواية العربية 2019. كما صدرت له رواية "عاصف يا بحر" عن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي في أم درمان، العام 2017، وقد نالت هذه الرواية جائزة الطيب صالح للرواية 2016، وقبل أسابيع فازت روايته الأخيرة "شمسان على النيل" بجائزة توليولا الإيطالية العالمية للرواية، وكانت الرواية نفسها قد فازت بجائزة توفيق بكار للرواية العربية في دروتها الثالثة. هنا حوار معه:

- تناولت روايتك الأخيرة "شمسان على النيل"، التي صدرت من دار نوفل هاشيت أنطوان، واحدة من القضايا المسكوت عنها في العالم العربي وهي مسألة الهوية الجنسية والتوجه الجنسي والتي عالجتها الرواية عبر شخصيات ملتبسة تعاني الكثير من الاضطرابات النفسية، فما الذي أردت إيصاله للقارئ عبر هذه الرواية؟

* أظن أنه من الأفضل النظر إلى هذه الرواية نظرة كلية، وليست انتقائية تسلط الضوء على الجوانب التي قد تبدو مثيرة للبعض، فهي قد تناولت مسألتي الهوية الجنسية والتوجه الجنسي ضمن إطار أوسع هو "جحيم المغايرة/المخالفة"، أي أن يكون الشخص مختلفاً في مجتمعه. تناولت "شمسان على النيل" نماذج متنوعة من الشخصيات المغايرة: "شمس الدين" مختلف بسبب اضطراب هويته الجنسية (جسده ذكوري وروحه أنثوية)، الجدّة "مريم" مختلفة بسبب ولادتها غير الشرعية ونشأتها وسط الانكليز وتماهيها معهم وما نتج عن ذلك من اضطراب في شخصيتها، وهناك "طلعت نبيل جرجس" واضطراب هويته الوطنية بسبب انتمائه لطائفة مسيحية صغيرة تعيش في بلد أفريقي مسلم، "بيتر كلارك" ولد مثلياً لكنه رافض لهذه المثلية التي تلقي بشقاء ثقيل على روحه، "نصر الدين زوربا" يعاني اضطرابا في توجهاته الجنسية فهو ظل متردداً وحائراً في علاقته مع شمس الدين، و"عبد الشافي" الذي يعيش حياة راكدة وبائسة بسبب ميله إلى مزدوجي الجنس، وغيرهم من الشخصيات التي تزخر بها الرواية. أردت أن أمنح القارئ عناصر، عبر السرد وتقنياته، تساعده على فهم الجحيم الذي تعيش فيه الشخصيات المغايرة، وفهم أن مغايرتها ليست اختياراً منها بل هي قدر تلبسها.

- تتسم أعمالك الأدبية بالجرأة الشديدة، لكن من خلال معرفتي المتواضعة بك، تبدو شخصاً هادئاً وخجولاً، هل تعتقد أن هناك علاقة بين الكاتب وما يكتبه، أم أن الكاتب يعيش حياتين مختلفتين؛ الحياة الشخصية والحياة الأدبية؟ 

* نعم ثمة علاقة وطيدة بين الكاتب وما يكتبه، ذلك لأن الكتابة الإبداعية تمثل معالجة لغوية لأفكار وتخييل يستمد عناصره الأولية من الحياة الواقعية للكاتب بكل مستوياتها الاجتماعية والفكرية والنفسية. أنا بالفعل أعيش حياة مزدوجة؛ حياة مهنية وأسرية واجتماعية تتقاطع قليلاً جداً مع حياتي الأدبية، أنا موجود في الفضاء الرقمي ومنصاته الالكترونية بوصفي كاتباً وروائياً، أنشر وأحاور وأتفاعل وأكوّن صداقات، لكن معظم الذين أتفاعل معهم في الحياة الواقعية هم من غير المهتمين بالأدب والكتابة الإبداعية وكثيرون جداً منهم لا يعلمون شيئاً عن اهتماماتي الأدبية. قد أبدو خجولاً وهادئاً كما تفضلت، لكن ذهني ساحة معركة للأفكار والأفكار المضادة والخيالات والخلق الأدبي.

- حصلتَ مؤخراً على جائزتين أدبيتين مهمتين؛ ماذا تعني لك الجوائز؟

* نالت روايتي "شمسان على النيل"، جائزة توفيق بكار للرواية العربية في دورتها الثالثة، كما حصلت مؤخراً على جائزة توليولا الإيطالية العالمية للرواية. أرى أنّ المسابقات الأدبية أصبحتْ عنصراً لا يمكن تجاهله ضمن العناصر التي تشكل المشهد الأدبي في منطقتنا العربية، وأرى أنها تؤدي دوراً جيداً في سياق عملية الإنتاج الأدبي بمكوناتها المعروفة؛ الكاتب والناشر والكِتَاب والقارئ، فهي تقوم الآن بدور الميسر بين الكتاب والقارئ، ذلك لأنها تساعد هذا الأخير على اختيار وإعداد قوائم القراءة الخاصة به. نعلم جميعاً أنّ كثيراً جداً من القراء ينتظرون لوائح الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) ولوائح جائزة الشيخ زايد للكتاب ليختاروا منها ما يناسب ذوقهم القرائي، وكما نلاحظ أيضاً أن الروايات التي توضع في غلافها ديباجة تشير إلى أنها حاصلة على جائزة الطيب صالح العالمية، أو جائزة توفيق بكار أو جائزة كتارا، على سبيل المثال، فإن حظوظها في التوزيع أفضل من غيرها.

- ولماذا يفضل القارئ الروايات الحاصلة على جوائز؟ 

* بالطبع لا يمكن التعميم بأن الروايات الجيدة هي فقط الروايات التي حصلت على جوائز، لكن الواقع يقول بأن القارئ لا يغامر بقراءة عمل مجهول ويفضل قراءة أعمال حصلت على تقدير أدبي ما، فالقارئ يفترض بأن عملية اختيار الروايات الفائزة في المسابقات تمرّ بعملية تمحيص نقدي على أيدي متخصصين في النقد الأدبي والدراسات الأدبية، ما يعني أن الرواية الفائزة قد خضعت لاختبار الكفاءة الأدبية واجتازته بنجاح مما يقلل مخاطر الوقوع في عمل أدبي غير مناسب، ومن هذا المنظور فإن الجوائز تقوم بعملية التنويه النقدي للأعمال الأدبية الجديدة. 

- أنت تعمل منذ سنوات مترجماً للغة الفرنسية؟ هل فكرت في الكتابة بهذه اللغة أو ترجمة أعمالك الأدبية إليها؟ 

* ظلت الترجمة بين اللغتين الفرنسية والعربية جزءاً مهماً من كل وظيفة عملت بها منذ تخرجي في الجامعة، لكني لم أفكر يوماً بأن أكتب بعض أعمالي الأدبية بالفرنسية أو أن أترجم بنفسي أعمالي الأدبية إليها، ذلك لأن كفاءة التعبير الأدبي المعقد باللغة الفرنسية لديّ تظل محدودة نسبة لأن هذه اللغة الأجنبية تعتبر لغة وظيفية بالنسبة إلي، بدأت تعلّمها وعمري أكثر من 25 عاماً، على النقيض من ذلك فإن كفاءة التلقي لديّ في هذه اللغة عالية جداً، وهو أمر طبيعي ومفهوم بالنسبة للمتخصصين في اللغويات التطبيقية. وبناءً عليه، فإنه، من الناحية المهنية البحتة، ينبغي على المترجم أن يترجم من اللغة الأجنبية إلى لغته الأم، وهناك تحفظات كثيرة على قيام المترجم بالترجمة من لغته الأم إلى اللغة الأجنبية مهما كانت درجة إجادته لهذه الأخيرة إلا في حدود، يمثل هذا المبدأ معياراً مهماً لتوظيف المترجمين في المؤسسات الدولية الكبرى (الأمم المتحدة ومنظماتها مثلاً).

- وهل يلتزم الأدباء ثنائيو اللغة بهذا المبدأ؟ 

* الكثيرون منهم يحترمونه. يمكنك أن تلقي نظرة على تاريخنا الأدبي لتفهم هذا المبدأ على نحو جيد؛ لم يقم، مثلاً، عبقري الرواية العربية الطيب صالح بترجمة أي من أعماله الأدبية إلى الإنكليزية رغم أنه ثنائي اللغة، تلقى كل تعليمه النظامي في السودان وبريطانيا باللغة الإنكليزية وعاش أكثر من ثلثي حياته في بريطانيا، كذلك لم يقمْ الكاتب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا بترجمة أي من رواياته إلى الانكليزية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها