الأحد 2022/04/24

آخر تحديث: 08:15 (بيروت)

أدهم الدمشقي..أمدُّ لساني ضاحكًا للموت

الأحد 2022/04/24
increase حجم الخط decrease
تحت عنوان "عبيط"، يعرض أدهم الدمشقي حوالي 30 لوحة بتقنيات مختلفة، في "غاليري إكزود- أشرفية". هذا المعرض هو الثاني للفنان، وقد تزامن افتتاحه مع ذكرى بداية الحرب الأهلية، يوم 13 نيسان الفائت، ويستمر المعرض لغاية 28 نيسان، وستتخلله أيضاً سهرات ثقافية.

ذكرى الحرب الأهلية، وما أعقبها من حوادث متناسلة منها، أو ذات صلة بها، الأزمات التي لا تبدأ ولا تنتهي، الخيبات والهزائم، الإنفجارات التي تركت ضحايا مظلومين لا يزال أنسباؤهم يطالبون بحقهم المهدور، الإنتصارات الوهمية والإنتظارات الفارغة أمام عبثية الحياة والموت في وطن متفكك. هذه الوقائع والأفكار دارت كلّها في رأس الفنان. ومن الواضح، كما يتبيّن لنا، أنّ الدمشقي أراد قول أشياء كثيرة دفعة واحدة، إذا استطاع إلى ذلك سبيلا، أو هو كان ذكر، على الأقل، هواجس كانت خطرت في ذهنه حين أقدم على صوغ أعماله.


لكن للتشكيل لغتة خاصة، يسوقها كلٌ على طريقته، ويتعامل مع معطياتها التي تختلف عن اللغة العادية المكتوبة. إذ من الصعب أن يعكس العمل الفني حقائق بعضها ثابت، وبعضها الآخر تتبدّل مفاعيله يوماً بعد يوم، وذلك بحسب طريقة وضعيّة. أعمال الدمشقي تبدو وكأنها مزيج من عناصر مختلفة، يشير كل منها إلى موقف أو حالة معيّنة. لذا، فإننا سنلحظ عمارات وشخصيّات وأشجار ونباتات.. وكلب: الكلب "غودو"، الحيوان الصديق، الذي من شأنه أن يساعد الفنّان على تخطّي العثرات من خلال إرتباطه الأمين بالإنسان، يحضر في عدد من اللوحات، بل إن إحداها تفرد له مساحة أساسية في العمل. كلب بعين واحدة كبيرة الحجم، تفرض وحدانيتها وضعيته الجانبية البروفيلية، ينظر إلى القامة الإنسانية، التي تمثّل الفنّان كمّا نخمّن واثقين، الذي هو بدوره بعين واحدة. تواطؤ ضمني بين الكائنين في العلاقة مع الحدث، مهما كان نوعه، لكنه، من دون شك، حدث بعيد من الإسترخاء الشعوري.

يشكل هذا الحدث، في تفرّعاته المتنوعة، هاجساً أكان "يهمسُ في أُذُنِ بيروت.. قَد تحدثُ انفجاراتٌ أخرى"، كما يكتب الدمشقي، تضجّ بأصدائه لوحة الفنان.

يغيب الهدوء غالباً في العمل، وإن حضر في الخلفية فلا تنقشع مضامينها الهندسية، بل تطغى عليها نباتات "إكزوتيكية"، ذات أطراف حادة، وتمتلك بعضها جذوعاً طويلة لا تتناسب طولاً مع أوراقها. نباتات تبدو وكأنها تنبت من اللامكان، تتقاطع مع خطوط عرضية أو مائلة، والكلب يلعب، هنا، دور المراقب، ويمدّ لسانه في إتجاه ما يدور على صفحة القماش. يقول صانع الأعمال إن ما سبق ذكره يمثّل إنفصالاً عن الواقع المعيش، ويسخر من الموت والصدمات، "فالعَبَطُ يَصبغُ ظاهرَ الأشياءِ والألوان، لكنَّهُ يكشِفُ في العمق عن حالة اللامبالاة التي تُصيبُ الإنسان في صراعه مع الصَّدمات"، على ما يفيد الفنان.

عمِل أدهم الدمشقي على بناء عالم غرائبي، لا يختلف كثيراً عن عالمنا الذي يتّخذ، شيئاً فشيئاً، ملامح سوريالية، إن لم يكن قد استحصل على هذه الصفة منذ زمن طويل. وفي ما يختص بالأسلوب التشكيلي، يمكننا القول إن أعمال الفنان تأخذ بعضاً من تراث جماعة "كوبرا" الهولندية، وهي التي دعت إلى العفوية في الفن، وإهتمّت بالفنون البدائية من خلال أشكال أقل تلوّثاً بالمعايير والإتفاقيات، ومنها الفن الساذج. هذه الملامح حاضرة، نسبياً، في أعمال الفنان التي نحن في صددها، والتي هي أقرب ما يمكن إلى طبيعة الفرد ونفسيته وحالته الذاتية، وإلى عقله الباطن، وهو الذي يبحث عن الأشكال اللاعقلانية، ولو أن أساساتها خارجة من الواقع المرئي. لكن الأعمال تقلّل من أهمية هذا الواقع وتقلّصه، محاولة الجمع ما بين الخط المحدد للشكل والخط الذي يتبع إتجاهاته العفوية الخاصة.

لكن أدهم الدمشقي، في تعامله مع الواقع القائم، ولما يمكن أن يفرزه هذا الواقع مستقبلاً من محطات مأسوية، يقول، وعلى لسان كلبه كما نعتقد:

لكنّي هذه المرّة،

لن أركضَ، لن أهربَ، لن أخاف

سأهزُّ ذيلي فرحًا، 

وأمدُّ لساني ضاحكًا للموت...

سُعداءُ نحنُ في قبورنا 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها