الجمعة 2022/07/22

آخر تحديث: 20:19 (بيروت)

حوراء ضد حوراء

الجمعة 2022/07/22
حوراء ضد حوراء
increase حجم الخط decrease
لم تنحصر السخرية والنقد لجدل "أحمد وحوراء"، الذي شغل الشبكات الاجتماعية اللبنانية خلال اليومين الماضيين، في غير المتدينين، مسلمين أو سواهم. ولعل هذا أكثر ما يلفت في الفيديو الذي من الواضح أنه لا يتوجه أصلاً إلى عموم المتلقين، بل إلى بيئة شيعية محافظة وملتزمة دينياً، حيث الأسواق تعرض اللباس النسائي "الشرعي" جنباً إلى جنب الملابس "العصرية"، وحيث النساء محجبات ومتدينات سلفاً، لكنهن ربما يخضن ما يعتبره الفيديو صراعاً مع انفتاح قسري على "الموضة" و"الغرب" بأثر من العولمة والتجارة الحرة والنزعة الاستهلاكية التي لا رادّ لها... إلا ما قدّر الله من نخوة ووصاية و"وعي" الذكور أولاً، ثم الإناث. وهذه غالباً بيئة "حزب الله"، أو لنقُل أنها البيئة التي يريدها ويتوخى شد أواصرها من حوله.

طيب ليش ما بتلبس دشداشة يا احمد، البنطلون والقميص والتلفون لي مصور فيه الغرب مخترعو يا احمد.

Posted by Terro Mohammed on Thursday, July 21, 2022

تصفح التعليقات على الفيديو، لا سيما في صفحة "أحمد" (يؤدي دوره في الفيديو الشاب علي ح.حيدر)، يكشف استنكارات كثيرة: مَن قال إن الألوان الزاهية حرام؟ مَن قال إن اللباس الشرعي المقدّم كـ"حل" في الفيديو هو الوحيد المسموح؟ وأي رأي ديني استفتيتم؟.. بل ذهب البعض إلى انتقاد ركاكة السيناريو والتمثيل والتصوير، مع الإشارة إلى أن الفساتين التي اختارتها "حوراء" (آلاء حمود)، ورفض "أحمد" أن تشتريها، لا تختلف كثيراً، في القَصّة والألوان، عما ترتديه فعلاً ويفترض أنه راضٍ عنه.

وإذ يظهر هذا النَّفَس النقدي الذي يوشك أن يكون طاغياً، هامشاً من "الاستقلالية" والتفكير النقدي  أو حتى "التمرد" الداخلي، فإنه يشير أيضاً إلى أمرَين: الأول، أن ردّ الفعل هذا هو بالضبط ما استدعى إنتاج الفيديو، من وجهة نظر القيمين عليه (كان يحمل اسم "جمعية المعارف" ثم أزيل الاسم لاحقاً من منشور الفايسبوك، وقال حيدر في منشور إنه نتيجة "ورشة عمل في جمعية"). فالواضح أن الجهة التي تعتبر نفسها القيادة السياسية والاجتماعية والثقافية لهذه الجماعة من اللبنانيين تبحث عن علبة جديدة لخطابها القديم الذي لا خطاب سواه.

وبدلاً مما كنا نسمعه، إبان ظهور "حزب الله" في ثمانينات القرن الماضي، عن رش "مياه النار" أو التربص بالنساء غير المحجبات/المحتشمات في الضاحية، أو حتى التلويح بغواية المنافع الحزبية مقابل الالتزام الديني والتشادور، فالخطاب الآن خطاب القوي الناعم، يصدّره عبر ناشطين وناشطات شباب، وبطريقة الفيديو في السوشال ميديا. أي، وكما تقول إعلانات المشروبات الغازية: "عبوة جديدة.. والطعم الرائع نفسه"! على أمل استعادة ما بددته التكنولوجيا والاختراقات الثقافية الحتمية، إضافة إلى المتغيرات الاقتصادية والمالية والعمرانية والاستهلاكية التي طرأت على هذا المجتمع خلال العقدَين الأخيرين (قبل الأزمة).

ولَنا في جواد حسن نصرالله مثال، وهو الذي لا يفلت الهاتف الذكي من يده ويرتدي الماركات الأميركية، وإن غُيّب عن السوشال ميديا، بدا كالسمكة خارج الماء، حتى اضطر، بعد محاصرته إلى تغيير اسمه إلى "Ja Nasr" كي يستمر في النشر والتغريد.. وأي تغريد!

ولعل الشيخين سامي خضرا، ونعيم قاسم (الذي بلغ به الأمر الاستشهاد بكتابات سيمون دوبوفوار!)، ما عادا مؤثّرين في الفئة الشابة، لا سيما غير المؤطّرة حزبياً بشكل مُحكَم. فآلاء حمود مثلاً، تنشر صورها في صفحتها في فايسبوك، ولم تضع في "بروفايلها" صورة شجرة، كما أوصى خضرا ذات مرة ونال نصيبه المدمّر من التهكّم. وهي أيضاً خريجة كلية الإعلام-الجامعة اللبنانية، وتعمل في وسائل إعلامية مكتوبة وتلفزيونية، بل شاركت في إعلان متلفز للحث على المشاركة في الانتخابات... الانتخابات التي لا يرشّح فيها "حزب الله" نساء لأنهن دورهن في البيت ومع العائلة.. واللواتي لا ضير في تزويجهن قاصرات كما قال حسن نصر الله نفسه في أحد خُطبه. هذه الآلاء، بلباسها (الشرعي؟) الزاهي، كأنما تشارك كناشطة في حملة ضد نفسها.

وهذا التناقض يذكّر بما بات مكرساً، لكنه يحتفظ بقدرته على الإدهاش عند كل مفترق. أي كيف أن ثورة الاتصالات كمُنتج ما بعد الحداثة يمكنها بسهولة أن تكون مطيّة خطاب متزمّت عمره قرون (تنظيما "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" مثالان أيضاً)، مثلما أنها ساحات ثورات ضد المؤسسات الدينية والاستبداد السياسي واللامساوة، وأداة في أيدي الفئات المهمّشة والمستضعفة للتعبير عن أنفسهم وشحذ المناصرة بالقانون أو في غيابه.

أما الدلالة الثانية لمسار النقد الداخلي لفيديو أحمد وحوراء، ففي أنه، في هذه البيئة، ما زالت ألسنته -المُجاهِرة بالنقد على الأقل- متواطئة في ما بينها على سقف احتجاجها، كما على المسلَّمات التي لا تُمسّ. من قبيل سلطة أحمد على حوراء (لم نعرف إن كان شقيقها أم خطيبها أم زوجها.. ولا فَرق). أو الانفصام بين فكرة سقوط حوراء "ضحيةً لغزو الثقافة الغربية" في اشتهائها "الموضة"، وبين أن أحمد نفسه يرتدي ثياباً غربية فيما الكاميرا والشبكات الاجتماعية التي نُشر فيها الفيديو غربية المنشأ. ولما احتج البعض علناً على خَيار الفكرة، لم يحتجّوا/يحتججن على استهلال "التوعية" بلباس النساء ووصاية الرجال عليهن، دون سواها من الأفكار المرتبطة بالرجال مثلاً، بل اعتبروا أن هناك مسائل أكثر إلحاحاً في المعالجة، من قبيل انتشار "التاتو" و"البوتوكس" وأنصاف المحجبات، أي قضايا "أخطر" من ضمن السياق نفسه. فكأنما طرف النقد، يجُبُّ طرفاً آخر أكثر تفلتاً من سطوة "القيادة" وأكثر ميلاً لثورة -ولو خفيضة- عليها.. وجاءت الأزمة الاقتصادية، مع عودة قوية لأدبيات الحرب الأهلية والكراهيات الطائفية والمذهبية المتبادلة، لتُنهي فرصَها في الأمد المنظور.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها