الجمعة 2013/05/10

آخر تحديث: 03:48 (بيروت)

فلتُكسر الكُرَات

الجمعة 2013/05/10
فلتُكسر الكُرَات
تجهيز للفنان الأميركي ستيوارت ويليامز
increase حجم الخط decrease
هنا وجهة نظر شخصية للغاية لا تدّعي قبضها على ما يجب أن يكون...

فوجئت بعدد الشباب السوريين الذين يمارسون التشكيل، بعضهم واعد بلا شك، على رغم انحطاط سويّة الإعداد والإرشاد في المؤسسات التعليمية عموماً خلال العقود الأربعة المنصرمة.
 
لعلّ انعدام الحرية والعيش في رعب يوميّ مترافق وانسداد الآفاق والإصرار على ممارسة الحلم على رغم كلّ ما سبق هو ما يدفعهم إلى محاولاتهم. لكن العديد منهم، الناشطين وذوي المشاغل الإبداعية، يقعون في مطبّات كان يمكن تفاديها لو تسنّى لهم إرشاد من قبل زميل ذي خبرة (وهذه ليست سمة الكادر التعليمي العقائدي الذي فرضه آل الوحش)، أو لو عملوا أكثر على تثقيف الذات، بكل المعاني. ما من إبداع ممكن، أيًا كان مجاله، إلاّ وكانت الحركة عنصراً أساسياً فيها، حتى فيما هو في عرف البعض جمود الجماد. لكن بعضهم يبالغ في ما يسمّى الحركة الخارجية للكتلة، أي تلك المرئية والملموسة، والتي هي برأيي أشدّ فقراً من الحركة الداخلية، تلك التي لا تُرى بالعين ولا تُلمس باليد... لكنها تحرّك وجدان المتأمل. الحركة الخارجية تخاطب العين لتصل الذهن وقليلاً ما تعرج على الوجدان، أو البصيرة. والمتعة البصرية والحسّية وحدها غير كافية لإغناء تكويننا، كل ما في الأمر أنها تجعل تجربتنا الحياتية أسعد.
 
أرى أن مهمة النحت هي القبض على من ينظر وليس خطف نظره فحسب، ثم مرافقته في ذاكرته الخاصة. لعلّي أصبو إلى ما هو أبعد من الإمتاع والإدهاش. المبالغة في تحريك الكتلة خارجياً، والحديث عن التشكيل عموماً، تُفقر العمل وتُسيء إليه، لأنها تساهم في إخلاء الجوهر وتحيل المحاولة إلى مجرّد إيحاء خارجي، ظاهري. هذا أسهل بالطبع وأكثر لفتاً للنظر العادي المتداول، ذاك الذي اعتاد النظر دون الرؤية... لذا يتأتى العمل فقيراً.
 
وهذا شأن عام، سيان أكان في الكتلة أو الشكل أو الكلمة أو النغم... الخ. فالإمعان في عنصر من عناصر تكوّنها يصيبها بخلل ما، كأن تشير في بيت شعر ثان لما يتضمّنه البيت الأول. لعلّ الاعتماد على الحدّ الأدنى من اللمسات (حتى في أداء الممثّل) يضفي على العمل تلك القوة المتجسّدة في "البسيط" وهو قمّة الإيحاء ومبتغاي شخصياً (لكني قلّما أقترب منه).
 
كما لفت انتباهي في تجارب نحتية لشباب (وبعضهم غير شاب)، إدخال عنصر قاتل في التكوينات، أقصد الكرة أو الكتلة الكروية. تتشكّل الكرة ككتلة في الطبيعة لأسباب فيزيائية بحتة تتحكّم فيها شروط بعينها. شخصيًا، كنحّات، أحسّها وكأنها مادة التمّت على نفسها بسبب الذعر.. كما القنفذ.
 
أعرف أن مدارس واتجاهات تشكيلية تعاملت، وما زالت، مع الأشكال الهندسية الصرفة في تكويناتها، وهي أعمال تحمل عندي، برودة الرياضيات. كما أني على ثقة من أن النفس والوعي في مقدورهما التكيّف مع الطرح، إن طال تمثّله، والتعامل مع الحياة بقدر مماثل من البرودة البراغماتية.

ثمة عُرف قديم في النحت يعتبر البيضة أكثر الكتل انسجاماً في الطبيعة، فهي تامة ومغايرة في عدد لانهائي من زوايا النظر. لذا كان مطمح النحاتين التوصل إلى تلك الكتلة المطلقة (أرجو فهم القصد والمجازية وألاّ يستغرق أحد في نحت البيوض). وبعد أربعين سنة من الممارسة مررت بمحاذاة المعنى مرات معدودة. حتى في اللوحة ذات البُعدين، قليلة هي الأعمال التي تستوي بتكوينات متماسكة كيفما نظرنا إليها أو قلّبناها.
 
فقر الكرة ككتلة وتشكيل يكمن في أنها تبقى هي هي، مهما درت حولها أو دارت هي على نفسها. حتى في الكاريكاتير، وفّق ناجي العلي في تصميمه "حنظلة" ذا الرأس الكرويّ، لأنه كسر الكرة بخطّ يذهب من كتف إلى آخر مروراً بالقحف... وإلاّ لسقط التصميم تشكيلياً.

يا حبّذا لو تفكّر الزملاء في هذا وبادروا إلى "كسر" الكُرات. 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب