الثلاثاء 2022/04/19

آخر تحديث: 19:06 (بيروت)

خاتم نصر الله.. ومارد علاء الدين

الثلاثاء 2022/04/19
خاتم نصر الله.. ومارد علاء الدين
increase حجم الخط decrease
يخيّل للمرء أن حسن نصر الله يحتفظ في أحد أدراج خزانته بعلبة ملأى بالخواتم. تلك التي تستقر في أصابع "السيّاد" والمؤمنين، أو يجلبها الحجّاج من النجف وقمّ وكربلاء. لا يهم إن كان منشأها الصين أو تايلاند. الحمولة الرمزية يسبغها الناس على الأشياء، ولا تحوزها الأشياء في ماهيتها. المُمسك بالطوطم يجعله ذا قوى ومعانٍ فائقة، تجاوزية، بمجرد تصديق هذه السّمات غيباً، عن ظهر قلب، ومن قلب القلب وبقية العقل. حجر ياقوت أو زمرد، عقيق أو دُرّ نجفي، وسط حلقة من الفضة، يزدان أحياناً بنقوش وكتابات ذات قدسية. منها ما قد يسحبه نصر الله من تلك العلبة ليرتديه، ومنها ما يهديه لمن يشاء. يُهديه خاتمه. ليس أي خاتم ذي دلالة تعبّدية، بل خاتم "السيد" خصوصاً، المُثقل بحمولات إضافية.


لم يُعرف في النهاية مصير العباءة التي أهداها نصر الله إلى ريم حيدر، إبان حرب تموز 2006، وعرضَتها قبل فترة للبيع بمليوني دولار. لكن، خلال الأيام القليلة الماضية، رُصدت في مواقع التواصل الاجتماعي منشورات وصُور يتباهى أصحابها بسَعد حظهم وحظوتهم، إذ تلقوا خاتم "سماحة العشق" هدية.



وقبل ذلك بشهور، حمّل نصر الله، الإعلامي الذي أجرى معه مقابلة في قناة "العالم" الإيرانية، خاتماً من خواتمه لزوجته التي كانت أسيرة، وفرح الرجل فرحاً عظيماً، ثم أفرح زوجته وسجّل ردّ فعلها المنتشي في فيديو صار مُتناقلاً. كما استجاب "سماحته" لرغبة "المحلل السياسي" المتخصص في بروباغندا "حزب الله"، رفيق نصر الله، الذي طلب منه خاتمه عبر قناة "المنار"، وكان له ما طلب، وما زال المحلل يرتدي خاتم "السيد".


كُتب كثيراً عن الخاتم الذي دأب على ارتدائه قائد "فيلق القدس" الإيراني، قاسم سليماني، وظهر به في معظم صُوره. يقال إنه هدية من مرشد الثورة الإسلامية، علي خامنئي. هكذا يُكمل حسن نصر الله التقليد بين أناسه ومريديه، أبناء المذهب والعقيدة، وسواهم من أيتام الممانعة والإيديولوجيا.

لكل قبيلة طوطمها. هو رمزها، بيرقها، يختزن قواها "الخارقة"، إرادتها وشعاراتها. الجوهر إذ يحلّ في المادة. يتم تشييؤه، فيتسامى الشيء فوق عناصره العادية، ويُسبغ بعضاً من "ذاته" ما فوق العادية، مُكتملة الصنع الآن، على حامله الذي لا يعود مُبتدع المعنى، بل متلقيه الخاشع.

الطوطم، تاريخياً، يتحدر من الآباء إلى الأبناء. وهؤلاء الأخيرون لا تنحصر علاقتهم مع الأب في المُحدِّد الجيني، أي الأب الذي أنجبهم. بل كل رجال القبيلة البالغين هم آباؤهم المحتملون، والاحتمال يندمج في شجرة العائلة الكبرى، يخلط الماء بالدماء في شرايين متمادية متشعبة لا فكاك لأي فرع من تمددها واختراقاتها.

القبيلة كلها تُحشَر في الطوطم، كالمارد في خاتم علاء الدين الذي، ما إن يفرك الحجر مِلك خنصره، حتى يخرج الجنّي مبدياً السمع والطاعة والاستعداد لتلبية أوامر سيّده.

الطوطم أيضاً وعاء لاستيعاب الإسقاط. إسقاط الحب والرغبة، الأمل، والتوق للسعادة والأمان، كما الضعف والحيرة، الخوف والقلق. الطوطم يمتص هذا كله وأكثر. يتّسع أيضاً للمشاعر المتناقضة. تلك التي تشعرنا بالذنب ونرفض الاعتراف بها لأنفسنا ووعينا، فنجد لها مخرجاً من مَخارج "التابو"، كأن نكره بعض صفات أمهاتنا اللواتي نحبّهن حباً جماً. وهناك المشاعر التي تؤذي "الأنا" وتتسبب في تشظيها، كالهشاشة التي يشعر بها مُتنمّر، فيزداد تنمراً إذ يُلبِس هشاشته لمن هو أضعف منه. الطوطم لا يردّ طلباً لطالبٍ صادق.

حين نتبرّك من أحد الأولياء الصالحين بقطعة قماش، مسحة زيت، أو قُبلة لمَزاره، فإننا نستحضر سِحر الدين، العقيدة، أو الإيمان. السِّحر المسموح به بعد اصطياد كل الساحرات وإنهاء كل المشعوذين قارئي الكتب المحروقة. هو السِّحر الشرعي، المقبول، والذي لا يستدعي شياطين قديمة، بل يحارب الشياطين المستجدة. وحين نتلقف "أثراً" من رجل دين ذي مرتبة، وهو في الوقت نفسه، زعيم الطائفة/القبيلة، وزعيم حزب الطائفة/القبيلة، والقائد العسكري لمليشيا هذه الجماعة، والممثل السياسي الأول لها.. كيف يُرى الأمر؟

كأنها خلطة: مِن هيولى شَعرة النبي المحفوظة في متحف "توب كابي" في اسطنبول،... وزرّ سقط من سترة إلفيس بريسلي، فتلقفته معجبة صائحة بإسم نجمها لتخبّئه قرب قلبها،... وعقد اجتماعي بصيغته الأولية إذ يُبرَم لتكريس سلطة على الفرد، وبموجبه يكون الأفراد قد وافقوا، صراحةً أو ضمناً، على التنازل عن بعض حرياتهم والخضوع لهذه السلطة (الدولة، الحاكم، أو قرار الغالبية) في مقابل حماية بقية حقوقهم أو الحفاظ على النظام/الانتظام في بوتقة عيشهم المسمّاة أحياناً مجتمعاً أو حتى "بيئة". والطوطم، كما أنه فائق القدرة، هو فائق الجمال أيضاً، فالخلاص المُتخيّل دوماً كذلك.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها