الأحد 2022/09/04

آخر تحديث: 13:15 (بيروت)

House of the Dragon: كل الرجال سيموتون..والنساء أيضاً

الأحد 2022/09/04
House of the Dragon: كل الرجال سيموتون..والنساء أيضاً
يتناول المسلسل دور المرأة في مجتمع يهين عليه الذكور
increase حجم الخط decrease
بعد نحو ثلاث سنوات على نهاية "صراع العروش"، تعود شبكة HBO بمسلسل فرعي يغوص في عصور ما قبل التاريخ لهذه الملحمة، بعنوان "بيت التنين" House of the Dragon، يستند بدوره على الأصل الأدبي لعالم الممالك السبع وأساطيرها، سلسلة روايات "أغنية الجليد والنار" لمؤلفها جورج ر. ر. مارتن. 

يواجه المسلسل الجديد تحدّيين كبيرين: الأول هو مدى قدرته على تعويض وتجاوز أخطاء سلفه الشهير (صراع العروش)، والثاني توقيت عرضه بما يضعه في مقارنة مؤكدة مع إنتاج آخر طال انتظاره، وهو "خواتم القوة" (المتفرّع بدوره من سلسلة "سيد الخواتم")، الذي بدأ عرضه على "أمازون برايم" الجمعة 2 أيلول/سبتمبر.

الحلقات الأولى من الموسم الأول لـ"بيت التنين" تعطي الجمهور المحبط سبباً للأمل. في ما يتعلق بالمحتوى، عدّل صنّاع المسلسل النقطة التي جلبت الكثير من الانتقادات لـ"صراع العروش" في نهايته: المعاملة الفظة لواحدة من أهم الشخصيات النسائية الرئيسة، والأكثر من ذلك، أكبر حامل للأمل في التغيير الاجتماعي. على مدى مواسم، تابع المشاهدون الخطوات الصغيرة في مهمة دينيريس تارغاريان العظيمة (إميليا كلارك) لكسر حلقة الحكام الذكور ممن لا يهتمون إلا بسلطانهم وإدامة حكمهم. لتأتي الحلقات النهائية، المسرودة بشكل محموم ومهرول، وتقطع فجأة مسافات هائلة في وقت قصير جداً. 

كانت القفزات النفسية أثقل من القفزات الجغرافية. صحيح أن القابلية لجنون العظمة والعزيمة العنيفة تجلّت بالفعل في بعض المواضع، لكن حقيقة وقوع دينيريس في النهاية ضحية أوهامها وقتلها الأبرياء بشكل جماعي، كما يليق بمجنونة حكم، افتقرت تماماً إلى الأساس السردي. حتى أن سلافوي جيجيك رأى في نهاية المسلسل الغريبة "تعبيراً عن أيديولوجية أبوية تخشى النساء السياسيات القويات"، وعلّق في صحيفة "الإندبندنت" قائلاً: "تم القضاء على الملكة الراديكالية التي أرادت الحرية للجميع، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي ولون بشرتهم، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه".

يقع المسلسل الجديد قبل 172 عاماً من ولادة دينيريس تارغاريان (وأحداث "صراع العروش")، عندما كانت ويستروس في عزّها، ويختار لبطولته امرأة أيضاً هي الأميرة راينيرا تارغاريان (ميلي ألكوك تقوم بدورها في فترة المراهقة، وإيما دارسي تلعب دورها في عشرينياتها)، والتي مثل سليلتها، تتحدّى نظام الحكم الحالي، ليس كمحررة للمظلومين، ولكن على الأقل كامرأة لديها تطلعات إلى العرش الحديدي وبالتالي ستكون أول امرأة تحكم الإمبراطورية.

يشير المشهد الأول من المسلسل، وهو عبارة عن "فلاش باك" يعود إلى عقود سابقة، إلى أن دور المرأة في أندروقراطية ويستروس هو التركيز الموضوعي للموسم الأول: في مجلس الحكم، يصوّت الملك جيهايريس (مايكل كارتر) على وريث عرشه. المرشحان هما حفيده فيساريس تارغاريان (بادي كونسيدين) وابنة عمّه راينس تارغاريان (إيفي بِست)، التي يُقال إنها تتمتع بجميع الصفات لتصبح ملكة جيدة. لكنها تخسر التصويت والعرش بسبب جنسها، ومنذ ذلك الحين أُطلق عليها لقب "الملكة التي لم تكن أبداً".

في الوقت الحاضر، يتمثل أحد أكبر مخاوف الملك فيساريس في أن كلا من اللوردات والشعب قد يثورون ضد تسمية ابنته راينيرا وريثة لعرشه، لأنهم غير مستعدين لقبول امرأة على العرش. اختيار الملك لابنته لم يكن خياراً تقدمياً، وإنما فعل يائس ولّدته الحاجة (لعدم إنجابه أي ذكور)، وخطوة تكتيكية في نفس الوقت، في سبيل قطع الطريق على شقيقه المتهوّر ديمون (مات سميث) من أن يصبح ملكاً. في العرض، يبدو يساريس، ملكاً طيباً ومحبوباً ومسالماً، وسيرى منافسوه هذا على أنه ضعف متزايد من شأنه أن يزيد تدهوره الجسدي. ستزداد التوترات عندما يقرر أن وريثه للعرش الحديدي ستكون ابنته راينيرا، ما يثير غضب الأغلبية الذكورية، وخصوصاً ديمون، الذي سنراه يتفوق في ساحة المعركة، كراكب تنين، وبالطبع كمتآمر للظفر بالعرش.

يركّز المسلسل على الصراعات الداخلية في قلب العائلة الحاكمة، آل تارغاريان، لذلك سيعرف أولئك الذين شاهدوا المسلسل الأصلي أن مهرجان الإفراط والتطرف قادم لا محالة. في الحلقة الأولى التي أخرجها وكتبها أحد الصنّاع الرئيسيين للمسلسل، ميغيل سابوشنيك، هناك عملية ولادة دموية يُضحّى فيها بالأمّ حتى يولد الوريث الذكر، ومبارزات عنيفة بالرماح على ظهور الخيل، ومجزرة خالصة في شوارع المملكة تطير فيها الأذرع والرؤوس وحتى الأعضاء التناسلية، ومشاهد جنسية، وبالطبع هناك تنانين. يُسرد كل ذلك بطريقة واضحة ومُسطَّرة إلى حد ما (مثلما كان الأمر في "صراع العروش")، مع الإفراط في استخدام المونتاج المتوازي بحثاً عن إيقاع وتوتر أكبر.

إلى جانب راينيرا، هناك شخصية نسائية أخرى مهمة في المسلسل هي أليسينت (إميلي كاري / أوليفيا كوك)، ابنة مُساعد الملك وصديقة راينيرا المناظرة لها عمراً وواحدة من أجمل نساء الممالك السبع، والتي تتعامل بشكل مختلف مع الهياكل الأبوية. عاشت منذ طفولتها في بلاط كينغز لاندينغ، تعلّمت قواعد النظام، وانحنت لها في البداية، لكنها تتعلم ببطء كيف تستخدمها لصالحها، للتحايل عليها، في مثال أقرب ما يكون لشخصية سانسا ستارك (صوفي ترنر) في المسلسل الأصلي. على أي حال، فوجودهما وقربهما من العرش لا يمنع المسلسل، حتى في أوقات الصواب السياسي، من الوقوع بشكل متكرر في كراهية النساء والسادية.

مع تقدم الحلقات، تتقدم الشخصيات في السنّ وفي بعض الحالات (خاصة في حالة النساء) يتغيّر الممثلون والممثلات في منتصف الموسم، ما يؤدي، أقله في البداية، إلى شعور بعدم الراحة من حيث الاستمرارية واستدامة التعاطف مع الشخصيات، المعقَّد أصلاً.

ومع مزيج مجرَّب وفعّال من الحوار المغري للاقتباس والطباعة على التيشرتات، ومجموعة متوازنة من الشخصيات يصعب حصرها في فئتي "الأخيار" و"الأشرار"، وقيم العرض المألوفة (الجنس، والعنف، وألعاب السلطة والقوة، والتنانين)، يلتقط المسلسل نقاط قوة سلفه ويبني عليها. إلا أن التركيز الآن يكاد ينحصر على آل تارغاريان وحربهم الأهلية على العرش الحديدي، مع سرد القصة على مدى 30 عاماً بدلاً من عقد من الزمان، وميله لمزيج من الميلودراما والسادية على حساب التحليل والعمق النفسي.

كذلك السؤال حول مَن سيجلس على العرش الحديدي بعد اقتراب حرب الخلافة يربط المسلسل بشكل أكبر بمنظورات النساء المذكورة، ويجعل من الواضح أنه يدور حول دور المرأة في مجتمع يهيمن عليه الذكور. 

رغم ذلك، فمَن شاهد المسلسل الأصلي يعرف بالفعل أنه حتى هؤلاء النساء لن يحدثن التغيير الكبير. ربما يكون عالم "صراع العروش" مجرد فانتازيا أكثر من اللازم لمثل هذه الإيماءة الأقرب لأمنية، لأنه في الواقع، كما نعلم، نصيب الإناث من السلطة ينمو ببطء ويأتي قصير العمر غالباً.

إذا كان مهرجان التنانين الطائرة هذا، وتسلسل الحرب، والاحتفالات الصاخبة، والكحول الوفيرة، والعربدة والمجون، وإيماءات سفاح القُربى، والولادات الدموية والخائبة، ومكائد القصر (آل تارغاريان ضد بعضهم البعض).. يفتقر إلى المتن والعمق النفسي، فهناك الكثير من اللحظات الرائعة والملحمية للتعويض. سمحت الميزانية السخية البالغة 20 مليون دولار للحلقة (200 مليون في المجموع للموسم الأول) بإنجاز مشاهد جماعية ضخمة وتأثيرات مرئية متطورة. وبالتالي، فالتأثير والإثارة مضمونان، ولا شيء أكثر من ذلك.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها