الإثنين 2022/11/14

آخر تحديث: 13:50 (بيروت)

الحبّ الذي ما عاد كافياً

الإثنين 2022/11/14
الحبّ الذي ما عاد كافياً
مارك شاغال
increase حجم الخط decrease
إزدهرت في الآونة الأخيرة إصدارات الكتب التي تدافع عن الحب بنسخته القديمة، وإن كان أبرزها كتابَي رولان بارت "شذرات من خطاب محب"، وآلان باديو "دفاعاً عن الحب"، هذا بالإضافة إلى سلسلة أفلام تختص في هذا المجال وأبرزها كان فيلم غسان سلهب "النهر".

وكل هذه الأمثلة، تدافع عن الحب بعيداً من المنحى التجاري الذي آل إليه هذا الصنف من العلاقات الإنسانية. لا شك أنّ كثرة الكلام دفاعاً عن هذا الأمر، تعني أنّ ثمة ما يهددّ هذه العلاقة الإنسانية. فباديو دافَع عن الحب بوجه تسليعه وجعله مادة للتَكَسُب، من خلال إنشاء شركات تمتلك قاعدة بيانات للأشخاص الذين يريدون إنشاء علاقة من دون أن يتأثروا بالمواجع التي قد تصيبهم جراء الإنفصال بعد حين. فهذه الشركات تُخضع الراغبين بإقامة علاقات غرامية لدروس خصوصية ودورات مُكثفة هدفها تحميل الطرف الآخر كل التبعات جراء انقطاع العلاقة ودخولها في أزمة. إنها علاقات الحب الدارجة الآن، علاقات صفر مشاكل فيها للداخلين في هذه التجربة.

أمّا رولان بارت فلا يبدو أنه يخالجه أي شك في أن علاقة المحب والمحبوب يعتريها أي صنف من صنوف التجارة. ربما لأن كتابه قد صدر قبل تسليع الحب وعلاقاته بزمن. وفيلم غسان سلهب أيضاً، لا يداخله شك الى أي مدى أصبح الحب سلعة. 
كان مجتمعنا قائماً ولفترة طويلة من الزمن، على تدبير العلاقات بالواسطة، بقصد اقتران أي شخصين. وقد يكون الوسيط رجلاً أو امرأة، يأخذ في الحسبان الأوضاع المالية للعريس. لكن ثمة فترة مرت على علاقاتنا الاجتماعية، واعتُبر فيها هذا الأمر معيباً بعض الشيء. فغيّرت فئات اجتماعية هذه الأساليب، واعتمدت منطق التعارف المباشر بين الطرفين من خلال ظروف محددة في العمل أو السكن أو الهجرة، تُهيء الأمر وتأخذه الى خواتيمه السعيدة. واليوم، حتى في الأوساط التي تتماثل في عيشها مع موضات حديثة، ثمة مَن يتحدث مثل بطلة فيلم "النهر": "الحبّ وحده ما عاد يكفي".

فشهدنا تقارباً في الشروط والقوانين، لأجل ارتباطٍ بين التقليديين وبين الذين يعيشون روح العصر بكل تعبيراته. فأصبحت تؤخذ في الحسبان أمور عديدة لم تكن في سلّم أولويات المحبين سابقاً. تتصدر المَصالح واجهة الارتباط، ولدى الطرفين، التقليدي أو المعاصر للموضة. العمل، المدخول، الأملاك، النَّسب،... صحيح أنه لا توجد في بلادنا شركات كالتي ذكرها آلان باديو في كتابه، إلا أن منطلقات هذه الشركات وقوانينها باتت سائدة في الأوساط كافة ولا توفر فئة بعينها.

الحب؟ ما الحب؟ بمجرد أن تدعي أنك تدافع عنه في كتاباتك وأفلامك وكتبك، فاعلَم أنّ الأمر بات مغلوباً عليه. الحب تتغير قوانينه وشروطه، ولا يكفي... 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب