الأربعاء 2022/09/21

آخر تحديث: 15:51 (بيروت)

هل بيروت متمدّنة؟

الأربعاء 2022/09/21
هل بيروت متمدّنة؟
increase حجم الخط decrease
ثمّة مقولة درج عليها بعض الكُتّاب، في اتهام طائفة بعينها أنّها رَيَّفَت مدينة بيروت بفعل سياسات خاصة بها، فيما يُنكِرون عليها أسباباً وجيهة أدّت إلى فعلتهم هذه. لكن قبل سؤال هذه الطائفة عن فعلتها المشينة، نود طرح سؤال: إلى أي مدى كانت عاصمتنا مُتمدنة قبل أن تفعل فعلتها هذه الطائفة المتهمة. لا ندافع بطبيعة الحال عن هذه الطائفة وسياساتها، لكننا نرى أن الطوائف الأخرى التي غَزَتْ بيروت وضواحيها لا تَقلّ ريفيّة عن الطائفة المنعوتة كذلك.

إن بعض الكُتاب والمثقفين الذين درجوا على تمييز بين طائفة وأخرى، لجهة تخلّف هذه وانسحاب الأخرى من استعادة دورها الباني والمؤسِس لهذا الكيان، هم دائمو التوجه لها بحماسة الواثق من إمكانات هذه الطائفة البانية، والرهان يومياً على أن يقظتها ضرورية لاستعادة هذا البلد ألَقه وسحره، وكأن ثمّة دواعيَ ورهاناً على تَقدّم طائفة وتأخّر طائفة أخرى، ساهين عن أن هذه القسمة لا تصلح لبناء كيان مُتَفَرد في تكوينه على حد ما يزعمون.

نقول ذلك ونحن من الواثقين أنّه لا تقدّم هنا، ولا تخلُّف هناك، بل أن الطوائف كلها التي يضُمها هذا الكيان، "في الهمّ شرق" كما قال الشاعر أحمد شوقي ذات مرة، وأنّ هذه الطوائف بأجمعها ريفيّة ومتفاوتة التخلّف، ولا تمييز بين نُخَب هذه الطائفة وبين جمهور كل منها. فقد جربنا في الآونة الأخيرة نُخب الطوائف جميعاً، وكانت النتيجة مخيبة للآمال، وأثبتوا لنا بالبراهين القاطعة، بسلوكهم وتفكيرهم، على أنهم سواء، ولا يختلفون عن جماهيرهم التي تُنَصّبهم علينا مسؤولين وقادة لهذا الكيان، خصوصاً متى ما لاحظنا أن سياساتهم المُتبعة أثناء توليهم مراكزهم في السلطة حيال البلاد والعباد، لا تختلف في شيء عن سياسة الأحياء والزواريب والقرى والدساكر التي بتنا نستظلّها في موقع الرثاء لحال البلاد ولأحوالها. لا شيء يُطمئن أو يثلج القلب، فعناوين سياساتهم جميعاً الحقد والتصاغُر والكيدية والتبعية للخارج مهما كان لون هذا الخارج.

إنهم يديرون شؤون البلاد من دون أن يرف لهم جفن لجهة الاهتراء وتداعي الدولة. وهم يذكّرون أو يشبهون مسؤولي بلاد رواية "كرسي الرئاسة" لكارلوس فوينتس، التي تقطع عنها دولة عظمى لها الاتصالات على أنواعها. ومع ذلك هم، أي مسؤولي بلاد هذه الرواية، مشغولون بتدبير المكائد بحق بعضهم البعض، من دون أن يعيروا أي اهتمام للمصيبة التي هم واقعون فيها، فيلجأون بشتى الوسائل للاستعاضة عن اتصالاتهم المقطوعة باللجوء الى عادة بالية لتنفيذ مؤامراتهم حيال بعضهم البعض، وهي الرسائل الورقية، غافلين عما حلّ بهم وببلادهم جرّاء هذا الانقطاع لوسائل التواصل الحديثة عن دولتهم التي أُحيلت جراء هذا الأمر الى بلاد تشبه حياتها حياة القرون الوسطى وريفيتها، تماماً مثلما يحصل عندنا، حيث لا شيء يعمل، لا الدولة ولا مؤسساتها ولا الشركات ولا المصالح الخاصة. فيما ينشغل بعض سكان الأحياء والقرى في تأدية فرض الطاعة لهذا الفريق أو ذاك في حيّهم، عبر شتى الوسائل والسُبل. هم لا يتفقون حتى على تنظيم الأحياز المشتركة في سكنهم، فرئيس لجنة البناء يطرد أعضاء اللجنة، وهم بدورهم يقومون بعزله، وهكذا دواليك يَتلهون عن الاشتراك في إيجاد حل لمشاكل البلاد وإبداء رأيهم فيها، ينغمسون في حروبهم الصغيرة كي يدمر بعضهم البعض الآخر، ويعدون الخطط لقطع المياه عن هذا وقطع الكهرباء عن ذاك.

والغاية من ذلك كله، ليست أكثر من إخضاع مَن يتمرد على سياستهم المتخلّفة. لذلك، لا أمل يُرتجى من هذه البلاد ومن سكانها، طالما أن الجمهور يستنسخ سياسات القادة أو العكس صحيح، فهذا لا يهم طالما أن عقليات الجمهور والمسؤولين واحدة، ولا شيء يميز هذه عن تلك.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب