الجمعة 2013/02/22

آخر تحديث: 05:05 (بيروت)

بحثاً عن الملمس الخشن

الجمعة 2013/02/22
بحثاً عن الملمس الخشن
increase حجم الخط decrease
 
 
لم أتلقّ في حياتي قط شيئاً أملس من الطبيعة سوى جسد المرأة التي تصيبني بوَلَه ما، في لحظة معيّنة من رحلة الحياة هذه.
عداها، كل ما في الطبيعة ذي ملمس خشن أو متواطئ مع الخشونة.. أو يعد به، كما هي حال الوليد.
الخشونة حتى في وريقات الأزهار.
هنا يقع الفارق: أن ترى كل شيء بمجهر يتسم بالموضوعية أو بوَلَه تتخبّط به في حينه. لذا قيل إن الحبّ أعمى.
الأمر، أمر المالس والخشن، قضية تقرّرها النفس والركام الثقافي الذي يحمله كلّ منّا. والجلي أنه كلما اطّرد الجهل لدى أناس نجدهم يسعون نحو المظهر الأملس في كل شيء، ويستفحل نزوعهم في عشقهم للبريق أو اللمعان، فهو التوكيد على الإمعان في الملس.
صقل الأشياء قد يتوافق مع حاجات عملية ما بعينها، كما هي الحال في أدوات الجراحة فتطهيرها أسهل وأضمن، لكنه قاتل في حال العمل التشكيلي.
أعتقد أن التجربة التشكيلية عبر العصور أبدت، مع التطوّر الصناعي بخاصة، نزوعاً نحو الملمس غير المالس. وإن سعوا في مراحل ما نحو الطلس فلأن الصناعة ما كانت قد تطورت بعد وكانوا يظنون الملس كمالاً، جاهلين استحالة الكمال في الصنيع الإنساني.
بلوغ الأملس غاية من ينشد الإتقان، لكن.. في المهن الحٍرفية. وهنا يبرز تساؤل: وما الضير في إتقان العمل الفنّي ولو كان بالصقل؟ تساؤل سيأتي حتماً ممّن لم يع قصدي. أن تحاول الإتقان واجب، وأن تدرك أنك لن تبلغه.. كذلك.
ففي النحت، على سبيل المثال، صقل الكتلة لن يضيف شيئاً إذا لم تكن نحتاً بحق. لذا يعمد الضعاف إلى هذه المهارب عساهم يلتقون من يندهش، لشدّة جهالتهم، من حسن صقل تلك الكتلة التي لا تقول شيئاً.
لكن الملس لا يتوضّع على السطح فحسب، ليس فقط ما يمكن لمسه.. قد يكون في جوهر الطرح.
الملس على علاقة بشيء صناعي بارد، وهو بعيد عمّا قد يصنعه المرء بجملة أعصابه ومشاعره.
العمل التشكيلي الذي يدنو من الكمال ينأى عن "الخلل" الذي يؤكّده. لذا نجد صانع الفخّار الياباني، مثالاً، وهو أقرب المهنيين قرباً من مفهوم "التشكيلي" بفعل الفلسفة التي يعتمدها إزاء عمله، إذا ما وجد صنيعه ملامساً الإتقان، نجده يعمد إلى إحداث لمسة "تعيب العمل" وتزيل عنه الكمال المؤذي، أو بمعنى آخر: تجعله أثراً إنسانياً، وهذا ذروة ما قد نصبو إليه.
ألا يقال إن الكمال للآلهة؟
النزوع إلى الكمال يؤدّي إلى الموت، والمبدع لا يريد ذلك، إنه يبدع كيلا يموت، لأن متابعة المحاولة بانتظاره.
لنقل إنني أرى الأمر على هذا الوجه.
ثم إن من السخف الإيمان بالكمال، فالكمال محال ما دام كلّ شيء يتحرّك.. لكننا نحلم به ونحاول تخيّله. وإن خُيّل إلينا بلوغه فمن المستحسن أن "نعيبه" بلمسة ما، ما دمنا نسعى إلى متابعة الحياة.
"سأبلغ الكمال بموتي".. خطر لي يوماً.
لعلها اللحظة، كما الميلاد، التي لا تقبل بديلاً لأنها مطلقة في أوانها، وبالتالي تتميز بكمال ما.
ما بينهما.. ملمس غير ملس.. سوى الجسد إياه.
حتى لقاؤك مع ذلك الملس الوله يدفعك إلى عالم من التجاعيد لن تنتهي منه حتى تجد أملساً آخر. وما لقاء الأملس في هذه الحال سوى نسيان للخشونة والتجاعيد.. إلى حين.
لو أحدثوا آلة تحلّل حال النفس في هذه الحال.. ربما وجدوا أنني لم أخطئ كثيراً.
أحبّوا.. وفي سعيكم نحو الحب لا تمارسوا سوى التجاعيد.. والملمس الخشن، لأنه قوة الفن.
 
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب