الإثنين 2022/01/03

آخر تحديث: 14:12 (بيروت)

فِقه الرقص.. وفِقه السيسي

الإثنين 2022/01/03
فِقه الرقص.. وفِقه السيسي
السيسي
increase حجم الخط decrease
كلما سمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي يطرق شأناً دينياً، وكثيرًا ما يفعل، أو قرأتُ "مدحًا" مبالغًا فيه لما قاله، وكثيراً ما يحدث، تذكرت فشلي في تمرير "فقه الرقص". في المرة الأخيرة، قرأتُ، أولاً، ما كتبه رئيس تحرير صحيفة الأهرام، ماجد منير (6 ديسمبر/كانون الأول الماضي)، تحت عنوان "الجانب الآخر من حياة الرئيس"، والذي بدأه بهذه الجملة: "لا يمكن أن نمر على احتفالية "قادرون باختلاف" لأصحاب الهمم وذوي القدرات الخاصة، مرور الكرام". ولأني لم أشاهد "الاحتفالية" فقد استدركت ما فاتني، ثم قلت: لا مفر.
***

في شتاء 2007 كنتُ مشرفاً على الصفحة الثقافية في صحيفة "روز اليوسف" اليومية، وقد اقترح زملاء أن يخصصوا الصفحة كاملة لموضوع الرقص، وطوال أسبوع كامل انشغلوا في إعداد المادة والصور المقترحة، وفي النهاية اخترت العنوان، قال معترضون: لا نريد مشاكل، كيف تقرن ما هو "شريف" بما هو محل التباس، قلت: سنزيله منذ البداية، سنوضح أن لكلمة الفقه معاني متعددة، وأننا نقصد المعنى الأول، المباشر، كما ذكره ابن منظور في "لسان العرب"، فالفِقْهُ، هو: "العلم بالشيء والفهمُ له"، وإن كان قد "غلبَ على عِلْم الدين لسِيادَتِه وشرفه وفَضْلِه على سائر أَنواع العلم"، وبذلك فالمقصود من العنوان هو العلم بالرقص والفهم له، ولا دخل لنا بالعلم "الشريف". لكني فشلت في إقناعهم، وفي تمرير العنوان، وظلت ذكرى ذلك الفشل تعاودني كلما سمعت السيسي يطرق شأناً دينياً، أو قرأت مديحاً لطرقه، من دون أن أفقه الداعي لهذا التلازم، حتى قرأت هذه الفقرة مما كتبه منير في "الأهرام": "إن ما حدث من الرئيس عبد الفتاح السيسي، في هذه الاحتفالية، لا تكفيه السطور القليلة، وإنما يحتاج إلى صفحات، بل إلى مجلدات، تحكي الجانب الآخر من الرئيس الإنسان، الذي ظهر واضحًا، عفويًا، وسط الأطفال الصغار، وخرج سريعًا من الجانب الرسمي، حتى تتعجب مما حدث، وتسأل نفسك: هل هذا هو الرئيس، بكل ما يحمل على عاتقه من مسؤوليات جسام!! هل هذا هو الرئيس الذي يقضي ليله ونهاره في مقابلات، واتصالات ومباحثات ومناقشات، مع رؤساء وملوك وزعماء العالم، ويتخذ قرارات، لا تحدد مصير الوطن فقط، ولكن الأمة بأسرها، بل والكرة الأرضية، وما عليها!"، فجاءت الـ"لا مفر" هذه.
***

معنى الرقص في "فقه الرقص" كان منحصراً في: تأْديةُ حركاتٍ بجزءٍ أو أكثر من أجزاءِ الجسم على إِيقاعٍ ما؛ للتَّعْبير عن شعور أو معانٍ معينة، وهو أنواع عديدة معروفة: الإيقاعيّ، والحديث، والجماعيّ، والشَرقِيّ، والشعبيّ، وغيرها الكثير.

(مشهد من فيلم "من الجاني" - 1944) 

وكان من بين ما فشلت في تمريره ما جاء في كتاب "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، للمفكر والمؤرخ العراقي، جواد علي (1907- 1987)، حيث نقرأ تحت عنوان: "فقر وغنى وأفراح وأتراح الرقص"، أن علماء اللغة ذكروا "أن من الرقص نوع يقال له: "الدرقلة". وذكر بعض آخر أن "الدرقلة" الرقص. "قال محمد بن إسحاق: قدم فتية من الحبشة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يدرقلون، أي يرقصون". وقيل: الدرقلة: لعبة للعجم معربة. وهي من الحبشة على بعض آراء علماء اللغة. ونطقت بـ"الدركلة" كذلك. وذكروا أن الرسول "مرّ على أصحاب الدركلة فقال: "جدّوا يا بني أرفدة حتى يعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة". قيل: إن الدركلة ضرب من الرقص ولعبة للعجم معربة. وكان أهل مكة وغيرهم من أهل الحجاز إذا أرادوا الاحتفال بعرس أو ختان أو أية مناسبة مفرحة أخرى أحضروا الحبش للرقص والغناء على طريقتهم الخاصة. وقد كان الرقص عند الشعوب السامية نوعًا من أنواع التعبير عن الفرح والشكر تجاه آلهتهم. ويدخل في جملة الشعائر الدينية. ولا يستبعد أن يكون الجاهليون مثل غيرهم قد رقصوا لآلهتهم في المناسبات الدينية، تعبيرًا عن شكرهم للآلهة... ولا أستبعد أن يكون السعي بين الصفا والمروة كان رقصًا في الأصل فكان الساعون يرقصون ويغنون أغاني دينية، في تمجيد رب البيت والتقرب إليه. كما كانوا يرقصون في المعابد الأخرى".

أما المكان الذي كان بنو أَرْفِدَةَ يرقصون فيه فيخبرنا به البخاري ومسلم في صحيحهما "الرواية لأنس بن مالك"، وفيه: "دخل عمرُ بنُ الخطابِ والحَبَشَةُ يلعبونَ في المسجدِ فَزَجَرَهُمْ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ دَعْهم يا عمرُ فإنَّهم بنو أَرْفِدَةَ". وهناك رواية آخرى لأبي هريرة، وفيها بيان هام؛ فالمسجد هو: مَسجدَ النَّبيِّ، "والحَبشَةُ" هم: جِنسٌ من أجناسِ السُّودانِ، و"بنو أَرفِدةَ"، لَقبٌ للحَبشةِ، أو اسمُ أبيهم الأقدَمِ، وقيل: هم جِنسٌ منهم يَرقصونَ. وقيل: المعنى بنو الإماءِ. وفي مُسندِ الحارثِ بيانٌ لِعلَّةِ إباحة الرقص في المسجد بقولِ النبي: "خُذوا يا بَني أرفِدةَ؛ حتَّى يعلمَ اليهودُ والنَّصارَى أنَّ في دينِنا فُسحةً".

(رقص إثيوبي)

أما الرقص، هنا، فقد استدعته جملة رئيس تحرير "الأهرام" باهرة الدلالة: "بل والكرة الأرضية، وما عليها!"، فهي قد تحيل، مباشرة إلى القول "يرقُص على الحَبْل: يجاري كلَّ العهود ويتملَّق مَنْ له مصلحةٌ عنده"، وربما يراها أحدهم تحيل إلى المثل الشائع "يرقص للقرد في دولته".
***

لندع منير لـ"رقصه"، و"نا" هنا مقصود بها القراء وكاتب هذه الكلمات معاً، ولنحاول النظر إلى "فقه" السيسي. وفقه، هنا، يشتمل، أولاً، على معنى "فهم" مقصوده من تكرار جزء من الآية 26 من سورة آل عمران، كما يشتمل، ثانياً، على البحث عن ما تورده أشهر التفاسير عن الآية.

تناول السيسي جزءاً من الآية مرات عديدة، خلال السنوات السبع المنصرمة، يفصل بين المرتين الأخيرتين وقت قصير، فقد تناولها في أغسطس وديسمبر الماضيين.

في 14 أغسطس/آب (أي في الذكري الثامنة لفض اعتصام ميدان رابعة العدوية، شرقي القاهرة، وقد خلف الفض بالقوة المسلحة؛ بحسب تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان (المصري) 632 قتيلاً، بينهم 624 مدنياً ﻭ8 من ﺭجال ﺍلشرطة، ورفعت تقارير أخرى الرقم إلى ما يتجاوز ألفاً من المدنيين)، وخلال افتتاح مشاريع سكنية متنوعة، قال الرئيس السيسي: "ربنا هيقولي الكرسي ده اللى جبتك فيه وأنا اللى همشيك منه.. مالك الملك يؤتي الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء.. محدش بيجيب حد ومحدش بيمشى حد".

(عبدالفتاح السيسي، خلال افتتاحه عدداً من المشروعات السكنية، في مدينة بدر، شرقي القاهرة- 14 أغسطس/آب 2021)

وفي 5 ديسمبر/ كانون أول، وخلال مشاركته في احتفالية "قادرون باختلاف- لأصحاب الهمم وذوي القدرات الخاصة"، قال: "أنا دائمًا أتوكل على الله وحده، فهو يعطي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، وأدعو الله أن يساعدني ويعينني لكي أُسعِد الدنيا بما فيها".
















(الرئيس السيسي وأطفال خلال احتفالية "قادرون باختلاف" 5 ديسمبر/كانون أول 2021)

سنترك منير يواصل "الرقص"، ولن نربكه بملاحظتنا "الحبل" المشدود بين كلماته "والكرة الأرضية، وما عليها!!"، وبين كلمات رئيسه "أُسعِد الدنيا بما فيها"، كما لن نتوقف عند الفرق بين "يؤتي" و"يعطي"، وسنورد نص الآية رقم 26 من سورة آل عمران: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".

كيف فسر، المفسرون الأشهر، الآية؟ ثم كيف فهمها السيسي، وكيف يستخدمها، ولمن يوجه خطابه؟ وهل يتفق، أم يتعارض، فهم الرئيس، وتصرفه وفق فهمه هذا، مع الدستور المصري، المعدل في 2014؟ هذا هو محل البحث.
***

بحسب المصحف، ترتيب سورة آل عمران هو الثالث، وبحسب ترتيب النزول، تحتل السورة المرتبة الـ (89)، ولذلك فهي مدينة (نزلت في المدينة "يثرب") في الترتيبين. سنعتمد على خمسة تفاسير مشهورة: للطبري والبغوي والقرطبي وابن كثير والسعدي (مرتبون من الأقدم إلى الأحدث؛ فأولهم توفى في سنة 310 هجريا، الموافق 910 ميلاديا، والأخير في 1376 الموافق 1956).

في ذكر وقت وأسباب نزول الآية هناك اختلافات متباينة: فعن الوقت تذكر قصة عن حفر الخندق (غزوة الخندق في العام الخامس للهجرة)، وتذكر آخرى عقب فتح مكة (العام التاسع)، وبالإجمال هناك روايات خمس، أربع منها مرتبطة بزمن محدد، بصورة ما، أو بوقائع معاصرة لوجود النبي في المدينة، فيذكر أن الآية نزلت حين: "خط رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخندق يوم الأحزاب"، أو "لما افتتح مكة ووعد أُمَّته مُلك فارس والروم فقال المنافقون واليهود: هيهات هيهات! من أين لمحمد مُلك فارس والروم هم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية"، أو "نزلت دامغة لباطل نصارى أهل نجران (قصة وفد نجران حدثت في العام التاسع؛ بعد فتح مكة) في قولهم: إن عيسى هو الله"، أو "أن اليهود (دون تحديد متى حدث ذلك) قالوا: والله لا نطيع رجلا جاء ينقل النبوة من بني إسرائيل إلى غيرهم، فنزلت هذه الآية".

الرواية الخامسة (يذكرها القرطبي): "قال علي - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لما أراد الله تعالى أن ينزل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وشهد الله وقل اللهم مالك الملك إلى قوله بغير حساب تعلقن (السورة والآيات) بالعرش وليس بينهن وبين الله حجاب وقلن يا رب تهبط بنا دار الذنوب وإلى من يعصيك فقال الله تعالى وعزتي وجلالي لا يقرؤكن عقب كل صلاة مكتوبة إلا أسكنته حظيرة القدس على ما كان منه، وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة، وإلا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة، وإلا أعذته من كل عدو ونصرته عليه ولا يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت. وقال معاذ بن جبل: احتبست عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما فلم أصل معه الجمعة فقال: (يا معاذ ما منعك من صلاة الجمعة؟) قلت: يا رسول الله، كان ليوحنا بن باريا اليهودي علي أوقية من تبر وكان على بابي يرصدني فأشفقت أن يحبسني دونك. قال: (أتحب يا معاذ أن يقضي الله دينك؟) قلت: نعم . قال: (قل كل يوم قل اللهم مالك الملك- إلى قوله- بغير حساب رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء اقض عني ديني فلو كان عليك ملء الأرض ذهبا لأداه الله عنك)".

ونفقه (نفهم) من الروايات الأربع، أن الآية مخصوصة للنبي وأمته، وأنها مرتبطة بوقائع وظروف وملابسات "تاريخية"، أو كما يخلص السعدي في تفسيره للآية أن "الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم { قل اللهم مالك الملك } أي: أنت الملك المالك لجميع الممالك، فصفة الملك المطلق لك، والمملكة كلها علويها وسفليها لك والتصريف والتدبير كله لك، ثم فصل بعض التصاريف التي انفرد الباري تعالى بها، فقال: { تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } وفيه الإشارة إلى أن الله تعالى سينزع الملك من الأكاسرة والقياصرة ومن تبعهم ويؤتيه أمة محمد، وقد فعل ولله الحمد"، ثم يفصل، السعدي: "حصول الملك ونزعه تبع لمشيئة الله تعالى، ولا ينافي ذلك ما أجرى الله به سنته من الأسباب الكونية والدينية التي هي سبب بقاء الملك وحصوله وسبب زواله، فإنها كلها بمشيئة الله لا يوجد سبب يستقل بشيء، بل الأسباب كلها تابعة للقضاء والقدر، ومن الأسباب التي جعلها الله سببا لحصول الملك الإيمان والعمل الصالح، التي منها اجتماع المسلمين واتفاقهم، وإعدادهم الآلات التي يقدروا عليها والصبر وعدم التنازع".

ونفقه (نفهم) عن القرطبي أن إطلاق الآية متعلق بالفرد "المؤمن"، وأن في ترديده الآية، والإيمان بها "حل" لأزمات مالية، دنيوية، وسعادة أخروية.
***

يخبط الرئيس السيسي، برفق، مرات على المسند الأيمن للكرسي الذي يجلس عليه، ويقول ما يشبه قول السعدي "حصول الملك ونزعه تبع لمشيئة الله تعالى"، متجاهلا "ولا يتنافى". ولأن استدعاء الآية جرى في ذكرى رابعة، فبديهي أن يُفهم أن السيسي يستخدمها "سلاحا" يتنافى مع "الاجتماع وعدم التنازع".

مسألة "المشيئة" محيرة، بالقطع، فهي أما محجوبة، وأما هناك دلائل تنير الوقوف عليها وفهمها، فإذا كانت محجوبة سقطنا في طلاسم لا حصر لها، إذ يمكن لكل إنسان أن يدعي أن أفعاله، بغض النظر عن كونها، هي من "المشيئة"، أما الدلائل فلا حصر لها، بدورها، وستفضي إلى طلاسم، أيضا، فهي (الدلائل) قد تكون في أغلب الأحوال اعتباطية، فالذين اعتصموا في رابعة فعلوا ذلك استنادا إلى "دلائل" تفيدها "يؤتي" الناتجة عن انتخابات عبرت عن "المشيئة"، والباقون منهم على نفس النهج، على نفس الحال، بل إن كل شخص يمكنه أن يستند إلى "دلائله" لفعل ما يراه تعبيرا عن "المشيئة"، ومن يرد أمثلة عليه أن يبدأ بأيام عمر بن الخطاب الأخيرة، فأيام عثمان بن عفان الأخيرة، ثم يتوقف طويلا عند "على وبنوه"، مواصلا، بعد ذلك، المسير عبر "يؤتي" وما تثمره استخدامات مشابهة لاستخدامات السيسي، فهو، إذ كان وزيرا للدفاع؛ عينه الرئيس الراحل محمد مرسي، اعتبر أن "المشيئة" تتجه نحو "ينزع"، فنزع، ثم اعتبر أنها "المشيئة" تتجه نحو "يؤتي"، فذهب يخبط، مصمما على ألا يتيح لـ "ينزع" أي منزع.

اللفظ نفسه: "الملك"، في زمننا الحاضر، قد يتنافى مع "الأسباب الكونية"، فإذ كانت "المشيئة" قد أفضت إلى إجماع الغالبية العظمى من المصريين على دستور 2014 المعدل فإن "اللي جاب السيسي" هم مصريون صوتوا له مرتين في انتخابات "حرة"، و"تنافسية"، ويمكنهم أن "يمشوه" عبر انتخابات مقبلة، أو عبر أي طريق آخر، وكثيرة هي.

استخدام السيسي لجزء من الآية يتنافى أيضاً مع قسمه، فهو بحسب المادة (144) من الدستور أدى مرتين (2014، 2018) اليمين الآتية: "أقسم بالله العظيم على أن أحافظ على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون..."، وقد يكون في قوله "ربنا جبني وهو اللي يمشيني" بعض "الخداع" و"الحنث باليمين"، أولا، لأن الدستور في مادته رقم (4) ينص على أن "السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات"، ومهم "وحده"، هذه، فهي تقول: "يستحيل الجمع بين أي حديث عن "المشيئة" والدولة الحديثة، التي تكون فيها السيادة للشعب"، الإيمان الشخصي شيء، والدستور والقانون أشياء آخرى، فيمكن لصاحب محل عصير قصب أن يخط على واجهة محله نص الآية 26 من آل عمران، لكنه لن يملك منع مفتش الصحة من طلب الإطلاع على بطاقته الصحية التي تؤهل للعمل، وثانيا، يحق للمواطن السيسي أن يخبط على أي كرسي يشاء، ويقول ما يشاء، بما لا يخالف القانون والدستور، لكن السيسي، مرة آخرى للتوكيد، لا يحق له القول "ربنا جبني وهو اللي يمشيني"، ذلك أن الواقع (للأسف) أن "الشعب" هو "اللي جابه" و"الشعب" يستطيع أن "يمشيه"، بأي أسلوب شاء (الانتخابات المقبلة، أو غيرها) ويمكن أيضا، وبحسب المادة (159) إمكانية أن يتم "تمشيته" بطريق مجلس النواب، فمحاكمة، صحيح أنه لم يصدر بعد قانون ينظم هذا الطريق، لكنها إمكانية، وإن تكن ما تزال ناقصة.
***

الحديث عن الدستور "مخجل" في واقع الحال، لكنه حين يتصل بتكرار السيسي لفهمه للآية 26 من آل عمران، ولمقاصدها، يجعل من "رقص" رئيس تحرير الأهرام تعبيرا مبهرا عن "كارثة" محققة، ذلك أن قوله "لا تكفيه السطور القليلة، وإنما يحتاج إلى صفحات، بل إلى مجلدات" يبدو صائبا، لأننا في حاجة لمجلدات تبين كيف تم استخدام الاية 26 من آل عمران، ربما ملايين المرات لتسويق الطغيان والاحتلال والقتل والمجازر، ثم مجلدات آخرى لبيان استحالة الجمع بين الآية وبين "وحده".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها