الجمعة 2022/10/21

آخر تحديث: 14:01 (بيروت)

مكسيم رودنسون... لكن ماذا فعل فوكو في طهران؟(1/2)

مكسيم رودنسون... لكن ماذا فعل فوكو في طهران؟(1/2)
معظم مَن حاوَرهم فوكو، لم يتحدثوا إليه عن "الثورة"، بل عن "الحكومة الإسلامية"
increase حجم الخط decrease
توطئة:  
خلال العامين 1978-1979، وخلال ثورة حضرية ضخمة شارك فيها الملايين، أطاح الشعب الإيراني، نظام رضا شاه بهلوي (الذي كان قد حكم منذ العام 1941) واتّبع برنامجاً استبدادياً للتحديث الاقتصادي والثقافي. وفي أواخر العام 1978، سيطر الفصيل الإسلامي المتشدّد، بقيادة "روح الله الخميني"، على الانتفاضة المناهضة للنظام، والتي شارك فيها أيضاً القوميون العلمانيون والليبراليون واليساريون، ووصف الإسلاميون النضال ضد الشاه بأنه إعادة تمثيل لمعركة كربلاء (680 م). في العام 1978، جسد الخميني، الحسين البريء، بينما مثّل الشاه الخصم يزيد، وكان يُنظر إلى المتظاهرين الذين قتلهم وقمعهم الشاه، على أنهم شهداء تبعاً للتقليد الشيعي. 

إبان ذلك الوقت، زار ميشيل فوكو، إيران. وكتب وتحدث بحماس عن الثورة. لماذا قرر فوكو السفر مرتين إلى إيران والكتابة عن الثورة الإيرانية 1978-1979، فيما لم يُظهر أي اهتمام مماثل بالثورة النيكاراغوية مثلاً، ولا بحركة تضامن في بولندا؟ لماذا، في كتاباته عن الثورة الإيرانية، قدم دعمه الحصري لجناحها الإسلامي؟ يبدو أن بعض الأساليب في أعمال فوكو لاقت صدى مع الحركة الثورية التي كانت تتكشف في إيران. كان ثمة تقارب محير بين هذا الفيلسوف ما بعد البنيوي، والناقد الأوروبي للحداثة، وبين المتطرفين الإسلاميين المناهضين للحداثة في شوارع إيران. فكلاهما كان يبحث عن شكل جديد لـ"الروحانية السياسية" كخطاب مضاد للعالم المادي، وكلاهما تشبث بمفاهيم مثالية للنظم الاجتماعية السابقة على الحداثة، وكلاهما احتقر النظم القضائية الليبرالية الحديثة، وكلاهما كان معجباً بالأفراد الذين يخاطرون بأرواحهم في محاولات للوصول إلى وجود أكثر أصالة. قد يكشف تقارب فوكو مع الإسلاميين الإيرانيين، والذي غالباً ما يُفسر على أنه "خطيئته" بشأن إيران، عن بعض التداعيات الأكبر لخطابه النيتشوي-الهايدغري.

زيارته تلك، محل جدل كبير. وليس هذا النص التشريحي والمرجعي، من نواح عديدة، وكتبه المؤرخ الماركسي الفرنسي، مكسيم رودنسون، سوى مثال وافٍ عن الأصداء التي أثارتها تلك الزيارة، فيما يتصل بدور المثقف في لحظات تاريخية مفصلية وزئبقية كتلك اللحظة. يُنتظر من رودنسون، وهو عالم الاجتماع والمستشرق المعروف، نص كهذا في وضوحه وإحاطته والتقاطه لجوهر المسألة مطرح الجدل. لمزيد من الفائدة، ولتقدير الأثر البعيد الذي أحدثه موقف فوكو، أُرفِق هنا رسالة من إحدى النسويات الإيرانيات إليه لتكون بمثابة توطئة لمقال رودنسون توخياً للقراءة المركبة والسياقية لزيارة فوكو: 

"أعيش في باريس وأشعر بالاستياء العميق من الموقف المطمئن لليسار الفرنسي تجاه إمكانية "حكومة إسلامية" قد تحل محل استبداد الشاه الدموي. فميشيل فوكو، على سبيل المثال، يبدو متأثراً بـ"الروحانية الإسلامية" التي من شأنها أن تحل بشكل مفيد، وفقًا له، محل الديكتاتورية الرأسمالية الشرسة التي تترنح اليوم. بعد خمسة وعشرين عاماً من الصمت والقمع، هل ليس أمام الشعب الإيراني خيار آخر غير الخيار بين السافاك والتعصب الديني؟ من أجل الحصول على فكرة عما تعنيه "روحانية" القرآن، المطبقة على الرسالة في ظل نوع النظام الأخلاقي لآية الله الخميني، ليس من السيئ إعادة قراءة النصوص "نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ"، من الواضح ان الرجل هو الرب، والزوجة هي العبد، ويمكن استخدامها لنزوته، ولا يمكنها أن تقول شيئاً ويجب أن ترتدي الحجاب المتأتي من غيرة النبي على عائشة. نحن لا نتعامل هنا مع مثال روحي، لكن مع خيار يتعلق بنوع المجتمع الذي نريده. اليوم، غالباً ما تُهان النساء غير المحجبات، والشبان المسلمون لا يخفون بأنفسهم حقيقة أنه في النظام الذي يرغبون فيه، يجب أن تتأدب المرأة وإلا ستُعاقب. كما أنه مكتوب أن للأقليات الحق في الحرية بشرط ألا تؤذي الأغلبية. في أي مرحلة تبدأ الأقليات "في إيذاء الأغلبية"؟ في كل مكان خارج إيران، يعمل الإسلام كغطاء للقمع الإقطاعي أو الثوري الزائف. في كثير من الأحيان أيضاً، كما هو الحال في تونس، في باكستان، في إندونيسيا، وفي الداخل، الإسلام - للأسف- هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الشعب المكمم. يحتاج اليسار الليبرالي الغربي إلى معرفة أن الشريعة الإسلامية يمكن أن تصبح عبئاً ثقيلاً على المجتمعات التي تتوق إلى التغيير. لا ينبغي لليسار أن يدع نفسه يُغوى بعلاج ربما يكون أسوأ من المرض". 



وهنا ترجمة للجزء الأول من مقال رودنسون...
كان القصد من مقالي السابق "خميني وأسبقية الروحاني" توضيحاً وسط ما اعتقدت أنه موجة من الارتباك. على أي حال، ما زال يشهد على الجو السائد بين المثقفين الأوروبيين والأميركيين اليساريين (وأحيانًا اليمينيين)، خلال الفترة التي أطاحت فيها الثورة الإيرانية، الشاه، تحت راية الإسلام الشيعي وبعدها مباشرة.

بالتدريج، مع تطور الثورة في إيران في العامين 1977 و1978، حوّل هؤلاء المثقفون اليساريون انتباههم في هذا الاتجاه بقوة أكبر وأكبر. الأمل في ثورة عالمية من شأنها أن تلغي استغلال الإنسان وقمعه من قبل الإنسان، هذا الأمل الذي كان لفترة طويلة ميتاً أو محتضراً، عاد إلى الظهور، بخجل في البداية ثم بمزيد من التأكيد. هل يمكن أن يكون هذا الأمل قد وجد نفسه الآن متجسداً بطريقة غير متوقعة في الشرق الإسلامي، وهو حتى الآن مكان غير واعد للغاية بالنسبة له، وبصورة أدق، في هذا الرجل العجوز الضائع في العالم الفكري للقرون الوسطى؟

انطلق المثقفون المحلقون عالياً صوب إيران التي اشتعلت فيها النيران. لقد أرادوا أن يروا بأم العين، وأن يشهدوا حينها العملية الثورية المذهلة، وأن يدرسوها ويفحصوها. هناك، أخذهم الأصدقاء المثقفون الإيرانيون، أو أصدقاء الأصدقاء، من أيديهم.

كان هؤلاء في حالة سُكر بسبب النضال الذي كان يحقق مكاسب كل يوم. وسرعان ما سيكون ذلك ثمالة النصر. كل يوم كان يجلب دليلاً جديداً على قوة تعبئة الشعارات الإسلامية وجاذبية الشخص الذي جسدها بقوة، آية الله الخميني. وفي ظل هذه الشعارات، واجهت الحشود العزلاء الرشاشات والبنادق.

النجاح يؤدي إلى النجاح. وعلى نحو متزايد، سأل الديموقراطيون والماركسيون الليبراليون الإيرانيون أنفسهم عما إذا كانوا قد ارتكبوا خطأ، وما إذا كانوا مخطئين في تجاهل تعبيرات شعوبهم عن الحماسة الدينية التقليدية. اكتسبوا المزيد والمزيد من الثقة في فعالية الشعارات الدينية، وسعوا بشكل متزايد إلى قراءتها على أنها أقله شكلاً من أشكال تطلعاتهم الخاصة. لقد أضفوا عليها معنى سياسياً واجتماعياً يتوافق مع توقعاتهم. لقد أبلغوا ثقتهم الجديدة إلى زوارهم الأوروبيين، الذين تأثروا بل واندهشوا، والذين أجبروا أنفسهم على التعرف بأسرع ما يمكن على المناخ العقلي الذي كانوا جاهلين به بشدة. أدى تشكيل الحكومة الجديدة في شباط/فبراير 1979 إلى زيادة اهتمام المثقفين الغربيين. وتضاعفت رحلاتهم إلى إيران، كما تضاعف بالمصادفة، عدد مراسلي الصحف على الفور. ابتهج النظراء الإيرانيون بهؤلاء المثقفين الغربيين، وسَكِروا بانتصارهم، لكنهم وجدوا أنفسهم أيضاً محاصرين بزوبعة النضال والتوترات التي تحدث عادةً في أعقاب الثورة. كان الصراع على السلطة يتسارع، وفقًا لعملية كلاسيكية: اندلاع الأفكار المتباينة أو المتعارضة، والأطروحات والنظريات، والتي يجب أن تؤدي بسرعة إلى مواجهات جسدية في الشوارع.



غالبًا ما يستخدم الصراع الأبدي على السلطة، بين القوى المتنافسة، الأدوات المفاهيمية كأسلحة يتم تشكيلها من خلال البراعة النظرية، سواء نشأت هذه الأدوات أثناء الصراع أو ما إذا كانت موجودة بالفعل، متاحة لمثل هذا الاستخدام. أولئك الذين يحبون النظرية يمكن أن يتأثروا بالرغبة في وضع أنفسهم عمداً في الطليعة، أو (نادرًا) من خلال الميول الفكرية البحتة. يتم الاستيلاء على إبداعاتهم بجشع، خصوصاً في هذا الخليط، من قبل أولئك الذين يعرضون أشكالًا من الفكر أو الكلام قادرة على إثارة الجماهير وقيادتهم إلى المستوى التالي. هذا التقارب بين الطموحات والمواهب الشخصية، حتى من حيث البراعة في مجال التفصيل النظري، ينتج عنه عادة صدعاً على صدع وانقساماً على انقسام، ومعارضة الخيارات والبرامج، غالبًا بشكل مصطنع للغاية، لكن غالباً أيضاً كتعبير عن اتجاهات متناقضة مقترحة بنفس القدر من جانب أو آخر للواقع الاجتماعي.

مع الخميني أو قبله -وهنا يختلفون مع أيديولوجيته التقليدية- حاول المثقفون الإيرانيون تطوير عقيدة موجهة عملياً نحو المفاهيم الأوروبية للثورة، والتي غالبًا ما تكون اشتراكية. في الوقت نفسه، اندمجوا في هذه الصيغ العقائدية التي احتفظت، بشكل متفاوت، بإخلاص للدين الإسلامي. كما أن صدق تمسكهم بالإسلام كان متفاوتاً للغاية. فقد رأى بعضهم، بطريقة نفعية، في الأشكال الإسلامية التي تم الاحتفاظ بها، أولاً وقبل كل شيء، طريقةً لكسب الجماهير لأفكار غير مألوفة لها. كان البعض الآخر يعتقد حقاً أن الأفكار المستمدة من المفاهيم الأوروبية الاشتراكية أو الماركسية الجديدة أو الليبرالية، كانت متضمنة، حتى لو كانت محتملة وفي لغة معينة كان من الضروري تعلمها وفك رموزها، في صميم أسس الإسلام ذاتها، أو ربما (وهنا تباين إيراني على وجه التحديد) في أسس الإسلام الشيعي.

ومع ذلك، في وقت مبكر من التنصيب الرسمي للحكومة الجديدة في طهران، أثار الشكل الذي اتخذته والقرارات التي اتخذتها، مخاوف بين أولئك الذين كافحوا أكثر من غيرهم من أجل تمهيد الطريق لها. وشيئًا فشيئاً، قرروا نقل مخاوفهم إلى أصدقائهم الأوروبيين. والأخيرون، علاوة على ذلك، هزتهم الشكوك بشكل متزايد. كان بإمكانهم أن يعموا بشكل أقل وأقل عن الصراع على السلطة في القمة ورهاناته، والتي كانت علاقتها بأي مُثُل مشكوكاً فيها للغاية. وبالمثل، كان عماهم أقل فأقل عن الاتجاهات المتزايدة الخطورة في ما يتعلق بالقيم التي يعتزون بها، وهي الاتجاهات التي يمكن تمييزها بشكل أوضح بين بعض أولئك الذين كانت قوتهم التعبوية أو صعودهم إلى سيطرة الدولة الجديدة أقوى، مع وجود آية الله الخميني في القمة.

لم يمض وقت طويل قبل أن يكشف آية الله، الذي تمتع بالكاريزما، عن ميوله تجاه أحلك أشكال التراث الثقافي، نحو الأساليب التقليدية في الحكم، التي يخفيها المعطف الأخضر للإسلام من دون قدر كبير من الصدق الفكري، وبسبب لامبالاته الهادئة للآلام التي يسببها تعنته الخرِف وغضبه الانتقامي. فيما أكتبُ هذا في بداية شباط/فبراير 1979، وما زلتُ حذراً جداً، أستحضر توركيمادا [1]Torquemada. انجلت هذه الشكوك في وقت مبكر جداً. ذلك أن السادية التي استُخدمت في البداية كعذر لفكرة المصلحة العليا لشعبه أو الإنسانية أو، بقوة أكبر، مصلحة الله المنتقم، أو إرسال ضحاياه في أسرع وقت ممكن أمام العدالة الإلهية، أصبحت ظاهرة بشكل متزايد في عالمه العقلي المبتور. فبمباركته، سرعان ما شمر مرؤوسوه عن سواعدهم، وعذبوا بسرور أجساد أولئك الذين سُجنوا أو حُكم عليهم بالإعدام. سرعان ما أصبح رجل الدين، الملا خلخالي[2]، مشهوراً دولياً بهذه الطريقة، ويستحق أن يتفوق على الشهرة التي تعود إلى قرون من الزمن الإسباني الرهيب. لكن إطفاء الأمل يستغرق وقتاً طويلاً. لفترة طويلة، تمسك المثقفون الإيرانيون، بمن فيهم الأكثر انفتاحاً والأكثر ليبرالية، بالاعتقاد بأن ديناميكيات العملية الثورية ستنتهي بانتصار المفاهيم التي وجهت هؤلاء المثقفين عندما بدأت. إن العقول المشكّلة فلسفياً، وربما الأكثر بروزاً على وجه الخصوص، هي من بين الأكثر عرضة لإغراءات الشعارات النظرية، والتي يمكن أن تتجسد بسهولة بمبررات متقنة بشكل رائع، مع عمليات عميقة مبهرة، والاستفادة من إلمامهم بالأعمال العظيمة لمحترفي التجريد الغربيين، من أفلاطون فصاعداً. إنهم جميعاً أكثر عرضة لهذا الإغراء لأن لديهم، مهنياً، إذا جاز التعبير، ميلاً لتقليل العقبات والاعتراضات التي يضعها الواقع العنيد في طريق البنى المفاهيمية.

وضع المفكر العظيم ميشيل فوكو، وهو جزء من خط فكري منشق جذرياً، آمالًا مفرطة في الثورة الإيرانية. كما مكّنته الفجوات الكبيرة في معرفته بالتاريخ الإسلامي من تحويل الأحداث في إيران، وقبول الاقتراحات شبه النظرية لأصدقائه الإيرانيين في الغالب، والاستقراء من ذلك من خلال تخيل نهاية التاريخ التي من شأنها تعويض خيبات الأمل في أوروبا وأماكن أخرى.

رصد في العام 1978 "الضغط الهائل من الشعب" الذي كان ينفجر، مشككاً بحق في تفسيرات وتنبؤات "السياسيين" الإيرانيين العلمانيين والليبراليين الذين مثّل لهم الخميني مجرد ظاهرة عارضة سيسمح السقوط المتوقع للشاه بدفعها جانباً. وعليه، فقد ذهب لإجراء اتصالات مع إيران نفسها، متوجهًا إلى طهران وقمّ في الأيام التي أعقبت الاضطرابات الكبرى مباشرة. تجنب "السياسيون المحترفون"، وأجرى بحماس وأحيانًا لفترات طويلة مقابلات مع "القادة الدينيين، والطلاب والمثقفين المهتمين بمشاكل الإسلام، وأيضاً مع مقاتلي حرب العصابات السابقين الذين تخلوا عن الكفاح المسلح في العام 1976 وقرروا القيام بعملياتهم بطريقة مختلفة تماماً، داخل المجتمع التقليدي".

معظم مَن حاورهم، واختيروا بهذه الطريقة، لم يتحدثوا إليه عن "الثورة"، بل عن "الحكومة الإسلامية". ماذا يعني هذا؟ رحب فوكو وكرر، بحسن نية، التفسيرات التي قدمها له المترجمون الليبراليون، كما في حالة آية الله شريعتمداري. قال فوكو بالفعل في البداية: "يجب أن يكون هناك شيء واحد واضح. بعبارة "الحكومة الإسلامية" لا أحد في إيران يعني نظاماً سياسياً حيث يكون لرجال الدين دور في الإشراف أو السيطرة ". على ما يبدو، لم يسمع فوكو مطلقًا بالنظرية التي طرحها الخميني قبل أربعة وثلاثين عاماً على الأقل، ولاية الفقيه، وهي النظرية التي مفادها أن رجال الدين قادرون على الحكم.

من الضروري أن ندرك أن فوكو تلقى بشيء من الشك صِيَغ "من كل مكان ومن لا مكان"، التي اقترحت عليه في ما يتعلق بالمعنى العميق لمصطلح "الحكومة الإسلامية": ضمان احترام ثمرة عمل كل فرد، والحريات الفردية، والمساواة بين الجنسين، وما إلى ذلك. شُرح له أن هذه هي الأفكار التي اقترحها القرآن في البداية (تمثيل أسطوري تم استيعابه بقوة وسمعه أولئك الموجَهون نحو الإسلاموية ألف مرة) والتي فقد الغرب معناها، لكن "الإسلام سيعرف كيف يحافظ على قيمتها وفعاليتها".

شعر فوكو بالحرج من الحديث عن الحكومة الإسلامية على أنها "فكرة" أو حتى "فكرة مثالية". لكن يبدو أن شعار الحكومة الإسلامية يعبّر عن "الإرادة السياسية" التي أثارت إعجابه. تبعاً له، فإن الأمر يتعلق، من ناحية، بمحاولة إعطاء الهياكل التقليدية للمجتمع الإسلامي (كما ظهرت في إيران) دوراً دائماً في الحياة السياسية. وقد أُعطي مثالاً للجمعيات الشعبية التي تشكلت بشكل عفوي تحت إشراف ديني، وأخذت على عاتقها مبادرات اجتماعية، مثل إعادة إعمار مدينة دمرها الزلزال. من ناحية أخرى، وبطريقة أخرى، عبّرتُ هنا، وبإلهام من علي شريعتي، عن حركة لإدخال بُعدٍ روحي في السياسة، "حتى لا تكون هذه الحياة السياسية، كما هو الحال دائماً، عقبة أمام الروحانية، لكن بالأحرى وعاءها، فرصتها، اختمارها".
_________________

[1]- توماس دي توركيمادا، راهب اسباني دومينكاني، عاش في القرن الخامس عشر للميلاد، وهو أول محقق عام في محاكم التفتيش الإسبانية.

[2]- صادق خلخالي، وُلد في 27 يوليو 1926 في أردبيل-ايران، وتوفي في 27 نوفمبر 2003 في طهران بعد صراع مع مرض ألزهايمر. هو أول مدعٍ عام إيراني في ايران بعد انتصار الثورة الإسلامية، واشتهر بالجدية والمواقف الحاسمة تجاه من يوصَفون بالمجرمين. تُنسب إلى خلخالي إعدامات تعسفية في إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية، في حين يعتقد البعض انه كان يقوم بواجبه كمدعٍ عام وحسب، والكثير ممن تعرضوا للظلم من قِبل نظام الشاه يؤيدون مواقف خلخالي الحاسمة ويحبونه. في السنوات الأخيرة من حياته، اختار العزلة ولم يظهر كثيرًا بين الناس. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها