الخميس 2019/02/14

آخر تحديث: 17:31 (بيروت)

بولا يعقوبيان.. اللعّيبة

الخميس 2019/02/14
بولا يعقوبيان.. اللعّيبة
تجيد إدارة صورتها كآتية من خارج الاستابلشمنت (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
لعله التوصيف الأدق لأداء النائبة في البرلمان اللبناني، لا سيما بأثر من مداخلتها خلال جلسة منح الثقة للحكومة اللبنانية الوليدة بعد مخاض عسير: بولا يعقوبيان لعّيبة. لماذا الأدق؟ لأنه على الحد الفاصل بين الأبيض والأسود. الأبيض شبه المفقود من صورة الحياة السياسية اللبنانية، والأسود العميم والمعتاد إلى درجة البداهة، حتى صار الرمادي إنجازاً يُقبل به كلَبِنة تأسيس لحركة مغايرة، ولو على مستوى الخطاب. 

بولا لعّيبة. والوصف دقيق لأنه يستبطن معاني عديدة، ولو بدا بعضها متنافراً: ذكاء، حنكة، نشاط، معرفة وافية بالملفات اللبنانية راكمتها خلال عملها كإعلامية مجتهدة استفادت أيضاً مما مُنحت من علاقات وأبواب مفتوحة وفريق إعداد تلفزيوني متمكّن. وهي التي نجحت في تبديد سريع لصورتها مقترنةً بلوغو "تلفزيون المستقبل"، لا سيما مقابلتها الأخيرة مع سعد الحريري في السعودية والتي أُجريت للقول بأنه لم يكن محتجزاً، فيما الحقيقة في مكان آخر. تملك يعقوبيان اطلاعاً ليس بجديد على كواليس النادي السياسي الحاكم من داخله، وخبرة احترافية في الماركتنغ الإعلامي وصناعة "البروفايل العام" لسياسيين وعاملين في الشأن العام (كان سعد الحريري من متدرّبيها). ثم لحقت بركب "المجتمع المدني" في الوقت المناسب، إذ ترشّحت للانتخابات النيابية عبر "حزب سبعة" الذي تحوم حوله علامات استفهام كثيرة من حيث أجندته السياسية وتمويله، لكنه منظّم وفاعل ومتمتع بوفرة مالية واستطاع إيصالها إلى المقعد النيابي، رافداً الموارد الخاصة لمرشحته وحيويتها على الأرض.

في جلسة الثقة، تميزت يعقوبيان بمداخلتها القوية، المدعّمة بالأرقام، خفيفة الرطانة، الجريئة في تسمية الأشياء بأسمائها، والثاقبة الباردة في الرد على بعض زملائها (لا سيما نواب حزب الله)، كلّلتها بحجب الثقة عن الحكومة كموقف معلّل و"فردي" لا يرتبط بحزب أو تيار سياسي. وهنا الفردية، كنقطة ضعف من حيث التأثير في المحصلة، هي نفسها نقطة قوة من حيث الدلالة وتحصين مقولة الاستقلالية التي تخفّفت من الرابط مع "حزب سبعة".

ويعقوبيان تعرف الملفات الأكثر جاذبية. قبل جلسة الثقة، كانت قد اشتبكت مع بلدية بيروت على خلفية إبرام "عقد بالتراضي" مع شركة علاقات عامة، وأعلنت تقديمها اقتراح قانون لإلغاء مخصصات الرؤساء والنواب السابقين، وآخر لخفض رواتب ومخصصات الحاليين إضافة إلى حسم 5% من الراتب لكل متغيب عن الجلسات من دون عذر، إضافة إلى تعليقها الدائم على أزمة النفايات. هو أداء الناشطة التي تكشف وتفضح وتستقطب الأضواء، ممزوجاً باجتهاد المُشرِّعة، وهذا ما يقصر عنه الكثير من النواب والنائبات. حتى صورتها، حين وصلت إلى ساحة النجمة على متن دراجة "فيسبا" تعبيراً عن رفضها لإقفال الطرق وتعاطفاً مع المواطنين العالقين في ازدحام السير، عرفت يعقوبيان كيف تنقذها، في اللحظة الأخيرة، من براثن التنميط كاستعراض للاستهلاك في السوشال ميديا التي تُحسن يعقوبيان استخدامها. فإلى جانب الشعار والعاطفة والقفشة، وظّفت يعقوبيان – ولمَ لا؟ - المقدار المناسب من أنوثتها الأنيقة، لتطغى "الفيسبا" على دراجة النائب هاغوب ترزيان وسيارة وزير البيئة فادي جريصاتي.

ست نساء فزن في الانتخابات النيابية الأخيرة، خمس منهن من الاستابلشمنت اللبنانية التقليدية، ومنحنَ الحكومة الثقة التزاماً بكتلهن الحزبية المُمثَّلة كلها في مجلس الوزراء. في حين قدمت بولا نفسها على أنها من خارج هذه الاستابلشمنت. وما زالت حتى اللحظة، تجيد إدارة صورتها هذه، بما فيها سجالاتها مع أكثر شخصيات الحياة السياسية انحطاطاً، وبالحد الأدنى من الشعبوية والأخطاء. المقارنة نفسها تجوز بالطبع مع زملائها الرجال، وهي قائمة بالفعل. لكن العدد غير المسبوق للبرلمانيات اللبنانيات في المجلس الحالي، الذي يعاني ما يعاني من هنّات، وتطعيم المشاركة النسائية هذه بوجوه جديدة، من ضمنها يعقوبيان، يجعل المقارنة مع الزميلات أكثر إغراء.

فهذه رولا الطبش التي اعتذرت لربها في دار الفتوى عن مشاركتها في قداس كنَسي، ثم حمل أولادها علم السعودية بدلاً من العلم اللبناني خلال مباراة جمعت الفريقين في البطولة الآسيوية. وتلك ديما جمالي التي لا يحيد خطابها عن الكتيبات الموزعة في مهرجانات "تيار المستقبل". وعناية عزالدين، المشهود لها بالعصامية، لم تخرج عن أدبيات "حركة أمل"، حتى وهي تحكي عن محاربة الفساد، وخصوصاً حين تطالب بإلغاء الطائفية السياسية. أما ستريدا جعجع وبهية الحريري، فلا جديد منذ سنوات، مع التنويه بمحطات عديدة تُحسب لهما، ومنها للحريري في حساسيات صيدا والجنوب، ولستريدا في ملف العنف الأُسريّ.

بولا يعقوبيان اللعّيبة.. تستحق المتابعة كأداء نيابي حقيقي، لا يتعفف عن استخدام أدوات العمل الانتخابي والسياسي والتسويقي التي يفرضها الواقع اللبناني ولا سبيل إلى تغييرها في العاجل القريب، وفي الوقت نفسه لا تخلو طروحاته من جدية تلامس الوجدان العام. وإذا لم تتحقق إنجازات مبهرة، يكفي أننا سمعنا في مجلس النواب نصاً شيقاً ومُطرباً، كخيار ثالث بين الملل والقنوط.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها