الثلاثاء 2022/05/24

آخر تحديث: 19:59 (بيروت)

النواب التغييريون.. ما عادوا ناشطين!

الثلاثاء 2022/05/24
النواب التغييريون.. ما عادوا ناشطين!
إزالة جدار العار من محيط مجلس النواب (غيتي)
increase حجم الخط decrease
مِن طرح القانون المدني للأحوال للشخصية، اختيارياً كان أو إلزامياً، إلى حقوق المثليين، وإزالة جدار العار حول مقر البرلمان، أو حتى الاقتراح "المجنون" بالمداورة بين الطوائف في الرئاسات الثلاث، وأحياناً استعراض يوميات "المسؤول" التي لم يفسدها مركزه الحديث، وصولاً إلى سلاح "حزب الله" وعناوين كبرى كالسيادة والاستقلال ومحاربة الفساد وتحدّي النظام الطائفي... تبدو الإشكالية التي تواجه النواب التغيريين الجدد، وعلاقة مؤيديهم، متداخلة ومتشابكة.

ليس أقلّ مَظاهر هذا التشابك، تركيز بعض الإعلام على موضوع القانون/الزواج المدني، دون حق إعطاء المرأة اللبنانية جنسيتها لأطفالها، مثلاً، وهو ما جعل بعض النواب التغييريين المتحمسين للفكرة، لا سيما السنّة منهم، في مواجهة فجأة مع دار الفتوى ومع البيئات السنّية والمُسلمة المُحافِظة. في حين أن ملف الجنسية لأولاد اللبنانية، لطالما اتخذ طابعاً "مسيحياً"، على اعتبار أن الطوائف المسيحية، كانت دائماً الأكثر خوفاً – أو تلويحاً بهذا الخوف كشعار سياسي – على الوجود العددي والمعنوي والتشارُكي، وعلى المناصفة في الحُكم، وإن خلافاً لأوزان الديموغرافيا الحقيقية. وكما هو معلوم، فإن إقرار منح الأم جنسيتها، قد يعني، بالنسبة إلى المسيحيين، بعبع تجنيس مُسلمين، وقلب طاولة التعداد الذي توقف رسمياً، لأسباب سياسية، منذ 90 عاماً! وهنا الخبث والمسؤولية مُشترَكان، بين قوى السلطة التي خاضت الانتخابات في مواجهة التغيريين على إيقاع تكفيرهم وشيطنتهم من هذا الباب بالذات، لا سيما "الأحباش" والثنائي الشيعي. وبين بعض الإعلام الذي دأب على تقديم نفسه كداعم لانتفاضة 17 تشرين أولاً، ثم للنواب التغيريين المنتخبين، وهو إعلام يتوجه في الأساس إلى الجمهور المسيحي المُعارض للعهد، مع بعض طوائف الحلفاء وفُتات اللاطائفيين. إذ اختار من لائحة مطالب المجتمع المدني، تسليط الضوء على موضوع دون آخر. وليس سراً أن شيئاً لم يُفشل مشاريع ومحاولات إلغاء الطائفية السياسية، منذ أواسط السبعينات وحتى الآن، إلا التلويح بالعلمانية الشاملة، حيث يكمن في التفاصيل شيطان الزواج المدني الذي يقوّض السلطات الروحية، وبالأخص "ينافي الشريعة الإسلامية".

لكن هذا جزء من كُلٍّ أكبر. وثمة جزء ثانٍ يفسر بعضاً من غلبة موضوع مثل الزواج المدني، أو حتى الموقف من سلاح حزب الله (الذي يعلم كل عاقل أن أحداً في لبنان الآن لا يستطيع تحجيمه أو لَجمه، ناهيك عن نزعه)، على مواضيع أكثر إلحاحاً وارتباطاً بحياة اللبنانيين وموتهم – حرفياً – وتحديداً مَرابط الأزمة المالية والاقتصادية.

فالنواب الجدد صاعدون، في معظمهم، من صفوف المجتمع المدني. جمعيات، ومنظّمات، ومجموعات عمل سياسي. هم اعتادوا العمل السياسي والحقوقي والاجتماعي من مثل هذه البوابات، وكذلك الناس اعتادوا عليهم في الأطر هذه من الكلام. أطر لطالما تم تهميشها في الحياة العامة والسياسية، واعتُبرت "كماليّات"، أو أموراً يُمنَع الكلام فيها، سواء بذريعة الدين أو "المقاومة" أو الميثاقية، وينحصر الاهتمام بها في فئة "مدلّعة" من المواطنين. وقد تكون قضايا راكمت سيرة اصطدامها بجدران المؤسسات اللبنانية، وضاعت في دهاليز متعمّدي تضييعها.. إلا حين يستطيعون توظيفها لمآرب سياسية ضيقة. والناخبون اليوم يبدو فرحين، ربما أكثر مما تقتضي حنكة العمل التغييري، بأن هذه الملفات يتأبطها نوابهم المنتخبين في خلال سيرهم إلى البرلمان. النواب الذين "يَمونون" عليهم بالمحاسبة. فضَخَّ فوز "التغيريين" في الانتخابات، طاقة إضافية في تلك النقاشات. وهذا ما يأخذنا إلى الجزء الثالث، وربما الأهم...

تختلط التسميات الوظيفية، وبالتالي أجندة الأداء، في أذهان المقترعين للتغيريين (وربما لدى التغيريين أنفسهم وهو ما يجدر الانتظار لاستبيانه). خلط بين الناشط، والمناصر، والنائب الذي هو سياسي حُكماً. وبصرف النظر عن الوصمات التسطيحية الملتصقة بكل من هذه التسميات، بأثر من رثاثة الحياة السياسية والعامة نفسها في بلادنا، فإن التعريف الكتبيّ المبسط يشرح طريقة عمل الناشط كصانع "ضجيج" حول قضية ما، بالاعتراض العلني والخطاب المحمول على التحدي والمواجهة المفتوحَين، من أجل تشكيل وعي وكسب الرأي العام والضغط على السلطة، لتحقيق تغيير ما. أما المُناصر، فهو ممتلك الخبرات والكفاءات اللازمة لاقتراح حلول وتسطير منهجيات معينة تأخذ قضايا الناشطين إلى المستوى التالي، بعد الشارع، ولعله يؤدي دور وسيط عليم بين الشارع والسلطة التنفيذية. وإذا كان الناشط، بالتعبير الشعبي، هو الأقدر على الصراخ، فيُفترَض أن المُناصر هو الأقدر على الاستماع وترجمة ما يصله في نصوص قانونية وخطط عملية توضع في وجه السلطة، وربما يُمرَّغ بها أنفُها. في حين أن السياسي، ورغم أنه قد يتشارك الكثير مع الناشط والمناصر، وربما يأتي من صفوفهما أيضاً كما هي الحال مع النواب اللبنانيين الجدد، فإنه معنيّ أكثر بطريقة عمل تسووية، تفاوضية، بفنّ الممكن والتراكم وجمع الأوراق الرابحة لهدفه. معنيّ بخطاب، على عكس الناشط، وإلى حد أقل المناصر، لا يمتلك ترف الحدّة والتشبث والجمود والصمود في الثبات، أي لا يجديه العناد.

والأهم أنه يتعامل مع البلد ككل. ما عاد ناشطاً ذا موضوع واحد يشغله. اختيار الأولويات ليس فقط جزءاً من شغله، بل إن اضطلاعه بالأولويات المُلحَّة هو في صلب ما يجب أن يُحاسَب عليه. واللبنانيون الآن مفلسون، جائعون، مُذلّون... منكوبون في المصارف والجامعات والمستشفيات. السياسي له قاعدته الناخبة والشعبية. السياسي يتصدّر للكباش من داخل السيستم. وإن انكسر، خسرَ موقعه فيه، وهو الموقع الذي انتخبه له ناسه، ليمثّلهم ومصالحهم وإراداتهم. الناشطون التغييريون أصبحوا نواباً. عليهم، هم أنفسهم، كما جمهورهم، استيعاب هذا التغيير الأول والمؤسِّس.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها