الثلاثاء 2021/07/27

آخر تحديث: 11:31 (بيروت)

شريهان.. ظهور مربك وعودة مؤجلة

الثلاثاء 2021/07/27
increase حجم الخط decrease
حمل ظهور الفنانة شريهان عبر شاشة "شاهد"، قبل أيام، بعد ظهورها الإعلاني اللافت في رمضان الماضي، تشابكات مربكة بين ملفات وقضايا وانشغالات متنوعة للغاية، حيث تقاطعت السياسة وصراع المؤسسات الأمنية والمالية، مع سطوة المال ونفوذه الطاغي، مع غياب المعايير النقدية واختلاطها بالمشاعر الشخصية. هذه التشابكات يصعب القفز فوقها والذهاب مباشرة لمشاهدة وتقييم ونقد "كوكو شانيل". فمن دون بحث تلك التشابكات، يستحيل القيام بأي فعل يطمح لأن يكون عقلانياً، موضوعياً، جمالياً فنياً، وإنسانياً.

الجانب الإنساني مقدر تماماً: فنانة غابت عن الساحة الفنية، وكانت قبل غيابها (2002)، ذات حضور مميز في مختلف الأنواع التمثيلية/الغنائية، في المسرح، والسينما، والتلفزيون، وها هي تعود، فلا بد لأي شخص لديه أدنى روابط العلاقات الإنسانية أن يرحب بهذه العودة. لكنه بعد ذلك عليه أن يتذكر، إن كان يعرف، ويبحث إن كان لا يعرف، عن أسباب الغياب، ودوافع العودة.
 
الغياب ما زال في قبضة الشك، لم يتحرر بعد من ذلك الركام الهائل من الاتهامات المعلقة برقبة تركيبة كاملة من السياسة والسلطة والمال والأمن والمشاعر غير السوية. عقدان كاملان من الزمن وغياب شريهان مغلف بـ"أساطير" عن علاقات معقدة بأركان السلطة خلال حكم حسني مبارك، وقد عززت بضعة أحاديث لشريهان نفسها، تلك "الأساطير".

كان الغياب، إذن، في قبضة الشك والأسطرة، فهو ليس غياب "اعتزال" إرادي، بل هو "التغييب"، أو في ألطف الأحوال "تجنب مواجهة". ليس غياباً بطابع "سحري" كغياب غريتا غاربو، أو في نسخة محلية كغياب فاطمة رشدي، أو حتى ليلى مراد. غياب شريهان فيه آثار جنائية لم تُمحَ بعد.

هناك بالطبع المسألة "المرضية" غير المحسومة بدورها، وفي المجمل كان الغياب يعزز حالة التعاطف المطلق مع النجمة المحبوبة/المحجوبة، وعودتها هي بلا شك "نصر" حتى على الشكوك والأسطرة، لكن جانباً من التعاطف سيظل معلقاً إلى أن تتبدد الشكوك بوقائع مؤكدة موثقة.

إعلان العودة بدوره مربك للغاية، مربك ومتشابك مع قضايا عديدة. ففي مطلع شهر تموز الجاري، نشر تركي آل الشيخ، تغريدة في "تويتر"، كتب فيها: "ترقبوا.. عودة النجمة الكبيرة شريهان للأضواء بعد غياب سنين في عمل مميز على منصة شاهد برعاية هيئة الترفيه". وكتبت شريهان رداً على هذه التغريدة: "أنا سعيدة،...، عمل شاق.. أتمنى أن ينال إعجاب جمهور MBC في جميع أنحاء العالم وجمهوري الحبيب. ألف مبروك".
 
وجه الارباك يأتي من زوايا مختلفة، فموقع "شاهد" كان قد نشر قبل عام بالضبط خبراً بعنوان "الأيقونة شريهان تعود لخشبة المسرح في القاهرة والرياض وتسحر القلوب بمئة فستان"، وفي تفاصيل خبر "شاهد" نقرأ: "بعدما أُعلن عن عودة النجمة شريهان إلى عالم الفن عبر حفلة كبيرة أقامتها شركة "العدل غروب" للإنتاج الفني، العام 2017، صرحت شركة الإنتاج أنها في صدد تحضير عمل مسرحي كبير يرصد حياة أيقونة عالم الموضة المصممة الاستثنائية كوكو شانيل، وستكون شريهان نجمة العرض. ومؤخراً، كشف مدحت العدل عن انتهاء أعمال تصوير مسرحية "كوكو شانيل"، لكن لن يتم عرضها على التلفزيون حالياً، إذ ستُعرض على خشبة المسرح أولاً. وسيكون عشاق شريهان على موعد للقاء نجمتهم المحبوبة مع بداية العام المقبل، حيث من المقرر عرض المسرحية في القاهرة أولاً، ومن ثم في السعودية ضمن فعاليات "موسم الرياض" المقبل. وبعد ذلك سيتم عرض المسرحية على التلفاز".

هذا هو مسار العودة: "العدل" تعاقدت مع شريهان، قبل نحو أربع سنوات، على عدد من المسرحيات، تعود بها للمشهد الفني، وأفضى المشروع إلى مسرحية واحدة، آلت إلى "هيئة الترفيه السعودية" التي يرأسها آل الشيخ.

المشهد ليس ثنائياً (العدل- آل الشيخ/شاهد، هيئة الترفيه، MBC)، بل ثلاثياً. فهناك في مقابل، أو في موازاة، أو في التقاطع والتشابك معهما: "منصة "واتش ات Watch.IT، وهي منصة رقمية تابعة لشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، أُنشئتْ في العام 2019 تزامناً مع شهر رمضان 1440 هجرياً، وسُوّقتْ دعائياً باعتبارها "حدثاً وطنياً تاريخياً"، لشركة تابعة لجهات سيادية مصرية، وقد تردد كثيراً حديث صريح عن "استعادة المكانة المصرية الفنية التي كادت أن تضيع عربياً، من منافسين لا يملكون أدنى شروط المنافسة المشروعة"، وكان السؤال الشائع وقت الإعلان عنها هو: "هل بات الإنتاج الدرامي في مصر تحت سيطرة الدولة؟".

في المشهد الثلاثي هناك ظلال خافتة، للغاية، ظلال بعيدة متعلقة بشخص وموقع المعلن. هناك أحاديث غير موثقة تتعلق بسلوكيات آل الشيخ تجاه عدد من الفنانات المصريات الشهيرات، وهناك أخبار موثقة ونفي لها يطاول سياسات السعودية، ومعها الإمارات، تجاه النساء بصورة عامة، وتجاه عدد من الأميرات "الهاربات"، ومراقبة هواتفهن.

هذه الظلال، وهي بدورها مثل تلك التي غلفت حياة شريهان طوال عشرين عاماً، ليست محسومة، لكنها على خفوتها، وبُعدها من دائرة الوقائع الموثقة، تزرع بذور ارتياب في الهدف من "كوكو شانيل" من المبتدأ إلى العرض.

هل "العودة" عبر "شاهد"، وليس عبر "واتش ات"، بهذه الأهمية، أم أنها مجرد تخمينات، إن لم تكن أوهاماً. فما الفرق بينهما؟ المهم أن شريهان عادت؟

في الفرق يلاحظ أن المواقع الخبرية والبرامج الفضائية، تسوق للعودة باعتبارها جرت عبر: "الترفيه السعودية"، شاهد، MBC، آل الشيخ،.. وليس عبر نظائرها "المصرية".

هذا في الشكل. في المحتوى، يبرز سؤال إجرائي عن التوقيت، وسؤال عن التصنيف.
في التوقيت، لا يمكن تجاهل تزامن الحديث الإعلامي، عبر مواقع ووسائل إعلامية دولية مرموقة وموثوق فيها، عن "اضهاد" المرأة، ومراقبتها في السعودية والإمارات، مع عرض مسرحية تبرز الاحتفاء بالمرأة وحريتها، وهو ما جرى إبرازه في صدارة العرض التلفزيوني حيث ظهرت في المشهد الافتتاحي لوحة مكتوب فيها: "انحناءة شكر لعموم المرأة في العالم".

مشروع "العدل" الذي حفز شريهان على العودة، بدا طموحاً للغاية حين عرض عليها: إنتاج 13 مسرحية، تتناول قصص سيدات مؤثرات وناجحات في التاريخ. لكن صعوبات ومحددات "التمويل"- لن نخمن الجهة التي عرضت عليها المشروع أولاً- خفضت المشروع إلى أربع مسرحيات، لم ينفذ منها غير "كوكو شانيل"، وقد انتهت مدة العقد قبل عرضه، لكن العمل كان قد تم تصويره.

في التصنيف، تبرز مفارقة الحديث مسبقاً عن العرض المسرحي. أولاً، ليس مهماً أين البداية، ثم العرض التلفزيوني، ثم العدول عن ذلك. كان واضحاً أن العمل هو "مسرحية"، وهناك تصريحات متواترة للمنتج جمال العدل عن أن المسرحية تُعدّ نقلة نوعية لتطوير فن المسرح العربي، وأن "العدل غروب" دققت في اختيار أهم العناصر الحديثة "ديكور، موسيقي،  استعراضات، راقصين"، بهدف تطوير جميع تفصيلات المسرح وتحقيق عناصر الإبهار العالمية للمشاهد العربي. أما السيناريست والشاعر مدحت العدل، الذي كتب نص وأشعار "كوكو شانيل"، فقال عنها: إنها "حاجة مختلفة محدش شافها قبل كدة، وأؤكّد أن شريهان ستظهر كما تعودنا عليها أيقونة الجمال والأناقة".

الجملة الأخيرة، تكتسب أهمية فائقة لمجمل "المشروع". فالعجيب أن خبر "شاهد" الأبرز، قبل عام، حمل تفصيلة "مئة فستان" كدلالة على ضخامة العرض، أما في سياق السنوات الأربع بمجملها، فقد كان الحديث في البداية عن أن أهمية الأزياء تقتضي أن تصممها شخصية معروفة وبارزة، وانتشرت أخبار عن اختيار المصمم اللبناني العالمي زهير مراد لتصميم الملابس غير الاستعراضية، ثم جرى تداول اخبار أخرى ذكرت أنه وقع اختيار شريهان على المصمم اللبناني فؤاد سركيس لتصميم الملابس الاستعراضية، وسيتجاوز عدد الملابس التي ستستخدمها النجمة شريهان المئة.
لكن الأزياء آلت لشخص آخر من عائلة العدل، فأسند تصميمها إلى ريم العدل
ما هو المختلف؟ مَن يعتبر هذا الذي جرى عرضه قبل أيام، مسرحاً؟ ما الذي منع العرض في الرياض والقاهرة أولاً؟ من يملك القرار؟
أسئلة المختلف كثيرة، فما جرى عرضه "هجين"، "معلّب" لا ينتمي -بكل ثقة نقولها- إلى المسرح. وهو أيضاً ليس فيلماً، وليس مسلسلاً. إنه شكل غير محدد، صنعته ظروف غير معلومة تماماً، سيقت في النهاية لتصب في طاحونة آل الشيخ والترفيه السعودي، وتوابعهما.
أكثر ما هو ملتبس ومربك، وربما يدعو للغضب، هو اختزال "العدل" للممثلة الموهوبة صاحبة العزيمة الرائعة في مجرد "أيقونة جمال وأناقة".

فالوقائع الفنية طوال مسيرة شريهان، تثبت أنها كانت حريصة، بإصرار ودأب، على إزاحة هذا التصور عنها، ليحل محله تصور أنها: ممثلة، تجتهد بكل طاقتها لأداء شخصيات مركبة وصعبة، تقتضي منها أن تظهر في هيئة معاكسة تماماً لمعطياتها الحياتية.

هكذا ذهبت إلى عوالم مضادة لتأكيد "العدل" وتأكيد "آل الشيخ"، وشاركت في روائع سينمائية أنبأت بموهبة كبيرة، وحرصت على الإجادة من بوابة التمثيل العريضة، وليس من باب "الجمال والأناقة"، وجمهور شريهان لا بد أن يتذكرها في: "الطوق والأسورة" (1986)، "يوم حار جداً" (1993)، "ميت فل" (1996)، "عرق البلح" (1999)، وغيرها من الأفلام التي لم تكن فيها شريهان أبداً "أيقونة" أي شيء، بل ممثلة مجتهدة، تبلغ  أعتاب الإجادة، وتطمح إلى تجاوزها. وهي، إذ عُرفت على نطاق جماهيري واسع، عبر "فوزاير رمضان" ذات الملمح الاستعراضي، لم تركن طويلاً لذلك النجاح، مع كل الاغراءات، التي قدمتها مسرحيتا "علشان خاطر عيونك" و"شارع محمد علي"، وذهبت إلى مغامرات فنية.

بقي أن شريهان، بتعبير مصري، يبدو فجاً، فنانة "جدعة"، تدعم الزملاء، وتشاركهم مغامراتهم، وربما تتحمل عنهم الكثير من الأضرار المادية. هكذا فعلت مع محمود الجندي في تجربته الإنتاجية: المرشد (1989)، وشجعت رضوان الكاشف على المضي في تجربته التي رفضتها الكثيرات، "عرق البلح".

هكذا، يمكن للقارئ أن يشاهد "كوكو شانيل"، بعد محاولات فك بعض التشابكات التي تحيط بعمل تظهر فيه شريهان بعد طول غياب. شريهان التي ننتظر عودتها فعلاً. فالظهور ليس دائماً، عودة. وظهور على هذه الشاكلة، وسط هكذا تشابكات وملابسات، هو بالقطع، ليس عودة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها