الخميس 2022/12/08

آخر تحديث: 12:21 (بيروت)

موتوسيكل جارنا المحسود

الخميس 2022/12/08
موتوسيكل جارنا المحسود
increase حجم الخط decrease
ثمة جار لي في الطابق الأرضي الذي أسكنه، لا يكُف عن إثارة الضجيج في المبنى ولا يُعير أهمية تُذكر للمقيمين معه في المبنى. فهو إذا ما دخل من البوابة الرئيسية، صفع أذنيك صوت إغلاق البوابة التي يدفعها دفعاً، وهو يتشارك مع بقية السكان في المبنى في هذه العادة، يفتح باب بيته ويغلقه بعنف. قد لا يقفل معه الباب من أول ضربة ولا من الثانية، فيأتي بِعِدَتِه ويبدأ بالطرق بالشاكوش، دق مسامير وسحب أخرى مهما كانت الساعة متأخرة ليلاً. أما إذا دخل من الخلف، أي من الكاراج، فصوت الباب لا يُسمع تقريباً، إلاّ أنه وبسبب امتلاكه سيارة يركنها قرب باب منزله، يعُن على باله كلما دخل بها ليلاً أن يتعمد التشفيط فيها في هذه المسافة القليلة الفاصلة عن منزله.

كنت عادة لا ألمَحه إلا صدفة، مرة في الأسبوع أو الاسبوعين، فجأة وذات نهار قال لي حيث كنت فاتحاً باب غرفتي، سألني عن العاملة التي تُنظف لي غرفتي، فقلتُ له سأتصل لك بها واتفق معها، قال لي إنه يلزمه تنظيف منزله لأنه سيقيم حفلة زفافه، هنأته واتصلت من فوري بالعاملة وأعطيته هاتفي، صرفا دقائق كثيرة كي يتفقا على موعد قدومها وعلى بَدَل أتعابها.

طبعاً لم يتفقا، تزوج في اليوم الثاني كما قال. بعد مدة أصبح لا يستعمل الباب الخارجي بل الخلفي من الكاراج، بعد أيام قليلة أصبحَت عروسه تقود السيارة مما اضطره لشراء دراجة نارية وكانا يخرجان معاً ويأتيان معاً، هو بدراجته النارية وهي بالسيارة، أحياناً يأتي خلفها وتكون هي في المقدمة وأحياناً العكس. كأني به مرافقاً لها ويريد تأمين الطريق لها. لم يمض اسبوع على شراء دراجته النارية حتى ظهر فيها عطل، فهي تقف فجأة، ولا تعود تسير إلى أن يضرب على "المارش" لتعمل، استعان بعد يومين بصديقه الذي يعمل مهندساً، كما صرح، وبدأ فك الدراجة النارية قطعة قطعة وأصبحت سهراته جميعها في موقف سيارات البناية، "يفرط" الدراجة مع "المهندس" ثم يجمعانها آخر الليل بعد أن يستخلصا نتيجة أنها اُصلِحت.

يضرب "المارش" مرة، اثنتين، ثلاثاً ويقودها الى آخر الشارع ويعود مُطمئناً الى أنهما قد وفّقا بتصليحها، لكن ظنهما دائماً يكون خاطئاً. فأصبح يأتي هو وصديقه، كل على دراجته، وزوجته بالسيارة، ومن فورهم يشرعون بفرط دراجة جارنا قطعة قطعة. يطل بعض الجيران أحياناً من على فيراندتهم يلقون عليهما تحية كإشارة لإنزعاجهم، إلا أن صاحب الدراجة لم يتأثر ولا قيد أنملة، سأله أحد الجيران عن طبيعة عمل صديقه، هل هو ميكانيكي؟ فقال له غاضباً إنه مهندس!

بعد أسبوعين أو ثلاثة، ونحن على هذا المنوال، توصل الى نتيجة أن أحداً ما قد حسده، لا بد أن الأمر جلّه حسد بحسد، أمام كل داخل الى المبنى، ويتابع: كيف لو أننا اشترينا سيارة؟ يا إلهي ما طينة هذه الناس؟ حقاً انها عجيبة غريبة! مع ذلك استمر في فرط الدراجة وتغيير بعض القطع، وكل ليلة عندما يجمعانها يهنئان بعضهما باعتبار أن المشكلة قد حُلت وكعادته يضرب "المارش"، مرة، اثنتين، ثلاثاً، كل شيء يسير على ما يرام، الأمر الذي يشجعه على القيام بجولة على الحي فيها فينام مطمئناً وسكان المبنى أيضاً يتنفسون الصعداء ويذهبون إلى أسرّتهم وسط صمت مطبق في الحي.

بقينا على هذا الحال مدة شهرين تقريباً الى أن استخلص جارنا أن نتيجة كل الجهود التي بذلت لتصليح الدراجة، باءت بالفشل، واعتبر ان الأمر يعود إلى غش من باعه الموتوسيكل، لأنه قد ابتاعها لاعتقاده أنها "شَروة لقطة"...

انتهت حكايتنا مع الدراجة النارية بعد معاناة دامت شهرين، فتنفسنا الصعداء رغم أن حياة جارنا في فناء منزله، الذي هو الكاراج، بقيت على ما هي عليه، ثم أضاف اليها سهرة لعب ورق تبدأ متأخرة في حوالى الساعة الحادية عشر ليلاً، وتستمر إلى ما بعد الواحدة حيث أصوات اعتراضاتهم على بعضهم البعض في اللعبة، تملأ الفضاء، فلا يفكون جَمعتهم إلا عندما يأتيهم صوت غاضب من أحد الأبنية المجاورة أو من بنايتنا فيفكّون جلستهم.

لم يمض أسبوعان على انتهاء ورشة تصليح الدراجة النارية، حتى استيقظنا منذ أيام على محاولته تصليح سيارة زوجته، وبدأت حكاية جديدة. وما علينا سوى مناجاة الرب ليخلصنا بتسهيل تصليح السيارة في أسرع وقت ممكن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب