الخميس 2018/11/01

آخر تحديث: 12:01 (بيروت)

"ركعتان في العشق": سحر الطوفان الآسن

الخميس 2018/11/01
increase حجم الخط decrease
يبدأ فيلم رامي الصباغ "ركعتان في العشق" الذي عرض ضمن دورة هذا العام من فعاليات "أشغال فيديو* التي تنظمها "أشكال ألوان "سنوياً (مع أفلام لمروان حمدان، نور عويضة، كلارا قصيفي)، بقليل من نقاط الماء المنثورة في الشارع، التي تتحول أشكالاً مختلفة بفعل الأضواء الموجهة إليها من السيارات. تكبر النقاط تدريجياً، من بقعة صغيرة إلى مستنقع ثم ساقية تصب أخيراً في نهر بيروت الآسن، الذي يفيض عن حجمه ليغطي الشوارع، فتعود النقطة إلى ساعة الصفر، لكن هذه المرة في هيئة جديدة، كارثية على السكان.


هي المناسبة الوحيدة التي يعرفنا الفيلم (إنتاج "أشكال ألوان" و"دواوين") على مكان حدوثه، بما أن الزمن اللاحق، خال من الحوار الذي يفترض أن يكون دليلنا الثاني على موقعنا في الخريطة، والشكل الآخر للمكان والتاريخ والهيئة التي يعيش بها السكان. عوضاَ عن ذلك نسمع صوت امرأة غجرية من دون أن نراها، تبدو كمشعوذة تقرأ مستقبل أحدهم، لكن برموز تصبح أحياناً، نصوصاً فلسفية توَجّه الشخصيات الواقفة أمامنا على الشاشة وهذه بدورها تمثل مجموعة مشاهد تجريدية أو "إختزالية" ضمن سياقات متباينة، تختزل الحالات التي تمر بها (أحمد الأخضر، خضر عليق، زياد شكرون).



يصح وصف الفيلم بـ"نوار" أو Post Noire غالباً بسبب الحضور المكثف للمياه، التي تقلل نسبياً من حدة التفاوت بين النور والظلام والأضواء والخيالات، وتضفي بعضاً من المشاعر الوسطية أو العواطف لموازنة مزاج "الجريمة" والموت والسوداوية ، كما أن أصواتها تكسر بتناغمها أصوات احتكاك الحديد والمعادن الصناعية المتناثرة في عدة مقاطع، كأنها وبرغم أنها آسنة، لا تزال تحمل "ذاكرة للعالم" (وفق نظرية غير مثبتة قدمها أحد العلماء الحالمين في الثمانينات) سابقة على الحداثة، وشيء من الطبيعة الغائبة عن الفيلم.

ويمكننا اعتبار المرأة مِن الغائبين أيضاً عن صورة الفيلم، لكن صوتها (مريم الفارجاني، سارة صحناوي) يحضر إلى جانب الموسيقى والأصوات الأخرى المتناثرة لعبد قبيسي، في تقسيم جندري يعطي الذكر صوراً، أمكنةً، وأشياء، بينما يعطي المرأة لهجةً، أصواتاً، وموسيقى، ما ينعكس في الذكر وجوداً أكثر مادية، وبالتالي أكثر قابلية لتحقق "السحر" عليه وتحكم المشعوِذَة به، وهي "الصوت الإلهي" الذي يتحكم بمصائر الموجودين على الشاشة.

في وصف الفيلم يكتب الصباغ: "جلست على ضفة النهر، تستغيث بالكلمات لتقاوم حال الدنيا. ثمة من يقوم طوال الليل يسحب لقبه من قبر والده". تظهر الشخصية في أحد المشاهد وهي تحاول حرق أحرف كلمات موجودة أمامها، وهو فعل مواز لخلق النص و"الإستغاثة بالكلمات"، ثم في مشاهد أخرى تنظر عيون مرعبة إليها، فتتراجع ثم تموت وتبعث عدة مرات، وكل موت وانبعاث بحمله طقسه المعتاد وملائكته وأنبيته وتدرجاته المادية (مثلاً المياه، البخار، الغيوم، البحر أو النار، الدخان، الفحم .. ) والصوتية والموسيقية. تحاول الشخصية مقاومة ما تمر به من مصاعب نفهم تغير وتيرتها من درجة التنفس الذي يتصاعد ويتضاءل، ومن أساليب هروبها من الخوف، "تحلم بالفردوس"، قبل أن تنتبه أن المعادلة التي تحكم الإثنان: "كلما تعزز الخوف، يتسع الفردوس" فتعاود السقوط، قبل أن تولد مجددأ محاولة طرق أبواب أخرى لتفادي غرقها المحتم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها