الأربعاء 2014/12/17

آخر تحديث: 16:59 (بيروت)

اللواء دي ميستورا العلي..والرهان على الوقت

الأربعاء 2014/12/17
اللواء دي ميستورا العلي..والرهان على الوقت
رهان اللواء سالم العلي، تركز على تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في جزر المعارضة المحاصرة (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
لم يحمل المبعوث الدولي ستفان دي ميستورا، جديداً في حقيبة حل الأزمة السورية، وعلى الأغلب، يستعيد دي ميستورا أوراق ضابط القصر الجمهوري اللواء سالم العلي، التي قدمها للرئيس بشار الأسد، قبل ثلاثة أعوام. ولا يفارقها سوى في موضوع الغطاء الدولي، وفي تثبيت مناطق السيطرة. كأن يكون الأمر سرقة أدبية، أو نقل بتصرّف.

ولعل العلي، المقرب من الأسد، حين قدم أولى تجاربه الناجحة في مدينة الهامة القريبة من دمشق، كان يدرك أن خطته ستخضع للترميم الدائم. وقد استعملت فيها الهامة، كفأر تجارب من أجل الوصول إلى وصفة الأسد السحرية في إستراتيجية إعادة السيطرة.

كانت قد بزغت الفكرة في ذهن العلي، ووافق عليها الأسد، وتبناها الإيرانيون في ما بعد، على أثر التراجع السريع لسلطة الأسد، وعدوى الثورة التي اجتاحت معظم المحافظات السورية بداية عام 2012. واعتمد فيها العلي على تحديد ثلاث مراحل رئيسية؛ الأولى تتمثل في تحويل مناطق المعارضة إلى جزر معزولة عبر عملية تقطيع أوصال وحصار عسكري، وتترافق مع إفراغ جزئي للسكان. والثانية تتلخص في عقد هدن منفردة مع قوى الأمر الواقع، بشرط تفريغ المناطق الثائرة من قوتها العسكرية الثقيلة. وفي المرحلة الثالثة يتم تنفيذ إعادة اجتياح لهذه المناطق.

ومن الجلي، أن فكرة تجزئة القوة المناوئة للأسد كانت الحامل الرئيس لهذه الخطة. وقد نفذت بالتزامن في جميع المناطق التي يعتبرها النظام ذات أولوية إستراتيجية لبقاء العاصمة دمشق تحت سلطته. فقد بدأت في مدن الحزام الغربي للعاصمة، ثم في برزة المشرفة نارياً على وسط دمشق، وبعدها في يبرود التي تعتبر عقدة منطقة القلمون ومركز حراسة طريق دمشق - حمص، وصولاً إلى مدينة حمص التي أعلن الإيرانيون بعد توقيع هدنتها ولادة مرحلة جديدة من عمر الثورة السورية.

ولعل رهان العلي، الذي أشرف شخصياً على جميع هذه الهدن، تركز على تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في جزر المعارضة المحاصرة، تلك الأزمات التي تزداد مع الوقت، وتعيد تشكيل المزاج العام لسكان المناطق المحاصرة، بحيث تجذب الهاربين من الفوضى إلى حضن الأسد مجدداً.
وعلى الأغلب فقد حافظ سالم العلي على مرونة كافية في خطة الحصار والهدن، بحيث يمكن أن تتماشى مع أية أهداف للنظام قد تطرأ مستقبلاً. وذلك على خلاف الخطة بنسختها الثانية مع دي ميستورا.
فالرجل يهمل عمداً مقدمات حصار النار والجوع التي دفعت سكان المناطق المحاصرة للقبول بهذه الهدن. لكنه يظهر دائماً أمام خريطة مدينة حلب التي يوشك النظام على إطباق الحصار عليها، وهو ظهور له دلالته التي لا بد من فهمها.
وإضافة إلى ذلك، قام بوضع سقف محدد لخطته، واقترح ضمان تثبيت هذا السقف بقرار دولي ملزم، حيث توقف عند منظومة الجزر المعزولة، بما فيها جزيرة المهاجرين حيث يقيم الأسد. خصوصاً وأن المجتمع الدولي غير شغوف بالقصص ذات النهايات المفتوحة، ويطلب دائماً الـ day after  في أية ورقة عمل قد يقبل بقراءتها.
لكن، ما الذي سيدفع دي ميستورا للمطالبة بتقاعده المتأخر قبل إتمام وصفته السحرية؟ أو الخيالية كما يصفها بعض من يعرف الوقائع جيداً على الأرض السورية؟
يقول الرجل الهرم أن خطته حصلت على موافقات ضمنية من أطراف دولية كالولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والإتحاد الأوربي وإيران. لكنه يتناسى أن الموافقات غير المعلنة لا تعني الموافقة الفعلية، وتنتظر قصة نجاح لتستطيع أن تقيم نتائجها، وأن تتخذ منها موقفاً، وهو ما لن يحدث مع دي ميستورا.
فالإدارة الأميركية غير مكترثة حتى الآن، ويبدو أنها لا ترى في سوريا سوى الجهاديين الذين وصفهم هنتنغتون بالخطر الأخضر، والحديث مع هؤلاء تعتبره أحد خطوطها الحمر. أما الروس فهم خائفون من فقدان نفوذهم في مستقبل الأزمة السورية بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، وبعد بدء أعمال التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد السلفية الجهادية.
ولعل اعتراض المرشد في طهران على وضع بيضه السوري، في سلة القرارات الدولية الملزمة، ليس أكبر العقبات التي تواجه دي ميستورا، بل تكمن العقبة الأكبر في انقطاع اتصاله مع الأتراك، بينما يدفعون إليه بأذرعهم في شمال سوريا، قيس الشيخ وأحرار الشام وجيش المجاهدين، ليضعوا أمامه شروطهم التعجيزية للموافقة على خطته. فالإخوان لا يفضلون أن يكونوا خارج لعبة السياسة، ويريدون أن يوحوا للجميع بأنهم طرف مرن، ويمكن الحديث معه دائماً، حتى وإن لم تكن هناك جدوى من هذا الحديث.
إذا ليست هناك موافقات جدية كما يقول دي ميستورا، لكنها المقدمة التي يبني عليها الرجل لتسويق خطته، ووضعها في سياق مقبول، وهو توحيد المعارضة والنظام في مواجهة داعش.
ويبدو أن حذق رجل السياسة المسنّ، قد جافاه هذه المرة. فالنصرة وداعش وحركة أحرار الشام، لاسيما بعد مقتل قادتها الخمسين، هي وجوه لنفس المشروع. ولا يعدو الاختلاف بينها أن يكون اختلافاً في توقيت زمن التمكين في فقه هذه الجماعات. وسرعان ما ستتحول جبهة النصرة إلى داعش، لتحل محلها حركة أحرار الشام على يسار داعش مؤقتاً قبل أن تتحول إلى داعش هي الأخرى. ومن المتعذر على هذه القوى أن تمثل الشركاء على الجانب الآخر من الطاولة.
والحال هذه، لا يجد الرجل من يتكلم معه في الشمال، ومن باب أولى في الشرق الداعشي أيضاً. وعلى دي ميستورا أن يفكر بإلقاء فكرة "حلب أولاً" في سلة المهملات، وأن يتجه سريعاً إلى مكان آخر. وعلى الأغلب لم يبق سوى الجنوب السوري، الذي استبق توجه المبادرة الأممية إلى بدائل جغرافية أخرى. وقد أعلن ثوار درعا رفضها منذ أيام. ومن المتوقع ألا يجد حامل المبادرة من يتحدث معه في الجنوب المشغول هذه الأيام بمبادرته الخاصة.
فمعاهدة الدفاع المشترك التي وقعتها تشكيلات المعارضة الوطنية في الجبهة الجنوبية، تبشر بولادة نواة موحدة للجيش الحر في الأيام المقبلة. ويرجح مقربون من الجبهة الجنوبية أن الخطوات المقبلة ستكون ثورة ثانية تنطلق من حوران أيضاً. وأن المبعوث الأممي لن يكون على جدول مواعيدها أبداً.
وفيما يشهد السوريون موت السياسة، وسقوط أشخاصها في مستنقع العجز. يتجه دي ميستورا إلى شراكة أشباح المعارضة السورية في الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق، في محاولة لسرقتهم من حضن بوغدانوف الجليدي ويراهن عليهم كشركاء محتملين، رغم عدم شرعيتهم في الأرض السورية.
ليس لدى دي ميستورا من يحادثه، وليس لديه قصة ناجحة أيضاً. ربما تصلح الجملة كعنوان لرواية يكتبها خالد خليفة يوماً ما عن مبعوث أممي يشارك الوهم فقط.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها