الثلاثاء 2022/10/11

آخر تحديث: 14:44 (بيروت)

إن لم تكن ذئباً

الثلاثاء 2022/10/11
إن لم تكن ذئباً
من اعمال بيكاسو
increase حجم الخط decrease
ما معنى أن تختار لحياتك ألا تكون لديك سلطة على شيء، ولا على أيّ شخص، حتى لو كان من ذريتك.

ما معنى أن تفعل ذلك كخيار أخلاقي ومبدئي، منذ ريعان شبابك الآفل، معتبراً أن السعي وراء السلطة لا يستأهل أن تنفق وقتاً ولا جهداً ولا تفكيراً، فتكتشف مُتأخراً أن تبعات هذا الخيار مُضنية ومُجهدة. فإذا لم تسع لِتُكَون سلطة في منزلك وفي المبنى الذي يضم مكان سكنك، وفي عملك وفي أي مكان تتردد عليه باستمرار، حتى جلسات الأصدقاء والأقارب والمناسبات التي تتواجد فيها، لا بُد أن الآخرين سيحاولون أن يجعلوك تحت سيطرتهم وسُلطتهم وأمرهم، ليديروا حياتك وإجتماعياتك وخياراتك ومواقفك من هذا الأمر أو ذاك. هي حرب مفتوحة  لأجل السيطرة.

إمّا أن تكون أنت السلطة، وإمّا الآخر، لا بد لك أن تختار. السلطة في يدك أو في أيدي الآخرين، وبالتالي حُريتك أو حريتهم. فهذه الحرب، بالتعريف، تدار بالأسلحة كلها، وليست غريبة عن السياسة العمومية، كما عرّف أرسطو الإنسان بأنه حيوان سياسي، فأصاب الهدف في الصميم. أمّا أنت وأمّا الآخر، وفي مناحي الحياة جميعها، لا بُد لك لِتسود، بسلطتك وسلطانك، أن تبقى متنبهاً وعلى استعداد للمواجهة، بجميع الطرق والمناسبات وبكل الأسلحة البسيطة والمُعقدة.

كان جيل دولوز، في مقالة منشورة في كتابه الذي يضم مُنتخبات من أعماله، "خارج الفلسفة"، قد نقل عن المفكر شاتليه قوله: إذا كانت الحياة أن أُنهيك أو تُنهيني، فالأفضل، وكي لا تستمر هذه اللعبة السخيفة، أن يُنهي أحدنا نفسه... وهو في اعتقادي تَمنٍّ أو حلم لن يتحقق، مع أنه صادر عن إحساس مرهف وفهم عميق للحياة العبثية التي نحياها في علاقاتنا كبشر.

ففي خيارك أن لا تكون لك سلطة، إغواء دسم للآخرين، مهما كانت مرتبتهم الاجتماعية. لا تستثنِ أحداً. حتى التافهين يستعملون مقدراتهم المتواضعة أو عظيمة الشأن لأجل إخضاعك. الجميع متعطش لممارسة فن السياسة، بما فيه من ضغط وإكراه وإزعاج. فهم لا يقيمون وزناً لهذا الوقت ولهذه الموارد المهدورة على اختلافها.

لا تخدعنّك رتبة الآخر الإجتماعية أو المهنية، مهما كانت متواضعة. فهو سيستعمل معك الأسلوب ذاته الذي سيستعمله من هو أرقى في سُلَّم المراتب الاجتماعية. لا يُفاجئك الأمر ولا يُغضبك. لذلك عليك، وكي تكمل مشوار حياتك وأنت تحارب السلطات كافة لمنع الهيمنة عليك وفي الوقت ذاته لتحافظ على قناعاتك في ألا تكون لديك سلطة على أحد، وَجَب عليك تحمُّل كل الضغوط والأذية وإقلاق راحتك بألاعيب تافهة، مع الاحتفاظ برأيك فيهم ورؤيتك لهدر أوقاتهم.

فهذا الوضع يأتي من فراغ روحي يُسيطر على حياتهم، يريدون ملأه بالتَسَيُّد على الآخرين. ولو كانت هذه البلاد تسير حياتها بانتظام، لكانت فرضت عليهم إيقاعاً مُختلفاً يجعلهم يفكرون ويترددون قبل تبذير حياتهم في التَّلهي باللعب وتقرير حياة الآخرين. ولأن الحياة غير طبيعية في بلادنا، فمن المستحيل أن ترفع سكانها من الحضيض، على إختلاف انتماءاتهم الطبقية والاجتماعية، حتى تتغير ظروفهم وأحوال البلاد، كي يصير في إمكان المرء المراهنة على تحول في حياتهم يؤدي إلى التخفيف من حدة حروبهم وغلوائها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب