الإثنين 2022/04/25

آخر تحديث: 12:30 (بيروت)

سرقة شال موصوفة

الإثنين 2022/04/25
سرقة شال موصوفة
من اعمال بيكاسو
increase حجم الخط decrease
بغتة تخرج سيّدة من صالة العرض إلى بهو الانتظار، وتُفاجيء عاملة الصّندوق والاستعلامات بقولها ملهوفة: "أضعت شالي". تسألها العاملة ببرودة أعصاب، وبمللٍ ظاهرٍ جرّاء التّعب، واعتيادها على أمور أشدّ غرابة من هذا الأمر: "أين كنت تجلسين؟". تردّ السّيدة بتوتّر، وبعجلةٍ من أمرها، وكأنّه باعتقادها بسرعة كلامها تمنع البرودة عن مسرح الجريمة: "كنت أجلس بدايةً في الصّفوف الخلفية واستغلّيت فرصة وجود مكان فارغ بين أصدقائي الّذين يجلسون في الصّفوف الأماميّة، فانتقلت إليه. وبعدما تموضعتُ جيداً في مكاني الجديد تذكرت أني نسيت الشّال هناك". فتأمر العاملة أحد العاملين بالتّفتيش في المكان الذي أشارت إليه السّيدة.

أتحرك من مكاني القريب من مجريات الحدث، وأمرّ بمحاذاة المرأة الشّاكية، وأنا في طريقي إلى البار لأطلب مزيداً من القهوة. تلتفت نحوي السّيدة مذهولة وتوجه كلامها مباشرة اليّ قائلة بصوت عال ومُتشنج: "هذا شالي، يرتديه هذا الرّجل". أقول لها: "اهدأي يا ولا داعي لبثّ الرّعب والفوضى في المكان، كما أنّ جهازي العصبي لا يحتمل زعيقاً وسباباً أو شتائم، ولا أحبّ لا الهرج ولا المرج ولا الصّخب ولا حتّى الموسيقى، أريد أن أعيش بسلام. وهاك ما تقولين أنّه شالك". فتصرخ من جديد طالبةً مدير الصّالة وصاحب المسرح والأمن الخاص والشّرطة. "سيدتي" أقول لها: "لا داعي لكلّ هذه الجلبة، الأمر لا يستأهل كل ما تثيرنه من غبار وتخريب وتلويث للمكان بغضبك المنفر والمثير للغثيان". "لكنّك سرقت شالي"، تقول،  "لكني سيّدتي لم أفعل، وأنا أقول لك خذيه، مبارك عليك، طالما أنّك تظنّين أنّه شالك. سيدتي  أنا رجل سئم، وأريد أن أعود إلى سأمي وروتيني اليومي المشوب بالحقد الدّفين على كل ما حولي من سخف واهتراء.. أرجوك سيدتي لا تعكِّري صفو سأمي، فأنا سعيد به وبالمزاج المعتدل الذي يمنحني إيّاه". "سأقاضيك"، تقول، "حسنا ماذا تريدين من تعويض فوق استردادك لما تعتقدينه أنّه شالك العزيز عليكِ؟ أرجوك لننهي المسألة بسرعة، سئمت من هذا الموقف الّذي تضعينني وتضعين نفسك فيه، أرجوك خذيه، وفوقه دعوة لتشربي أي شيء من المشروبات التي تعجبك أثناء حضورك العرض". تصرخ وتشدّد الخناق حول عنقي بإحكام وتقول غاضبة: "لا يكفيك أن تكون لصّاً فقط، بل ومُتحرِّش أيضاً!".

"سيدتي، هناك سوء فهم أكيد، هل أنت بكامل وعيك؟ هل يتلبّسك شيطان ما؟ هل تتعاطين أية مخدّرات؟ أرجوكِ كُفّي عن كلّ هذا الهراء. ضقتُ ذرعاً بكِ وبكل أوهامكِ وتهيؤاتكِ. لقد توقف العرض بسبب حماقاتك وعكّرتِ صفو السّاهرين السّخفاء مثلكِ وخرّبتِ روتين ليلتي في الاستمتاع بإمعان النّظر في سهراتكم وأفعالكم فيها وفي أحاديثكم المملة كي أزداد احتقاراً لكم. 
فجأة، تضاء الأنوار ويظهر مدير الصّالة مستفهماً عن أسباب ما يجري، فتتغيّر بغتة نظرات السّيدة إليّ، وسرعان ما تحوّل نظراتها إلى الأرض، مُطأطئة رأسها، معلنة بصوت خافت اعتذارها، بعدما تأكّدت أنّ الشّال لا يعود لها، مُلحّةً عليّ أن أقبل اعتذارها.

تجاوزت الأمر، وهممت بالانصراف، فأمسكت بيدي مشدّدة على أن أقبل دعوتها إلى فنجان قهوة كي تبرهن عن ندمها، مصرّة على دفع الحساب، مكرّرة عبارات الاعتذار، والارتباك بادٍ على وجهها، إلى أن صرختُ في وجهها قائلاً لها بصوتٍ عالٍ: "أرحلي عنّي عكّرتِي صفو سأمي صارخاً بأعلى صوتي، كيف لي أن أعود الآن إليه؟". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب