الخميس 2018/07/05

آخر تحديث: 08:43 (بيروت)

"دِسTortion": هناك موسيقيون آخرون في بيروت

الخميس 2018/07/05
"دِسTortion": هناك موسيقيون آخرون في بيروت
مارك ارنست لـ"المدن": خريجو معاهد الموسيقى يفقدون التواصل مع محيطهم، فالمعهد يعلّمهم صيد السمك في مكان بلا بحر.
increase حجم الخط decrease
عبر سلسلة حفلات "دِسTortion" (الحفلة المقبلة في 10 تموز)، يتيح "مترو المدينة" للموسيقيين المقيمين في بيروت، فرصة التلاقي شهرياً والإرتجال، وهي لا تتاح كثيراً في المدينة بسبب انتماءات الفنانين المختلفة، مناطقياً، وثقافياً. ويشرف على تنظيم الحفلة، مارك إرنست، الجازيست وعازف البيانو، وأحد أفراد عائلة "مترو". وينطوي التنظيم على انتقاء جزء من الموسيقيين مسبقاً، أوقات صعودهم إلى المسرح، وإتاحة المشاركة من الجمهور، لكنها ليست بالمهمة السهلة، إذ تتطلب اطلاعاً وافياً على المشهد الموسيقي البيروتي، خيالاً واسعاً لتوقع أي من التركيبات والآلات يمكن أن تخرج بأفضل النتائج، ومعرفة بمستويات الموسيقيين المشاركين للحفاظ على نوع من التوازن خلال الحفلة.

وضع "مترو" عدداً من المقطوعات المسجلة خلال الحفلات السابقة في صفحته الخاصة في "ساوندكلاود". وتبدو هذه المقطوعات للوهلة الأولى مؤلفة مسبقاً، بسبب تناغم عناصرها، التي رغم تقديمها مسارات موسيقية ذات خصوصية فردية واضحة، تقدم تنازلات خلال الحفلة لصالح المجموعة. وتشكل هذه الحفلات مادة في غاية الأهمية بسبب سياقات صناعتها الخصوصية، التنوع والحيوية الكامنة فيها، واختلافها عن السائد في الوسط الموسيقي المحلي.

يخبرنا مارك إرنست، وهو أحد الفاعلين الدائمين في مشهد الجاز والموسيقى البديلة في بيروت، من خلال هذا النص – الشهادة أدناه، عن أحوال الإرتجال في بيروت، وما أظهرته هذه التجربة عن المجتمع الموسيقي المحلي:




"تغيب ثقافة الإرتجال عند الجزء الأكبر من الموسيقيين اللبنانيين، وذلك لأسباب عديدة، منها اعتيادهم على نمط العزف في النوادي الليلية والمطاعم التي تفضل الـCovers مضمونة النجاح، وعدم وجود صفوف للإرتجال في مناهج المعهد العالي للموسيقى الذي يبدو متأخراً دائماً عن ما يحصل في العالم. تظهر مشكلة أخرى مرتبطة بالمعلمين/ات الذين يتحدثون دائماً عن الـMasters أو الأساتذة/أسياد النمط الموسيقي، الذي يفترض بالتلميذ اتباع خطواتهم.

المشكلة أن المعلمين الذين يعتبر بعضهم مكرساً في لبنان ودائماً في الواجهة، يطبقون حرفياً ما يقولونه لتلامذتهم، وتجدهم يعيدون نسخ أعمال من أزمنة بعيدة بلا أي تعديل، وفي سياق إنكاري لأمكنة تواجدهم وخصوصيتها. الأزمة تكمن في أن هذا التفكير موجود عند عازفي النمط الأكثر اعتماداً على الإرتجال، أي الجاز، الذي يشكل الإرتجال جزءاً من بنيته ذاتية الطابع، وقد تطور هذا النمط في القرن الماضي من خلال تفاعل الموسيقى مع "الواقع" المديني".

ويتابع مارك ارنست: "يعاني الموسيقيون اللبنانيون، علاقة مضطربة مع الواقع الذي يعيشونه، وهي مشكلة مرتبطة بالنظام التعليمي الذي يزرع الذنب في نفوس التلاميذ ويقوم بتحطيمهم من خلال مقارنتهم الدائمة بنماذج الـ"Masters" التي لا يمكن الوصول إليها، ما يخفي احتقاراً مبطناً لهم، يؤدي بالإضافة إلى نكران ذواتهم، وخلق نظرة متناقضة مع الموسيقى الشعبية التي تتسم بالبساطة، ولا تحتاج إلى مهارات مرجعياتهم الإستثنائية. لذلك تجد المهرجانات هنا دائماً ما تعيد إحياء الموتى، وتأتي بموسيقيين عجائز أصبحوا جزءاً من التاريخ، وقد حدث الأمر نفسه خلال التسعينات، ما أدى إلى قطع التواصل بين الموسيقيين الصغار والأزمنة التي يعيشون فيها، وأخذهم في النهاية إلى طريق مغلق".

ويقول مارك ارنست: "لم يكن الوضع هكذا خلال الحرب، فزياد الرحباني كان يشكل نموذجاً مرجعياً لجيل من الموسيقيين، وقد خلق هدفاً ومشروعاً مرتبطاً بالمكان الذي يعيشون فيه. لكن المشكلة أن زياد استقال من وظيفته ولم يكمل ما كان قد بدأه، ما أدى إلى القطع مع جيله وضياع التراكم الذي خلقه وإياهم على مدى سنوات... وحتى لو كان مشروع الرحباني مرتبطاً باليسار وسياساته، إلا أنه كان دافعاً للخلق، ساهم في تشكيل هوية متسقة لجيل كامل من الموسيقيين. الآن يتخرج مئات التلاميذ من المعهد ليصبحوا نسخاً هائمة بلا هدف واضح أو برنامج عمل، مفتقدين أي حس للمغامرة والإبتكار. يسيطر على هؤلاء اليأس، بسبب نظرتهم الدونية إلى محيطهم، وعدم قدرتهم على التواصل معه، فالمعهد يعلّمهم صيد السمك في مكان لا بحر فيه".


ميزة حفلات الإرتجال التي ننظمها، يكمن في إثباتها للجمهور أن هناك بضاعة أخرى في البلد مختلفة عن الأسماء القليلة المعروضة في الواجهة. في حال بحث أحدنا جيداً، سيجد الكثير من الموسيقيين المختبئين، الذين لا نعرف بهم لأنهم مهمشون أمام الأسماء المعتادة التي تتكرر في كل مناسبة، أو لأنهم لم يجدو مكاناً لهم في الوسط الموسيقي واستسلموا في النهاية ليأسهم، وهدفنا في "دسTortion" هو إخراج هؤلاء إلى العلن.

ويرى مارك ارنست أن "في المسرح، ليس هناك اسم معروف أو غير معروف، فالإرتجال يظهر أحجام الموسيقيين الفعلية وشخصياتهم الحقيقية التي تختبئ في العادة خلف المقطوعات التي اعتادوا على عزفها. منذ البداية، وضعنا شرطاً وحيداً هو ألا يعزف أحد "Covers" لأننا نريد أن يكونوا أنفسهم، فالصدق يزيل التوتر ويريح الموسيقي بشكل عام. فأهمية الإرتجال تكمن في قدرته على تكسير الصور المسبقة التي يمتلكها الموسيقيون عن بعضهم البعض، وهذه عملية تدريجية تنطوي في البداية على اكتشاف كل شخص للآخر، ما يعرفه، وما يحبه، ثم مع انتهاء هذه العملية يبدأ التواصل الحقيقي.

لذلك تجد أن مَن يعزفون سوياً يصبحون أصدقاء بسرعة لأنهم يمرون بتجربة تواصلية فريدة، تعيد لهم ثقتهم الإبداعية التي حرموا منها بسبب النقد الدائم والمقارنات التي لا تنتهي، كما بسبب العزلة الإرداية التي فرضوها على أنفسهم في الشِّلَل التي ينتمون إليها. ويجد الموسيقي نفسه في "دسTortion" على تواصل مع جمهور سمّيع لم يكن يعرف بوجوده، ما يضعه أمام مسؤولية كبيرة. طبعاً الإرتجال لا يمكن أن يتم من دون الجمهور، فهو يشكل متخيّلاً يبني عليه الموسيقي خياراته التي تحاول إيجاد أمكنة وسطية وتوفيقية معه ومع الموسيقيين الآخرين، حيث لا يمكن لأحد أن يتصرف بأنانية أو يتخذ قرارات بمفرده".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها