الثلاثاء 2024/03/26

آخر تحديث: 13:00 (بيروت)

الرواية العصيّة على الأفلمة..."كثيب 2" كتاب متمرد مثل بطله

الثلاثاء 2024/03/26
الرواية العصيّة على الأفلمة..."كثيب 2" كتاب متمرد مثل بطله
بعيداً من التأثير البصري الرائع، يبدو الأمر كله متعِباً وصائباً واحترافياً...لكن بلا عاطفة كبيرة
increase حجم الخط decrease
بعد مرور عامين ونيف تقريباً على الجزء الأول من "كثيب"، يأتي هذا الجزء الثاني (والأخير؟) من أفلمة الرواية "غير القابلة للأفلمة" والتي تحمل الاسم نفسه ونشرها فرانك هربرت العام 1965. يختتم المخرج الكندي، دوني فيلنوف، الفيلم المزدوج بالإثارة المتوقعة، لكن أيضاً بالمستوى ذاته من التشتّت والوقار اللذين ميّزا الجزء الأول في 2021.

إصدار هذا الجزء الثاني من "كثيب" كان متوقعاً بشدة لأسباب عديدة. بدايةً، لأنه اختتام مشروع سينمائي لمخرج مشهور مثل دوني فيلنوف، مع طاقم عمل مليء بالنجوم (هنا يضاف، من بين آخرين، فلورنس بيو، كريستوفر والكن، أوستن بتلر، ليا سايدو، وحتى مشاركة صغيرة ومفاجئة لآنيا تايلور جوي)، لكن قبل كل شيء لأن صناعة السينما العالمية تحتاج بشكل عاجل إلى فيلم ضخم قادر على تحقيق إيرادات في شباك التذاكر "مثل أفلام الزمن الماضي"، زمن ما قبل كورونا والحروب الخائبة. وبهذا المعنى، يبدو أن كل شيء يشير إلى أن هذا الجزء الثاني، الذي ارتفعت كلفته إلى 190 مليون دولار، سيحقق إيرادات أعلى بكثير من إيرادات الجزء الأول، الذي حقق 434 مليون دولار لأنه في ذلك الوقت كانت تداعيات الوباء لا تزال محسوسة وبالتالي خُطّط لإصدارٍ متزامن عبر منصة البث HBO Max.

وبعيداً من مشاكل البث الإنترنتي والسرد القصصي التي يواجهها "كثيب 2"، يقدّم الفيلم ما يعد به من حيث المشهدية والتأثير والتوتّر في العديد من مشاهده (من الافتتاحية المطبوعة بكسوفٍ في الخلفية إلى تلك التي تشهد عواصف رملية). مشاهدته في صالة سينما مجهّزة بالعتاد الصوتي المناسب تجربة نابضة بالحياة، جسدياً أكثر منها فكرياً، وبهذا المعنى هي مُرضية.

خلال العقود الأربعة الماضية، انتهت المهمة العملاقة المتمثلة في نقل ما يقرب من ألف صفحة من "كثيب" إلى الشاشة الكبيرة، بفشل ذريع للمخرج أليخاندرو خودوروفسكي، وبدرجة أقل أيضاً لديفيد لينش، الذي رأى المونتاج الأصلي لعمله يستحيل غباراً نجمياً من قِبل المنتج دينو دي لورينتيس وابنته. ليس من قبيل الصدفة إذن أن تحمل رواية هربرت الشهيرة، وهي واحدة من الطواطم الأساسية للخيال العلمي في القرن العشرين، صفة غير قابلة للأفلمة/الاقتباس. كتاب متمرد مثل بطله. وهو ما تؤكده مرة أخرى النسخة الجديدة لدوني فيلنوف. لكن الأمر، في هذه الحالة، ليس مشروعاً مجهضاً، فنجاح الجزء الأول، الذي تبلغ قصته ذروته عندما يبدأ البطل في العيش مع منبوذين من كوكب أرّاكِس، هو ما سمح بتمويل الجزء الثاني. كما أن المنتجين - في حالة فيلنوف – لم يهاجموا بمناجلهم النسخة الأصلية التي تزيد مدتها عن خمس ساعات ونصف الساعة إذا جُمع الجزآن معاً.


النصف الأول من القصة هو الأفضل لأنه يركّز بشكل كبير على المعارك التي تدور في وسط الصحراء. تبدأ المشاكل (أو تتفاقم) عندما تحدث المواجهات بين أولئك "الخيّرين" بالأساس (تيموثي تشالاميه، زيندايا، ريبيكا فيرغسون، خافيير بارديم، جوش برولين) وأولئك الذين يمكن تعريفهم - في بعض الحالات بفروقٍ دقيقة - كأشرار (أوستن بتلر، فلورنس بيو، ديف باتيستا، كريستوفر والكن، ليا سايدو، ستيلان سكارسغارد، شارلوت رامبلينغ).. مواجهات يتعهّدها السيناريو بالتربية، ومن ثمّ – كأنه فوجئ بها - يجد نفسه مضطراً لحلّها في عجالة من أمره.

لا يُعرف ما إذا كان السبب في ذلك هو ترك الكثير من المَشاهد على جانبي الطريق في النسخة النهائية، لكن في كثير من الأحيان لا تعمل مواضع الحذف بشكل صحيح تماماً وتبدو الانتقالات بين التسلسلات خرقاء ومفاجئة للغاية. الفيلم أيضاً يفتقر إلى بعض "الدماء" (حرفياً، ولكن أيضاً فنياً) لتحقيق تصنيف PG-13، المطلوب بدوره لزيادة شرائح الجمهور المستهدف، فقواعد اللعبة السائدة تتطلَّب تصنيفاً مناسباً للمراهقين. كما أن هذا الفيلم الرائج لا يفتقر إلى الوزن التمثيلي، فالثنائي المركزي المؤلف من فنانين مشهورين جداً ينضم إليه ممثلون شباب ومخضرمون، بالإضافة إلى عدد من النجوم الذين يشيرون إلى إمكانية ظهور فيلم جديد في جزء ثالث مستقبلي (روايات ملحمة "كثيب" التي كتبها هربرت ونسلها القصصي يبلغ عددها ما يقرب من 20). كما لا نقص في المَشاهد ذات التأثير البصري الكبير، خصوصاً تلك المرتبطة بالمعارك والمناوشات على الرمال. لكن على الرغم من الطموحات، وهي ليست قليلة، والرغبة في تجنب سخافة وابتذال سينما الخيال العلمي الأكثر انتشاراً، فإن ذلك كله يبدو متعِباً وصائباً واحترافياً، لكن دون عاطفة كبيرة.

على أية حال، حتى مع هذه المخاوف، فإن هذه القصة، المحتوية أحياناً على بعض العناصر التي تجعلها مشابهة لـ"حرب النجوم" أو "بيت التنين"، تحتوي على بعض المقاطع الملحمية والمثيرة للأدرينالين التي تجعلها أكثر من مجرد فيلم ضخم موجّه للاستهلاك الواسع. ربما كان أداء فيلنوف أفضل قليلاً من أليخاندرو خودوروفسكي وديفيد لينش (يبدو أن الجزء الثالث، إذا استمرت أرقام شباك التذاكر، أمر لا مفرّ منه)، لكن رواية فرانك هربرت المعقّدة والغامضة تظلّ عصية حتى على صانعي الأفلام الأكثر إنجازاً.

ولعل الاستثناء الكبير والحسنة الباقية للفيلم، افتتاحيته الممتازة والمشهودة، ذلك التسلسل الذي يجب فيه على أتريدس/المؤدِّب ترويض دودة وركوبها للمرة الأولى، ليؤكّد إيمان المتمردين الأكثر تديناً أمام النظرة المتشكّكة للآخرين. لأنه إذا كان هناك شيء واحد لا تفعله نسخة فيلنوف من "كثيب"، فهو ترسيخ روابط الفريمن، وسكان أرّاكِس، مع العالم العربي والإسلاموية، مثلما ربط "التوابل" مع عمليات استخراج النفط في الشرق الأوسط خلال زمن كتابة الرواية. هل سيكون هناك جزء ثالث، يأخذ مرجعه وأصله من إحدى التتمات الأدبية المتعددة في الملحمة؟ ربما، إذا صاحبَتها قوة البَيع وشباك التذاكر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها