الثلاثاء 2022/10/04

آخر تحديث: 20:09 (بيروت)

الشيخ يزبك الذي وجد بيروت أقرب من بعلبك

الثلاثاء 2022/10/04
الشيخ يزبك الذي وجد بيروت أقرب من بعلبك
الشيخ عباس يزبك محاولاً المشاركة في اعتصام المتحف (المدن)
increase حجم الخط decrease

واقعة طرد الشيخ المُعمَّم عباس يزبك من التظاهرة التضامنية مع الانتفاضة الإيرانية، تبحث عن تصنيف. ليست بالضرورة إقصاء لـ"الآخر"، ولا جرأة مُطلَقة. ليست تعنتاً وتقوقعاً على الذات النسوية وخطابها، ولا مِسطَرة للحِكمة تقاس بها الخطوات في التالي من الأيام والتحركات. ليست تطرّفاً علمانياً مدنياً، ولا هي شاملة المصداقية والانسجام مع النسوية كنشاط على الأرض. لعلها خليط من هذا كله، أو لا شيء منه على الإطلاق. وربما تشبه النقاط والفواصل التي تتخلل عبارات رنانة كبرى في نص طويل. لكن المؤكد أنها فرصة، للطارد(ات) والمطرود، لوقت مستقطع، ولو قصير، يتيح التفكير في الأجندة المُعارضة، سواء كانت نسوية "سافرة"، أو من داخل المؤسسة الدينية.

لدى سماع خبر طرد الشيخ يزبك من التظاهرة النسائية في غالبيتها، لعل أول ما استنفر في أذهان كثر منا، هو راصد الإنصاف، الحس النقدي الذي لا نريده أن يخبو أو يتكاسل حتى إزاء ما يمثلنا ونؤمن به، ومؤشر الصواب السياسي الرشيد أو ما تبقى منه بعد تصفية بلاهات بالأطنان التصقت به خلال السنوات الماضية. هكذا برزت الأسئلة الأولى: لماذا يُستبعد شخص يقول إنه مُتضامن مع القضية نفسها لمجرد أنه رجل دين؟ وماذا لو انضم متديّنون أو متدينات، لن نعرف أنهم/ن كذلك لأن لا لباس يدل على إيمانهم/ن، لكننا سنكتفي بما يعلنونه لنا من موقف تضامني، فلماذا نحبس الشيخ في عمامته؟ وإن كانت المتظاهرات موجودات هنا من أجل الحرية، فماذا عن الترحيب بحُرية الشيخ يزبك وملاقاتها؟ وماذا عن تقبّل "المختلف" طالما أنه ينضم إلينا تحت شِعارنا؟ والأهم من هذا وذاك، متى ستعي النسوية عموماً، واللبنانية خصوصاً، أنها، من أجل أن تنجح وتظل ممتلكة لمعنى أصيل، عليها أن تفكّر وتتصرف كجماعة سياسية؟ كيان سياسي مَرِن وذكي، ينسج التحالفات، ويوسع دوائر خطابه، ويخاطب مَن لا يشبهونه، ولا يسمح بتجمّده الإيديولوجي تحت مسمّى الصلابة والصمود والتحدي، بل يمارس براغماتية نزيهة ومتسقة مع مكوّنات مبادئه، من أجل إيصال صوته وتكريسه أولاً، ومن ثم تحقيق النتائج، الواحدة تلو الأخرى وبَنَفس طويل.

لكن مدى الأسئلة هذه لا يطول. ليس فقط لأن موضوع الاحتجاج نفسه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالدين، ومن ثمّ بتسييس هذا الدين وتحوّله أداة حكم وقمع. لكن لأن تضامن الشيخ يزبك، ولو كان صادقاً، يبقى مُجتزأً، وبالِغ الفرعية. فقضايا النساء مع المؤسسة الدينية، النساء اللبنانيات والشيعيات تحديداً، كثيرة وقاسية وشديدة الإجحاف. قضاياهن مع المحاكم الجعفرية. قضايا الزواج والطلاق وحضانة الأولاد والإرث، العنف والاغتصاب والتحرش... والحجاب. قضاياهن مع المُعمّمين و"فرق عملهم" السياسية والدينية والاجتماعية، في الحياة اليومية، في الشارع والمدارس والجامعات والمستشفيات.

وتُفتتح هنا سلسلة ثانية من الأسئلة: إذا كان الشيخ يزبك مؤمناً فعلاً بقضية المرأة مع القسر الديني، فلماذا لم يساهم عملياً في التحركات التي خاطبت المحاكم الجعفرية؟ لماذا لم يدعمها ميدانياً من موقعه ذي الرمزية الدينية والشرعية؟ أين معاركه الملموسة، بجُبّته وعباءته وخطابه، من أجل الحريات الشخصية؟ ألم يكن في استطاعته، لو لم يكن أحادي الشعار ضد النظام الإيراني، أن يحرك رجال دين آخرين حوله، لجمعهم في نشاط يرفع الشعار نفسه مع الإيرانيات المنتفضات، بموازاة تحرك اللبنانيات في منطقة المتحف؟ أليس هذا هو المسلك الأنسب والأوضح والأقوى للقول بأن المؤسسة الدينية، الشيعية تحديداً، ليست بلون واحد، رغم اللون المهيمن لحزب الله ودوائره؟ لماذا يقع على عاتق الناشطات اللبنانيات المتضامنات الآن مع الإيرانيات، والمُطالبات من قبل بحقوق شتى تضيعها الدولة والمؤسسات الدينية معاً، وزر إثبات انفتاحهن على الآخر؟ لماذا لا تكون الصورة معكوسة؟ بل لعلها أجدى وأحقّ إذا انعكست.

ماذا لو تحرك الشيخ يزبك، أو أي شيخ "معتدل"، بشكل يبرهن أنه لا يبتغي نجومية أو تسويقاً فردياً على ظهر الاعتصام النسائي، بحيث ينظّم تحركاً ويسعى إلى استقطاب اللبنانيات الناشطات، ليذهبن هن لمشاركته ومباركته وإعطائه المشروعية؟ هل يفترض بالنساء أن يغتبطن ويضحكن في صدورهن لمجرد أن شيخاً خالَف (قليلاً) فعُرِف، وأن يحملن له هذا الجَميل سلفاً؟ الشيخ أستاذ مدرسي في بعلبك، ماذا لو بدأ من مكان عمله وبيئة نشاطه اليومي، قبل أن ينزل كالمظلّي على اعتصام المتحف؟ البيئة التي تشاهد تلفزيون "المنار"، و تُلقَّم "تقارير شبه مؤكدة" عن أن مهسا أميني عميلة إسرائيلية انتحرت بابتلاع قرص سامّ داخل مركز الشرطة الإيراني لزرع بذور الفتنة، وقبل ذلك جعل حسن نصر الله مقتلها "حادثاً غامضاً" و"مؤامرة" على الجمهورية الإسلامية.

لم يكن طرداً، إذن، هذا الذي نفّذته معتصمات المتحف بحق الشيخ يزبك، وقد أصدرن اليوم بياناً شرحن فيه وجهة نظرهن، و"التوقيت المناسب" الذي انضم فيه الشيخ إلى اعتصامهن. بل مناسبة ليراجع الشيخ مفكّرته ويدرس ملفّه وينجز فروضه قبل أن يقفز صفاً، ولا يكفي شجب جريمة اغتيال لقمان سليم والانحياز لثورة 17 تشرين، فموضوع النساء ليس مُستلحقاً. والمناسبة أيضاً كي تقول النسوية اللبنانية في عقلها، حسناً، هذه المرة حادثة الشيخ تستأهل، الشيخ حالة واضحة، لكن لا بد من الاستعداد لحالات أقل بداهة وأكثر استحقاقاً للكَسب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها