الأربعاء 2023/01/11

آخر تحديث: 20:30 (بيروت)

قراءة "غولدن غلوب" 2023: البعث والإحياء في الزمن الجديد

الأربعاء 2023/01/11
increase حجم الخط decrease
في لحظة ما، يحدث مشهد في حفلة توزيع جوائز "غولدن غلوب" الثمانين، يجعل المرء يحبّ مشاهدة احتفالات توزيع الجوائز السينمائية، بكل سلوكياتها وكل خطاباتها المملّة والمدرة للدموع. صعدت الممثلة ميشيل يوه إلى خشبة المسرح، على وقع احتفاء حارٍ من جارتها جايمي لي كورتيس، لتسلُّم جائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم الكوميدي المدوّخ "كل شيء في كل مكان في وقتٍ واحد"، قبل أن تطلب من عازف البيانو المرافق لصعودها أن "إخرس، من فضلك. يمكنني أن أضربك، أعني ذلك". يُلقي المضيف جيرود كارمايكل نكاتاً سيانتولوجية حول توم كروز (المنتمي إلى كنيسة العِلم scientology)، وهو الغائب الحاضر الذي يدين بذلك المذهب المريب، بينما يُلقي المُكرَّم الشرفي إيدي مورفي بنكاتٍ حول ويل سميث وزوجته، فيما المخضرمة جنيفر كوليدج تخلط بمرح بين جوائز غولدن غلوب وجوائز الأوسكار. لبضع لحظات، كل شيء كما ينبغي أن يكون في حفلة بيفرلي هيلز هذه: خفيف وأبله ومسلٍ بشكل لامع.

لفترة طويلة، اعتُبرت جائزة غولدن غلوب، الجائزة السنوية التي تمنحها رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود (HFPA) للإنتاجات السينمائية والتلفزيونية، مقدّمة جامحة وبصيرة لحفلة الأوسكار التي تقام بعدها ببضعة أسابيع. عندما لا تُقرع الأجراس في حفلة الأوسكار، فعادةً ما يسبقها قدر أقل من المرح والضحك في حفل الغلوبز، حيث يجلس نجوم المساء حول طاولات عشاء صديقة للقيل والقال مليئة بدِلاء الشمبانيا. في فندق بيفرلي هيلتون، يمكن للمرء أن يرى ما لا يُصدَّق، كيف أن المثال الحيّ لضبط النفس والثبات الانفعالي، تايلور سويفت، لا قدر الله قد تنفجر غضباً في وجه الجمهور، وتحدث ضجة غريبة عنها وعن مقام الأجواء الاحتفالية.

لكن، في الآونة الأخيرة، تعرّض المضيفون لانتقادات شديدة لدرجة أنه في العام الماضي، من بين كل الأشياء، أعُلنت الحفلة التي كانت تحظى بشعبية لدى الجمهور مجتمعاً مغلقاً على شلّة ضيقة وشبه منبوذة من الجميع تقريباً. في العام الماضي، لم تبث رابطة صحافيي هوليوود الحفلة، والطريقة الوحيدة لرؤية الفائزين كانت من خلال موقع غولدن غلوب ووسائل التواصل الاجتماعي. كان التصعيد وشيكاً لفترة طويلة. لسنوات، اتُهمت الرابطة بالفساد والعنصرية والتمييز على أساس الجنس. ففيما يصوّت ما يقرب من 10000 عضو في لجان تحكيم جوائز الأوسكار، ظلّ الأمر في غولدن غلوب منوطاً بما يقرره 90 مندوباً غالبيتهم من الرجال البيض، والذين أيضاً بدوا منفتحين تماماً على تلقّي الهدايا والمزايا من الفائزين المحتملين بالجوائز.

كما الأوسكار من قبلها، استجابت رابطة هوليوود لتراجع شعبيتها وخفوت ألقها، من خلال فرض قواعد جديدة واستحداث منصب "مسؤول التنوع الرئيسي". في أيلول/سبتمبر الماضي، أعلنت الرابطة أيضاً أنها رفعت عدد الأعضاء المصوّتين في هيئة المحلفين لتضم 200 شخص، نصفهم من النساء ونصفهم "متنوعين عرقياً". بالنسبة للكثيرين، لم يكن ذلك كافياً. على الرغم من الإصلاحات، انتقد البعض في صناعة السينما رابطة هوليوود لرفضها التعامل الحازم مع سوء السلوك السابق وتاريخ طويل من الشُبهات. ابتعد توم كروز عن الحدث احتجاجاً، حتى أنه تنازل عن جوائزه السابقة، كما غابت كيت بلانشيت الحائزة على جائزة افضل ممثلة عن دورها في فيلم تود فيلد الأخير الرائع "تارّ".

على الرغم من ذلك كله، عادت غولدن غلوبز من جديد إلى التلفزيون والإنترنت بعد تحوّلها الغامض بشكل غريب ومفتوح على التساؤلات. الآن تخضع الحفلة للتدقيق، لأنها على وجه الخصوص في الماضي القريب، باتت مادة السخرية من الصحافة والصناعة بسبب المعركة الفقاعية السنوية هنا وهناك وبسبب قرارات هيئة المحلّفين غير التقليدية. منذ حوالي عامين، استجلبت لجنة الجائزة شماتة الكثيرين، بعد قرارها ترشيح الدراما الموسيقية "موسيقى"، الباكورة الإخراجية لمغنية البوب سيا Sia، والتي لم تكن أبداً في المستوى اللائق للترشّح لأي جائزة محترمة.

لكن هذا العام، عكست جوائز غولدن غلوب كلاً من إنتاجات السينما والتلفزيون في العام المنصرم والواقع الاجتماعي بشكل أفضل من الماضي. فازت ملحمة السيرة شبه الذاتية لستيفن سبيلبرغ "آل فابلمان" - بشكل متوقع إلى حد ما - بجائزتي "أفضل إخراج" و"أفضل فيلم درامي"، لكن بخلاف ذلك كانت هناك بعض المفاجآت والمفضلات لدى الجمهور بين الفائزين. فازت الكوميديا التلفزيونية الساخرة "اللوتس الأبيض" بجائزة "أفضل مسلسل قصير"، وحصل جيريمي ألين وايت على جائزة عن دوره كطاهٍ شهير تحت الضغط في المسلسل البارع "الدبّ"، وفازت زندايا (غيابياً) بجائزة أفضل ممثلة رئيسية عن دورها في مسلسل المراهقة الجامحة "يوفوريا"، وهي أول غولدن غلوب تحصل عليها في مسيرتها القصيرة اللافتة.

إلا أن الفائز الأكبر في الأمسية كان الإيرلندي مارتن ماكدونا، حيث فاز فيلمه الكوميدي غامق المزاج "جنيّات إنشيرين" بجائزة أفضل فيلم كوميدي، مع جوائز أخرى ذهبت إلى السيناريو والممثل الرئيسي كولين فاريل. من ناحية أخرى، لم تكن هناك جائزة لبريندان فريزر، أحد أكثر الممثلين المُنادى بهم في موسم الجوائز الحالي. على الرغم من أنه كان يعتبر المفضّل للفوز لدوره في فيلم "الحوت"، وهو دراما غامقة أخرى بتوقيع المخرج دارين أرونوفسكي؛ فقد أعلن مقدماً أنه لن يحضر أبداً أي حفلة لغولدن غلوب مرة أخرى؛ وقال إن "تاريخه" مع الجوائز كان مميزاً للغاية. جدير بالذكر أن فريزر اتهم فيليب بيرك، الرئيس السابق لرابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود، بالتحرش الجنسي به قبل 20 عاماً. بينما نفى بيرك هذه المزاعم.

واحدة من أكثر اللحظات المؤثرة في الأمسية قدّمها الممثل كي هوي كوان، الذي فاز بجائزة أفضل ممثل مساعد عن دوره في مفاجأة العام السينمائي "كل شيء في كل مكان في وقتٍ واحد". بعد أدواره كنجم طفل في أحد أفلام "إنديانا جونز" للمخرج ستيفن سبيلبرغ وسلسلة أفلام "الحمقى"، في الثمانينيات، توقّفت مسيرة الممثل الفيتنامي بعدما لم يتمكن من الحصول على أي أدوار في هوليوود. في ظهوره على منصّة التتويج، بدا متأثراً للغاية وشكر سبيلبرغ على منحه الفرصة لإطلاق مسيرته، لكنه جاء في المقام الأول كتذكير بما تفعله الأحوال والظروف في صناعة السينما، والتي ساهمت فيها أيضاً منظمات مثل رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية، بالممثلين الملونين من غير الأميركيين.

لفت المضيف جيرود كارمايكل الانتباه إلى هذا الأمر في البداية، بقوله "أنا أقف هنا اليوم لأنني أسود". اتهم الممثل الكوميدي رابطة هوليوود بعدم وجود "عضو أسود واحد" ضمن أعضائها، حتى وفاة جورج فلويد، وأوضح أنه تمت دعوته ليقوم بدور "الوجه الأسود لمنظمة بيضاء". وأعرب أن موافقته جاءت أخيراً لأن الصناعة تستحق أمسيات مثل هذه؛ فضلاً بالطبع عن أجره البالغ 500 ألف دولار، حسب قوله.

بالطبع، هذا قرار سيادي (واستباقي) من قِبل كارمايكل للتعليق بشكل نقدي على وظيفته بعد إعادة تنظيم الجائزة نفسها، بدلاً من السماح للآخرين بتسميته رمزاً/واجهة لمنظمة مشكوك فيها. قوبلت نكاته أحياناً بردود أفعال متباينة. بدا أن الجمهور أخذ نكته حول فضيحة أوسكار ويل سميث من العام السابق بشكل سيئ للغاية: بعدما صفع سميث زميله كريس روك في ذلك الوقت، قال كارمايكل، يجب أن يحصل الآن على "جائزة روك هدسون لأفضل تصوير للذكورة". لكن ما كان مثيراً للجدل حقاً - أقلّه في وسائل التواصل الاجتماعي - هو جائزة إيفان بيترز، الذي لعب دور البطولة في مسلسل الجريمة الحقيقية "دامر – الوحش"، مجسّداً شخصية جيفري دامر القاتل المتسلسل المروّع المتوفي في محبسه في العام 1994. أداؤه للدور أثار الجدل وقت عرض المسلسل قبل ثلاثة أشهر، والذي انتقده أقارب ضحايا دامر واصفين إياه بأنه مؤلم وغير مراعٍ لأذية مشاعرهم.

لذلك، في غولدن غلوب هذا العام، شهدنا عملية مثيرة للاهتمام: تعاون مجتمع احتفالي بأكمله في محاولة لتجنّب المزالق الاجتماعية والسياسية الخرقاء كما كان الحال في العديد من الحفلات في السنوات السابقة، للتصرف بشكل أكثر سياسية وملائمة. وبمباشرة تامّة أيضاً، فقد وجّه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كلمات قتالية إلى القاعة عبر فيديو مسجّل.

بكل جدية، حاول الحفل الرقص طوال الليل بأقدام خفيفة قدر الإمكان. في بعض الأحيان كانت تنجح الخطة، وأحياناً ترتبك، وأحياناً أخرى تشهد زلازل معتدلة. على سبيل المثال، فاز فيلم "الأرجنتين، 1985"، الذي أخرجه سانتياغو ميتري وبطولة ريكاردو دارين وبيتر لانزاني، بجائزة أفضل فيلم بلغة غير إنكليزية. بينما ذهبت جائزة أفضل أغنية إلى الموسيقيين الهنود إم إم كيرافاني وكالا بهايرافا وراهول سيبليغونغ. بأغنيتهم المعنونة ""Naatu Naatu من فيلم ""RRR (المُطارد بانتقادات تخصّ خطابه القومي المتطرف)، انتصروا على أسماء صاخبة ووازنة في العالم الأميركي والغربي، مثل ريهانا وتايلور سويفت وليدي غاغا.

وينبغي أن يكون هناك المزيد من التجديدات: وفقاً لموقع "ذا هولييود ريبورتر" المتخصص بأخبار الصناعة الهوليوودية، كانت الحفلات التالية لإعلان جوائز غولدن غلوب أكثر تواضعاً هذا العام، بالمقارنة مع السنوات السابقة. يمكن قراءة هذا الخبر على أنه فاقد الصلة بالموضوع، أو باعتباره شيئاً طال انتظاره في الصناعة. على أي حال، تبحث غولدن غلوب عن دور جديد في عالم السينما، وهذه بالتأكيد ليست أسوأ فكرة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها