الخميس 2020/02/06

آخر تحديث: 18:46 (بيروت)

الذوات التي تحكمنا

الخميس 2020/02/06
الذوات التي تحكمنا
جدار العار حول ساحة النجمة (غيتي)
increase حجم الخط decrease
لا شخصيات عامة في لبنان. فقط ذوات، أَنَوات. أفراد، صودف أنهم ممسكون ومتمسكون بمقاليد الحُكم.. الفاشل في ألطف الصيغ، والمجرم في أدقّها. لا مسؤولين، ولا سياسيين، ولا صنّاع قرار وأصحاب مصارف، بالمعنى الذي يجعلهم كيانات، شروط عملها وتعريفاته ومدى تأثيره في حيوات الناس ومصائرهم، تكشفها بالضرورة على النقد، وصولاً إلى المناهضة والتشهير الطرد، وهذه حقوق سياسية واجتماعية وتطبيقها سِلميّ.. بل إن بعض العنف الرمزي مباح، رشقاً بالبيض والبندورة، أو رمياً في سلة المهملات كما فعل المعارضون الأوكرانيون، ذات مرة، مع أكثر من عشرة سياسيين متهمين بالفساد والتواطؤ مع روسيا.


لا شخصيات عامة في لبنان. ملكة بريطانيا تحسب حساب صحافيين وناشطين، في الشارع والغرف المغلقة. لكن أكوام "الإيغو" في لبنان تستنكر "اعتداءات" متمثلة في الطلب من سياسي أو موظف عام مغادرة مطعم. حاويات "الإيغو" اللبنانية ترعد وتتوعد، "دفاعاً عن كرامتها" و"حقها الشخصي" في التجول والحلول في الأمكنة العامة.. وبعيون مفتوحة على وسعها، تدفع ببراءتها الأسطورية. تعطي المنتفضين اللبنانيين دروساً في الثورة، في الأدب والتهذيب، والمقاومة الغانديّة، وهي التي تشتهي الحرب كما تشتهي الحبلى أطعمة وحامها. المهم.. ما لنا وملكة بريطانيا، وسائر رخويات الكوكب، فلنا في بشار الأسد أسوة حسنة، والطموح الأسمى: كيم جونغ أون.

ولم نتحدث بعد عن الزعيم/القائد. فهذا معبود. إن رُمي بوردة، تحركت الجماهير لضرب وسحل وتكسير سيارات وأطراف. الجماهير عفوية بالطبع، غرائزية، على سجيتها الطفولية الرقيقة، ما في قلوبها على ألسنتها ولا عتب عليها. بل إن الحق معها في الغالب، فمشاعرها مرهفة. ورغم بعض العبوس في بيانات الأسياد إزاء ما خرّبه العبيد المدفوعين بالحميّة، فإنهم يلومون الضحايا على استفزاز الأولاد. أولاد الطائفة، أولاد الزعيم، أولاد المنطقة النقيّة.. فالشبان الكسروانيون لا يسعهم تنفّس الهواء نفسه مع طرابلسي.

وتتحرك أيضاً أجهزة أمنية، تابعة للدولة اللبنانية، وفي الوقت نفسه هائمة في حب أمراء القصور. حرس مجلس النواب، الحرس الجمهوري، شعبة المعلومات وقوات مكافحة الشغب ومكتب مكافحة جرائم المعلوماتية.. كلهم لا يطيق كلمة على المعلم. هؤلاء أشاوس، دماؤهم فوارة، شأنهم شأن "الأهالي" في الخندق الغميق والضاحية وكسروان وانطلياس. هرموناتهم، تغلب عقولهم ودفاتر الشروط الدولتية المبلولة التي لا تجد مَن يشرب ماءها. وما ينسحب على الزعيم، ينسحب على صبيانه، وصبيان صبيانه. لا تسمّوا حسن نصر الله في هتافاتكم وإلا مزقناكم إرباً في الساحات، ولا نبيه بري ولا ميشال عون ولا سعد الحريري... وصولاً إلى أسفل الدرك، زياد أسود.

في عالم موازٍ، الشخصية العامة، سواء كانت سياسية أو فنية أو من المؤثرين عبر السوشال ميديا، أو حتى ممن جعلهم نقاش عام شخصيات عامة، كمرتكبي الجرائم التي تتحول قضايا رأي عام، غالباً ما لا تظفر بدعاوى القدح والذم. فهذه الدعاوى تصبح معاييرها أكثر تعقيداً مع هؤلاء، ويقع الجزء الأكبر من مسؤولية إثبات حقيقة الاتهامات الموجهة إليهم، على عاتقهم هم، وليس على من يتهمهم، إلا في حالة التثبت بالدليل القاطع أن مُطلق الاتهام كان يعلم بزيفه مسبقاً وأضمر "نيّة الشرّ" لدى نشره.

وفي دنيانا المسمومة والمتآكلة، المحشورة في زاوية الانهيار الكامل والشامل، ما زال كل من جبران باسيل ورندة بري، يلجآن إلى الملاحقات القانونية درءاً للتعدي على "سمعتهما" وللأذى المعنوي الذي تسببه لهما منشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، رغم الشمس الساطعة. حتى نقيب المحررين، المؤتمن على حقوق زملائه وحريتهم، تخدش الحقائق أحاسيسه، فيرفع سمّاعة الهاتف طلباً لتغيير عنوان مقال، أو يرسل مراسيل زعله لصحافي افتقد دعم نقابته في قصر العدل حيث يُقاضيه من هُما، في عين الحق العام، أشهر من أم كلثوم ونيلسون مانديلا. وهؤلاء، ورفاقهم في نادي المال والاستقواء والإنكار المستحوذ على لبنان، يفترض أنهم تخلوا عن فردياتهم لحظة صاروا "عامّين"، فكيف إذا كانت عموميتهم هذه قد كلّفت الشعب اللبناني، في الوطن والمهجر، مدخراته وأبسط حقوقه المدنية؟ الإجابة تتلخص في شخص، لو كان في كنف دولة عليها القيمة، لأُدخل السجن أو المصحّ، لكنه في لبنان يغرد بكثافة وإسمه شربل خليل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها