الثلاثاء 2020/09/22

آخر تحديث: 17:31 (بيروت)

مشوار إلى جهنم

الثلاثاء 2020/09/22
مشوار إلى جهنم
من التظاهرات الشعبية على طريق قصر بعبدا (غيتي)
increase حجم الخط decrease

في لبنان، الذي لا يشبهه بلد في العالم، يمكننا ممارسة التزلج والسباحة.. والذهاب إلى جهنم في يوم واحد. نكتة جديدة بوحي من الكيان الخرافي الذي رُسم وطناً في بطاقة بريدية كاد أن يطويها النسيان، وها هي تعود بميزة جديدة. مقصَد جاذب جديد، سيدخلونه جميعاً، دون مغارة جعيتا، ومعابد بعلبك، مُنجرِّين إلى دفئه المجاني وهم على أبواب شتاء بلا محروقات مدعومة، ومستشفيات تنوء بمرضى كورونا. هناك، راحة الإفلاس التي ما بعدها راحة، فعلامَ نخاف أو نقلق حينما نخسر كل شيء؟ والنكتة التي كانت تُطلق على إجابات المتباريات في مسابقات ملكات الجمال، وهنّ يتغزلن بلبنان الجبل والساحل في يوم واحد، الشوبنغ وجبران خليل جبران، صارت المأساة بعد ملهاة.

ما عادت السخرية من الإيديولوجيا اللطيفة المؤسِّسة للبنان الوَهم، الرسالة، الجسر، الاستثناء في محيطه. هذا ترف المستقرّين، لعبة اللاهين بالثقافة وأساطيرها حين لا يكونون جائعين، مفلسين، متسولي الدواء وأموالهم المحجوزة في المصارف، ومعرّضين للموت أو البتر أو العَوَر في أي لحظة، برصاصة طائشة أو أخرى عارفة طريقها.

قالها موسى المتلعثم بنَوم مُستَحكِم، متحكِّم حتى بهنيهات اليقظة، بعدما اشتعلت الشجيرة، والمرفأ (مراراً) وتنقّلت النار في نواحي بيروت. ألقى باللائمة على نظارات طبية عاجزة، وقالها. سنذهب إلى جهنم. وبعد هرج ومرج، وقيامة عموم السوشال ميديا، والحلفاء، واشتباكات الجيوش الالكترونية، وتعميم داخلي في "التيار الوطني الحر" للملمة أشلاء الصورة الرسمية، وتجميل تجرّؤ على "الثنائي الشيعي"، يريده "التيار"، وفي الوقت نفسه يرعبه الإيغال فيه... بعد تفكير عميق، وصفنة المتمتعين بكامل قواهم العقلية، تنحنحت "مصادر مطلعة على أجواء بعبدا" وأوضحت: "ما قصده الرئيس عون بكلمة جهنّم لم يكن بالمعنى الروحي للكلمة إنما بمعنى التدهور الخطير".

يمكن للبنانيين أن يستريحوا. فالمقصودة ليست جهنم الإلهية التي تتوعد بها النصوص المقدسة. والرئيس، رغم قِدَمه، ليس الربّ. وأرواح الناس ليست تحت يده، بل مُعفاة مُحيّدة نشيطة تشدّ الخطى إلى مصيرها. التدهور الخطير هو ما يشير إليه، منبّهاً مواطنيه إلى ما فاتتهم ملاحظته وعيشه والاكتواء به والتحسّب له، لاكزاً حلفاءه إلى ما سهوا عنه في حمأة إصرارهم على "وزارة الشيعة"، وهم الذين، لولا غشاوة البخار في الرأس، ما كانوا ليضعوا البلد في مقصورة "تيليفريك" مقطوع الأسلاك.

هكذا، يمكن للبنانيين الآن أن يعيدوا اختراع رياضاتهم الوطنية. التزلج والسباحة في يوم واحد، موضة قديمة. وكذلك الضحك من خيالات أحبوها، وربما صدقوها، من دون أن يعيشوا أي حقيقةً مشجّعة تُوازيها، في لبنان الأخضر، المجتمع المتنوّع، القطعة من السماء، ثلج المحبة وشمس الحرية. فيروز تسأل حبيبها "لوين رايحين"، ووديع الصافي يقترح "بتروحلك مشوار"، وحتى رونزا من حقبة الثمانينات والحرب الأهلية تؤكد "مشوار رايحين مشوار"، وشعرها يطيّره هواء السيارة المكشوفة.. والوجهة لا يعرفها إلا رأس الهرم الأشبه بسكّانه الأصليين: إلى جهنم. في هذا الفيديو، انتقل اللبنانيون من محاولة القول بأن وطنهم يعني أشياء أخرى غير مناخه والجغرافيا ونمط المجلات اللماعة واللغات و"الزنطرة"، انتقلوا من نقد لبنان "الفكرة" للقول بأنه من لحم ودم وصراعات تجرحه وتُغنِيه في آن واحد، ليصبحوا في حالة حنين مرّ، للوحة بريئة حلوة. حنين لإمكانية تهشيمها والسخرية منها، حبّاً في ما وراءها. لكن مثل هذا النقاش صار منتمياً إلى حقبة آفلة. الراهن هو التشبّث بمقوّمات الحياة المحضة، ومثل هذا الراهن له سخريته. فجهنم ليست كذبة. وميشال عون حقيقة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها