الثلاثاء 2020/05/26

آخر تحديث: 12:39 (بيروت)

نصر الله مُحرّر القدس أم مُحتلّها؟

الثلاثاء 2020/05/26
نصر الله مُحرّر القدس أم مُحتلّها؟
increase حجم الخط decrease

في اللوحة التي نشرها أخيراً، موقع المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، لا أحد ينظر إلينا من القادة الذين يؤدون الصلاة في المسجد الأقصى.. نحن العيون المتلقية لهذه السردية التي – رغم مباشرتها – لا تخلو من تراكيب. كما لا ينظر بعضهم إلى بعض. هم منغمسون في الصلاة، خاشعون، مُسلِّمون.. لمن؟ لله؟ أم لمن يشغل الموقع المفترض قبالتهم؟ هؤلاء الصف الأول بلا شك، لا مُصلّين أمامهم، لكن رأسَين يظهران من أسفل الرسم، بشَعر أسود مصفف يدل إلى شباب وأن العمامة ليست من اختصاص صاحِبيهما. مُرافقان؟ لخامنئي؟ لعله ارتأى ألا يظهر هذه المرة بشخصه، فقبع في زاوية الرؤية نفسها المخصصة لنا، فهو وجهة النظر، نحن والرسام تحت عباءته. ولعله أيضاً اختار تلك النقطة العمياء بعدما تنبّه إلى الخطأ المنطقي لوجوده في لوحة العام 2040 التي نشرها موقعه أيضاً في العام 2017، وهو المُنهك بالمرض الذي يستحيل أن يمهله 23 عاماً إضافية، إلا إذا كان من أهل الغيبة الذين فُطروا على العودة. وهذا ما يفضي بنا إلى السبب المحتمل الثاني، وهو أن خامنئي يتبوأ مقام النبوة القائدة (التي لا "تمثّلها" الأفلام الدينية المعروضة في عيد الفطر)، وها قد "فَتَحَ" خليفته، القدس، ليضمّها إلى إمبراطورية إسلامية في صعودها المحلوم. ومَن في صدارة الصف الأول إلا السيد حسن نصر الله؟



و"الفُتوحات"، في مجهر التاريخ، وأدوات التأريخ وروايات أهالي الديار المُستقبِلة، حمّالة أوجه، ومنها الاحتلال. الفاتح الخليفة، عمر بن الخطاب، أمّن أهل "إيلياء" (القدس) على كنائسهم وممتلكاتهم في "العهدة العمرية". فما تكون صلاة شخصيات، غالبيتها دينية وشيعية، في مسجد مؤرَّخ للسنّة، وبعد كل هذا التاريخ والصراع المستمر منذ أكثر من ألف عام؟

تُفتي اللوحة بأنه لا يجوز التفكير بمنطق سنّة وشيعة، في يوم تحرير القدس التي يبدو أن العدو الإسرائيلي تركها خضراء نظيفة وبحجارتها التاريخية كما رصّها أهلها الأصليون(!). ثم إن هناك شخصيات سنية تصلّي خلف الإمام الخفيّ. في هذا اليوم، يوم الفرحة الكبرى، سيكون المسلمون قد تخطوا خلافاتهم وحروبهم. فماذا عن المسيحيين؟ قُل هم من عِلم ربي، سِعرُهم بسِعر مسيحيي إيران والضاحية الجنوبية لبيروت.

وعلى سيرة الرب، ها هي الغيوم في السماء تشكّل وجه قائد فيلق القدس، قاسم سليماني. التمثيل هنا حرفيّ، على عادة البروباغندا المُمانِعة، كليشيه الروح وارتقاؤها إلى أعلى. لكن، من بين الأموات، لماذا سليماني وحده الذي يرفرف فوق القدس المحررة، وليس صلاح الدين الأيوبي مثلاً؟ تبّاً للتفكير بالثنائيات المذهبية. فليكن السؤال: لماذا لا يرفرف الخميني، وهو الذي أطلق "يوم القدس" في يوم الجُمعة الأخير من كل رمضان، بل وهو "روح الله" التي تبدو أكثر اتساقاً مع قماشة الغيوم؟ الأرجح أن مسيرة خامنئي ورجاله هي التي ستتحرر أولى القِبلتَين، وقد أكد نصر الله "إننا اليوم أقرب ما نكون إلى القدس وتحريرها، رغم كل التحولات الدولية والإقليمية وكل الفتن". اللوحة تقول إن التاريخ التحرّري المتخيَّل للمستقبل، يبدأ من خامنئي، تماماً كما أن مقاومة العدو الإسرائيلي في لبنان بدأت مع "حزب الله" الذي جبَّت سرديته ما سبقه من تضحيات وشهداء.



وخامنئي، على ما يبدو من نسق ما ينشره موقعه من لوحات مناسباتية، يعشق تخييل المعلوم والغَيب. فبالتخييل امتلاك. غداة اغتيال سليماني في عملية أميركية، حضَنه الإمام الحسين. وفي العام 2040، يقف خامنئي وحلفاؤه (المتبدلون بحسب لحظة الرسم) على أدراج بيت المقدس لالتقاط صورة تذكارية توثّق اجتماع القمة المشتهاة. الحكاية، على طريقة غوبلز، تُروى ثم تُروى ثم تُروى، حتى تُصدَّق. والحكاية في النص البصري الجديد، أن نصر الله لا يبدو ضيفاً على اسماعيل هنية والمفتي محمد أحمد حسين. بل يبدو، في هذه الصلاة، هو المُضيف. وفي الخلفية جموع مصلّين لا نعرف كم منهم فلسطينيون، إذ طُعّم مشهدهم بالسوري بشار الأسد، والبحريني الشيخ عيسى قاسم، والنيجيري ابراهيم زكزاكي، واليَمني عبد الملك الحوثي.. والعَلَم الفلسطيني صغير وبعيد ووحيد. أما سليماني الغائم في سقف بيت المقدس الأزرق، فلا ينظر إلى حشد الناس، بل إلى قبة الصخرة، وربما ما بعدها من مدى وأرض، ولسان حاله يقول: "أخيراً.. القدس لنا".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها