الخميس 2018/05/03

آخر تحديث: 15:12 (بيروت)

حزب الله يغزو الدولة العميقة

الخميس 2018/05/03
حزب الله يغزو الدولة العميقة
لا تلبث الكوميديا أن تتشح بسواد الواقع (عزيز طاهر)
increase حجم الخط decrease
النائب في "كتلة الوفاء للمقاومة" (حزب الله)، علي فياض، وهو مرشح مجدداً في الانتخابات النيابية اللبنانية بعد أيام، يتحدث خلال مقابلة إذاعية عن "حقبة جديدة في المسار السياسي للحزب" تُدشّن في العام 2018. حقبة "الدخول إلى الدولة العميقة"، كمرحلة ثالثة بعدما تمثّل الحزب مباشرة في البرلمان اللبناني العام 1992، ثم مشاركته المباشرة في الحكومة العام 2005.

لعل ردّ الفعل الأول لأي مستمع عاقل هو.. ضحكة من القلب. خصوصاً حينما يكمل الأستاذ الجامعي والرئيس السابق للمركز الاستشاري للدراسات والتوثيق التابع لحزب الله، بأن انخراط الحزب في الدولة اللبنانية العميقة هو ركيزة توجه جديد في "مكافحة الفساد ومتابعة شؤون الناس".

فهل هناك فعلاً دولة عميقة في لبنان، على غرار تطبيقات المصطلح في الحالة التركية أو المصرية؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فالأرجح أن العلاقة التي رسمها فياض بينها وبين مكافحة الفساد و"الضرورات التنموية بعد أولوية المقاومة"، تجعل الضحكة نفسها مجلجلة. وذلك، أولاً، لأن حزب الله، الذي لطالما فرض أجندته الفوق وطنية على المسار السياسي والعسكري والأمني اللبناني، سواء كان شريكاً في السلطتين التشريعية والتنفيذية أو لم يكن، إضافة إلى استحقاقه عن جدارة لقب "دولة ضمن الدولة"، اقتصادياً وعسكرياً واستخباراتياً (دولة مارقة ضمن دولة فاشلة)، يجعله هو نفسه دولة عميقة لكن من خارج الملاك الرسمي. وقد أوضح النائب محمد رعد بما يتعدّى أي لبس: "إن يوم 6 أيار في الجنوب ليس يوم انتخابات، بل موعد استفتاء". والسبب الثاني للضحك، يتمثل في تعريف "الدولة العميقة" نفسه، والذي يجوز اختصاره في تحالفات داخل الاستابلشمنت المهيمنة، وفي أداء أجهزة حكم غير منتخبة، للتحكم بمسير الدولة، كالجيش والمؤسسات البيروقراطية المدنية أو الأمنية والاستخبارات والقضاء والإعلام وغيرها، بهدف الحفاظ على مصالح الدولة كنظام حكم دون مصالح مكونات الشعب وقواعد المواطنة. وبالنظر إلى النظام اللبناني، المعروف بقيامه على الزبائنية الطائفية ومحاصصاتها ودينامياتها التي يدرك حتى الأطفال اعتمادها على الفساد بالحد الأدنى من الحرج وبأقصى حدود الوقاحة، فيُفترض أن الدولة العميقة ههنا، مهمتها الحفاظ على الستاتيكو هذا ورعاية مصالح أقطابه واستمراريتهم فيه، وعلى رأسهم حزب الله. هكذا، يبدو الكلام عن مكافحة الحزب للفساد وانخراطه في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، من خلال الدولة العميقة، نكتة مرتجلة من "سياسي وأكاديمي"، يمثل مليشيا حزبية وطائفية مسلحة، ولم يُعرف يوماً بخفة ظلّه.

ولكن...
إذا ما وُضع كلام فياض في السياق الأعمّ لخطاب "حزب الله" الانتخابي، والذي قد يصبح جزء معتبر منه شكلاً لخطابه واستراتيجياته المحلية والإقليمية في مرحلة ما بعد الانتخابات، فإن الكوميديا لا تلبث أن تتشح بسواد الواقع.

ففي أحد خطاباته الأخيرة، حكى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وللمرة الأولى منذ تأسيس الحزب العام 1982، عن "مكافحة الفساد". ثم استبق نائب الأمين العام، نعيم قاسم، نتائج العملية الانتخابية، بل ألغاها بأريحية رهيبة، إذ أكد أن الرئيس نبيه بري باقٍ كرئيس للبرلمان الجديد، في حين ألقى بظلال الغموض على استمرار الرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة. ولم يجد قاسم غضاضة في الشرح بأن الهدفين الأساسيين للحزب في الانتخابات المرتقبة هما: توسيع نسبة المشاركة، وإدخال بعض الحلفاء إلى الندوة البرلمانية، معتبراً أن التحالفات الانتخابية لن تؤثر في التحالفات السياسية، خصوصاً بين الحزب و"التيار الوطني الحر". أي أنه يقول لسامعه، بصراحة يحسد عليها القادر، أن التحالفات الانتخابية، والتي، بالتعريف، يفترض أن تكون ركيزة تحالفات الكتل النيابية الفائزة في الانتخابات وبرنامج عملها الذي تعهدت به لمَن اقترع لها، ليست سوى مسألة شكلية. وبالتالي، أيها الناخبين، لن يتغير شيء، لكنكم مدعوون إلى المشاركة في هذا التواطؤ الكاذب لإبقاء الحال على ما هو عليه، بل لزيادته مناعةً وتكريساً، وهذه مصلحتكم.. معنا!

وأخيراً، صرّح قاسم بملامح "الخطة الاقتصادية" للحزب، ومن ضمنها إيجاد مقومات لفرص عمل وضرورة إيقاف الهدر، لا سيما في الجمارك، وهنا تكتمل غالبية عناصر الصورة. وذلك ليس بالإحالة إلى "تنظير" فياض أعلاه فحسب، بل أيضاً باستذكار تململ بيئة الحزب في البقاع والذي بات نواب الحزب يقرّون به علناً (وإن أدرِج في الخانة العقيمة لفشة الخلق)، مضافاً إلى كلفة الحرب السورية على حزب الله، والأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد ككل وتتمظهر في إضافة دَين خارجي على الدَّيْن الداخلي، والشح المتوقع في التمويل الإيراني وغير الإيراني (عقوبات، مآل الاتفاق النووي، الخ)، خصوصاً في ظل احتمالات صاعدة لحرب إيرانية – إسرائيلية وتحديداً في سوريا ولبنان. إذ يظهّر هذا كله، أن الحزب، وكعادته في استشراف أزماته والاستعداد لها، يَعِد جمهوره بوظائف وانتفاعات وخدمات من داخل إدارات الدولة التي سيدخلها ويتمدد فيها ويسيطر على الكثير من مفاصلها، ساحباً البساط هذا من قرينه الشيعي في الدولة، أي الرئيس نبيه بري، في مقابل أن يؤمن للقرين بقاءه على كرسي رئاسة المجلس.

كما أن الكلام عن "الدولة العميقة" لا يعود، والحال هذه، طموحاً، بل هو عقلية، واستراتيجية تُستكمَل الآن، وتبشرنا، بكل شفافية، بأن حزب الله سيصبح هو الدولة العميقة، رسمياً هذه المرة. إذ تُراعى آليات ما يسمى بالديموقراطية اللبنانية وحساسياتها الطائفية والنفعية، لتحقيق فوز سياسي ووظيفي في البرلمان والحكومة، والآن في الإدارات والتعيينات، مع خفض الاحتكاك بسائر المكونات اللبنانية إلى الحد الأدنى. وفي الوقت نفسه، يتسنى لحزب الله تطبيق برنامجه الخاص، إن لجهة ضمان ولاء جمهوره في المرحلة الحرجة المتوقعة وحماية سلاحه غير الشرعي بسلاح "مدني" دولتي إضافي، أو لجهة إنفاذ إملاءات نظام الملالي الإيراني، من خارج أي نهج ديموقراطي ولو حتى بشكله اللبناني الهجين والمشوّه، وذلك كما يليق بركن أساس في دولة عميقة.

وقد قالها الكادر الإلهي، علي فياض، كمَن يقول إن الشمس تُشرق من الشرق: "المقاومة ظاهرة شمولية وليست عسكرية فقط، كل بناءاتنا الفوقية تقوم على بناء تحتي اسمه الإنجازات العسكرية". والتاريخ يقول أكثر من ذلك: انتخابات 6 أيار 2018 ستُجرى في لبنان كله، عشية الذكرى السنوية العاشرة لغزوة 7 أيار المسلحة والتي نفذتها مليشيا حزب الله في بيروت وجبل لبنان. هي سلسلة الإنجازات تتمدد وتتعمّق.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها