السبت 2022/08/06

آخر تحديث: 13:09 (بيروت)

ريتا الجميل... ألوان الحياة وحطام منزلها بعد 4 آب

السبت 2022/08/06
increase حجم الخط decrease
يتوافق معرض ريتا الجميل، المقام لدى "غاليري إكزود- أشرفية"، مع الذكرى الثانية لإنفجار المرفأ. في هذه اللحظات تنشغل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي بإحياء الذكرى، التي ستبقى راسخة لوقت طويل في الذاكرة اللبنانية. الإنفجار الرهيب، الذي قل نظيره في التاريخ الحديث، خلّف ضحايا ودماراً وقصصاً لا تنتهي، عن حزن معلن، يُرى وتُسمع أصداؤه في أصوات ذوي الضحايا، أو آخر صامت يلفَ الجميع من دون إسثناء.

هذا الواقع لا بد أن يخطر في بالنا ويشغلنا في هذه اللحظة من شهر آب، لدى الحديث عن معرض تشكيلي يتوخّى، أو يحاول، بث بعض الضوء في العتمة التي أحاطت لفترة بالفنانة نفسها. وتشاء المصادفة (وهي قد لا تكون مصادفة في الواقع) أن يُقام المعرض في صالة "إكزود"، التي تضررت بشدّة منذ سنتين، نظراً لوقوعها في مكان غير بعيد من مكان الإنفجار. على أن أصحاب الصالة نفضوا غبار الدمار عن المكان، شأنهم شأن صالات أخرى تقع في المنطقة القريبة نفسها، ليعاودوا نشاطاً يتطلّب، بلا شك، إرادة جامحة في هذه الظروف التي صارت تعقيداتها وتفاصيلها معروفة من الجميع.

أعمال ريتا الجميّل، التي جاءت تحت عنوان: "لبنان، الضوء يخرج من العتم"، لونية في المقام الأول. أرادت الفنانة من خلالها إضفاء جو من التفاؤل على مرحلة غاص فيها البلد في مستنقعات كامدة. التعامل مع الواقع الحاضر، في المجال التشكيلي خصوصاً، يمكن أن يسلك مسارين تعبيريين إثنين مختلفين: إما السعي إلى تصوير المأساة في حد ذاتها بطرق متعددة، أو تصوير نقيضها، من دون التطرّق إليها، علماً أن حضورها يبقى مضمراً. قلنا أن الجميّل شاءت أن تنثر بعض الضوء في الأجواء الحالكة. اعتمدت اللون، ولم تولِ الرسم أهمية خاصة، في لوحات يدور معظمها حول المشهد المديني أو الطبيعي. هذا الحكم لا يعني أن الرسم غائب، لكنه بعيد نسبياً من النهج الأكاديمي، ذي القواعد التي لا تقبل التحوير أو الجدال.



لكن، وكما علمنا من خلال أحاديث الفنانة، فإن المعرض جاء نتيجة تجربة شخصية لا بد من التطرّق لتفاصيلها. فقد عادت الجميّل إلى لبنان من فرنسا يوم 5 آب 2020، أي في اليوم الذى تلى وقوع الإنفجار- الكارثة، لتجد منزلها، الواقع قبالة الإهراءات الشهيرة، شبه مدمر، وكل ما فيه متطاير في الأنحاء القريبة والبعيدة. لا مناص، في ظروف كهذه، من الوقوع في صدمة قاسية رافقت الفنانة ردحاً من الزمن، قبل أن تجد سلاماً داخلياً عماده القبول بالواقع، وإدراك أن ما تعرّض له المنزل، كقيمة مادية، يبقى أقل هولاً بدرجة كبيرة من خسارة الحياة، لو صودف وجودها في منزلها لحظة حدوث الكارثة.

عمدت الجميّل إلى لملمة بعض قطع الحطام الصغيرة المختارة من منزلها، وحتى من أماكن أخرى محاذية وإحتفظت بها، لا للذكرى فقط، بل لتجعل منها عناصر ملموسة، سوف تلصقها بلوحاتها لاحقاً. مقاربة تشكيلية "أوريجينال"، أو مبتكرة، كما يُقال في لغتنا. عناصر مادية مختلفة الأحجام تلتصق بالحدث، قد لا تكون فريدة في حد ذاتها، لكن مدلولاتها الرمزية ستدوم طالما هي مثبّتة على القماش، وتشكل جزءاً بارزاً من المتن التصويري، بعدما كانت جزءاً من مسكن لم يصمد أمام قوّة الإنفجار. لم تكن الفنانة حاضرة لدى حدوث الواقعة، لكن الواقعة حاضرة، مجازياً، الآن في أعمالها، أو على الأقل في الأعمال المرتبطة باليوم الحزين.

دام الحزن فترة كافية في نفس صانعة الأعمال، لكن كان لا بد من إزاحته جانباً. اللوحات الأخرى، الحاضرة في المعرض، تمثل مشاهد بعضها يتعلّق بالمدينة، وبعضها الآخر يمثل طبيعة لبنانية. الأسلوب التشكيلي مبسّط، ويحمل بعض الخفّة المحبّبة. ثمة ما يذكّر بالنمط الذي يتبّعه، في بعض الأحيان، الفنان متعدد المواهب ديفيد هوكني، من حيث إتّباع أسلوب ذاتي، بعيد من التجريد الكلّي، وعدم التقيد بالأساليب التقليدية (وهذه طريقة رسم المنظور لدى ريتا الجميّل)، إضافة إلى اللجوء إلى الإلصاق (الكولاج). وكأنّ الفنانة شاءت القول، نقلاً عن لسان هوكني: "أرسم ما أرغب في رسمه، وعندما أرغب فيه، وحيثما أرغب".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها