الخميس 2022/10/20

آخر تحديث: 13:41 (بيروت)

"داخل الغابة المكسورة" لآلان فاسويان.. تأبين أشجار لبنان

الخميس 2022/10/20
increase حجم الخط decrease
معرض ألان فاسويان، المقام لدى "غاليري جانين ربيز"، تحت عنوان "داخل الغابة (غابتي) المكسورة"، يعتمد وسائط فنية مختلفة للإحاطة بالموضوع المطروح، كتيمة تبدو ذات التصاق محكم بالوضع الراهن. لكن، وإذ يُخيل للبعض أن الحديث يرتبط بالسياسة وبأوضاعها، فالمقصود أمر آخر يتعلّق بالطبيعة وأحوالها، وما آلت إليه في الفترة الأخيرة. 
 
آلان فاسويان، المولود عام 1966، هو فنان لبناني - كندي مقيم في بيروت. درس النحت ومن ثم تاريخ الفن في جامعة مونتريال. وهو يقوم حاليًا بتدريس فن النحت في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (ALBA) وجامعة القديس يوسف في بيروت، وشارك في معارض جماعية وفردية حول العالم. عُرف فاسويان بتركيباته النحتية ثلاثية الأبعاد، ويتم عرض أعماله بشكل دائم، أو دوري، مع غاليري جانين روبيز. في معرضه الحالي نرى تنوّعاً في طرق التعبير، التي تصبّ جميعها في خدمة الموضوع المطروح، وهي تتراوح بين اللوحة والعمل النحتي والتركيبات التي تقترب من فن التجهيز. وأورَد، سعياً وراء إيضاح بعض أفكاره المتعلّقة بمعرضه، تعابير مثل: "الأجسام التي تنكسر ثم تعيد بناء نفسها"، "غابات تحترق وتتجدد".


ولو افترضنا أن مقاصد الفنان متطابقة مع تصوّراتنا، ولو إلى حد ما ومن دون الابتعاد عن الجوهر، فإننا نرى في الأعمال المعروضة "تأبيناً" غير معلن لأحد أبرز عناصر الطبيعة: الشجرة، أو الأشجار. أسباب "نعي" هذا العنصر عديدة، إذ لا يمر صيف على هذا البلد، أو على بلاد أخرى في أنحاء المعمورة، في السنوات الأخيرة، إلاّ ويحمل إلينا حرائق مدّمرة، صُور من جهنم، على افتراض أن جهنّم التي تنتظر الأشرار "أصحاب السعير"، يُسمع فيها لظى النار المستعرة، وهي النار نفسها التي تلتهم الطبيعة. لا نشك في أن الحرائق المندلعة، هنا وهناك، بعضها مُفتعل، وبعضها الآخر نتيجة إهمال وعبث، لكن الصوت المنبعث من الحرائق، وهي تحوّل الأشجار فحماً، يخترق النفس البشرية ويتسبب بكمدٍ لدى الكثيرين، ويخلّف آثاراً لا تصلح لشيء إلاّ لجعل تماثيل الطبيعة، التي كانت خضراء يوماً، هزيلة وسوداء، وهي تختنق في تلافيف الدخان. 

ثم جاءت طامة أخرى، لا بد من ذِكرها، إذ مع إقتراب الشتاء، وقصر أيدي اللبنانيين في المناطق الباردة، والغارقين في أزمة إقتصادية لا مثيل لها، لم يجد هؤلاء سبيلاً للتحوّط من زمهرير الفصل المرتقب سوى إقتطاع الأشجار، ولم يوفروا الأخضر واليابس منها.

مَن ينظر إلى أعمال فاسويان، سيلحظ أنها بعيدة من التعقيد، من حيث الشكل، وهي في متناول العارفين، وحتى الأقل دراية بأساليب الفن التشكيلي، علماً أن هذه الفئة الثانية قد تكون بعيدة من استيعاب البعد المفهومي للأعمال المعروضة. لكن البساطة هنا قد تكون مخادعة، نظراً لما يكتنفها من إختصار مكثف، وجهد من أجل بلورة التأليف، من خلال إقتطاع عناصر معيّنة من "جسد" الشجرة، وتحويلها أنصاباً في شكل فردي، أو ضمن مجموعة. إلى ذلك، عمل الفنان، وبناء على تصوّر مسبق، من أجل تطويع عمل من أعماله بما يتناسب مع أحد عناصر الصالة المعمارية. المقصود هنا، تلك المجموعة من الجذوع  والأغصان السوداء المحيطة بعمود أحمر، وهو يذكر في ما يتعلق بهذا المدخل – المقاربة: "في بيئة ما بعد نهاية العالم (post-apocalyptique )، يتميز Inside My Broken Forest (عنوان المعرض) باللونين الأحمر والأسود، والفكاهة والدراما، والغضب والتأمل! وللمناسبة، لا بد من الإشارة إلى أن العمود المذكور، الذي يتوسط صالة الأرض، والذي هو من أُسسها، ذو لون أبيض كما جدران الصالة أيضاً، لكن جرى تغليفه باللون الأحمر كي يتناسب مع الفكرة المطروحة.

إضافة إلى ذلك، يتضمّن المعرض لوحات تصويرية بعضها مونوكرومي، وبعضها الآخر يمزج ما بين الصورة الفوتوغرافية، التي تجسد مشاهد ضبابية من الطبيعة تلعب دور الخلفية، في حين يحتل الغصن ذو اللون الداكن المقدّمة وجزءاً من المتن، بحيث يكون العنصر الأبرز من حيث الحضور التشكيلي. هكذا، تكون صالة العرض، بما تتضمنه من معطيات متنوّعة، أشبه بساحة مجازية لغابة مكسورة، قد تتجدّد يوماً، كما يقول الفنان، فالطبيعة مليئة بالحياة، بالرغم من شرور من يعتدي عليها، سواء كان كائناً بشرياً أو حريقاً لا نعلم غالباً سبب إندلاعه.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها