الجمعة 2023/01/20

آخر تحديث: 19:48 (بيروت)

أدب سليماني

الجمعة 2023/01/20
أدب سليماني
إحياء ذكرى اغتيال قاسم سليماني في الضاحية الجنوبية لبيروت (المدن)
increase حجم الخط decrease
لم يتأخر "حزب الله" في الوصول إلى عالم الرواية والقصة القصيرة، ومعه السيناريو والسينما. لم يتأخر عن الفنون المصقولة بالأدب، أدب الصغير في حضرة الكبير، أدب المطيع الهانئ بدفء المانترا وأمان الأظافر المقلّمة... إلا مَن طردَه اللهُ من لدنه. كان قد بدأ بالشرائط المسجلة و"حجابك أغلى من دمي"، والخَطابة المنحوتة دِيناً وعُرفاً اجتماعياً وبياناً سياسياً جاهزاً للتبني مثل علب الفول الجاهز للأكل، ثم غرافيتي الشعارات الملتهبة بالوعيد، والشهادة ضبابية المعنى، والغَلَبة بكل معانيها الواضحة، وصولاً إلى لافتات "دامَ رُعبكم". فنون.

ثم ازدهر الإعلام وتوالَد من نفسه بفعل المحاصصة اللبنانية المعروفة، الحربي و"المدني" على حد سواء. تلفزيون وموقع إلكتروني وإذاعة، صارت شاشات وميكروفونات، بل وجيوشاً إلكترونية لا يُشق لذبابها غبار. وصَنَع الفيديو كليب أغنية حرب أبدية، وصولاً إلى "سلام فرمانده" وطفلات مكلّفات بأغطية رؤوس وعقول، وحسّ نقدي ممنوع من النمو. وتكاثرت الأفلام الوثائقية والمسلسلات المدبلجة عن الفارسية، ثم الناطقة بعربية لبنانية أو سواها كترجمة لخطاب الملالي وأسياد الزمان نفسه، بما هو محلّي أو ربّاني، لا فرق. فالترجمة أيضاً صنف أدبي، والعالَم صَدفَتُنا، مَحارة فولاذية والعقيدة في قلبها لؤلؤة أصلها تراب ومُنتهاها في القلوب والعيون... بل هي عَين واحدة، لا ترى إلا ما تُلهِم به حكمة القادة، من الخميني إلى خامنئي إلى وكيله الشرعي في لبنان وظِلاله كافة. الفن من أجل.. فن التعبئة والبروباغندا.

وتلك السينما المستقلة في إيران، التي هي فعل مقاومة بحقّ، والسينمائيون يُسجنون؟ إلى الجحيم هرولة. الأجدر بالفن أن يكون صابون الأدمغة، فالنظافة من الإيمان، ليكبر الصغار أوفياء، ويبقى الكبار على إخلاصهم طالما شبكة الخدمات تعمل، وزيت محرّكها دعاية محترفة حدّ الخرافة. ولتكن جائزة "عالمية" للإبداع بإسم "الشهيد القائد".

ليسوا الأوائل في العالم ولا في التاريخ، ولن يكونوا الأخيرين. لكنهم وسطَ استعارةٍ، الإبداعُ منها بريء، براءةَ المقاومة من "المقاومة".. منذ عقدين على الأقل.

وحزب الله لم يتأخر حتماً عن حجز مكانة متقدمة في قافلة القصيدة العمودية أيضاً (النثرية كُفر بالأصول؟).. ولو بعد قرون طوّرتها إلى حيث تجرأ آخرون، والجرأة الآن لمَن يعيدها إلى حيث لم تكن مَنابتُها يوماً إلا في خيال يقلّد خسائر البشر والحجر والاستقرار أوسمةَ "النصر الإلهي". القصيدة العمودية التي، حين التفكير فيها مع حزب الله، لا يسع المرء إلا تخيّل أعمدة كهربائية مُطفأة لكن مدججة بصور مُلتحين ماتوا في معركة شريفة ما، بحسب "الرواية"، الرسمية بما لا يقبل الشك... ومَن قال إن الإبداع َشرطُه الأسئلة؟ الأجوبة أهم من الأسئلة في كوكب "لبّيك". بل تأتي جاهزة، لا تشوّشها علامات الاستفهام المكروهة كرِجس من عمل الشيطان.

هي القصيدة التي يُلهب بها عريف الاحتفالات جمهوراً يجري أدرينالين كثير في أذرعه وقبضاته قبل ظهور نجمه المفضل على الشاشة الكبيرة. أو هكذا يريده، صوتاً وصورة. وهي نفسها القصيدة المنظومة المقفّاة المدبّجة بالإيديولوجيا من الأوزان كافة، في مدارس الحزب وكشاّفته وتقريباً في كل حفلة افتتاح أو مهرجان ذكرى أو مجلس عزاء.

لم يتأخر "حزب الله" عن وضع قضمة من الأدب في صحن "المقاومة"، مع سائر الأنواع الإبداعية التي لا يمكن لها، بالتعريف، أن تولد أو تعيش من دون حرية. لحق الحزب بركب العالم، ولو بعد حين. لم يتأخر كثيراً، بل كان يستعد، يُسخّن، يعدّ العدّة على ما تقول أدبياته. أدبياته هي أدبه المحتفى بجوائزه اليوم. أنبتت أجيالاً من الأنصار والمقاتلين والهاتفين وناذري الدماء والأرواح. تصك أدباً مثل المسكوكات الذهبية التي سُلّمت جوائز ثقافية بدلاً من الدولار.. والليرة أيضاً. مسكوكات من خيال ماضٍ في جنّة ماضوية، والعقل لا مكان له في الجنان.

الأعمال الشعرية والقصصية والروائية الفائزة بالمراتب الثلاث الأولى، ستُطبع وتوزع، فيما ستتكفل مديرية الإعلام في هيئة الحشد الشعبي العراقي بإنتاج الأفلام القصيرة الفائزة. الحشد الشعبي مُنتجاً سينمائياً. لا كلام يُضاف إلى هذه العجيبة.

في أميركا، هناك هوليوود. في أوروبا، هناك "كانّ"، ومهرجانات برلين وروتردام، وجائزتا "نوبل" و"بوكر". وفي مَشرق "المقاومة"، في غيتوهات داخل بلاد منكوبة بالحروب والفقر والأزمات، مُقاوِمة للمؤامرات الكونية على أنظمة لا دماء كافية تبذلها شعوبها لإسقاطها، ولا صوت عالمياً ينتقدها إلا وكان دسيسة.. هناك عالمية خيّرة لمرة في هذا الزمان، جائزة "الشهيد القائد قاسم سليماني العالمية للأدب المقاوم" التي ستوصل إلى "كَونٍ صديق" إيديولوجيا مغلقة على هوية أحادية، وثأرية لا يُدَّخر في صناعتها جُهد، وقوالب تفكير يُعاقَب الخارج عليها بكل ما قد يخطر في البال من انتهاكات لحقوق الإنسان.

قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، الشهيد العابر للحدود، يأخذ العسكرة إلى طورها الثاني. إلى الثقافة. تمجيد الطوطم. و"الحمد لله أننا دائماً على حق". مبارك للفائزين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها