الإثنين 2014/07/07

آخر تحديث: 16:27 (بيروت)

دمشق: هدنة المليحة على نار حارقة

الإثنين 2014/07/07
دمشق: هدنة المليحة على نار حارقة
المفاوضات الحالية تشير إلى أن سياسات الحصار والتدمير المنهجي أتت بالثمار أخيراً (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
جزيرتان مشتعلتان فقط هما ما بقي من حزام ضواحي دمشق الأكثر شبهاً ببحر من الهدن. بعد ثلاث محاولات لاختراقها بعقود إذعان تحت مسمى "هدنة"، لا تزال مدينة داريا عاملأ جيوسياسياً مقلقاً للنظام السوري في الغوطة الغربية، وكذلك المليحة وجوبر على خط التماس الشرقي العاصمة. لكن التسريبات التي بدأت بالظهور في الأيام الماضية ربما تحمل جديداً في الجبهة الشرقية، لتتحول مناطق شرق دمشق إلى حزام من المعارضة الخاملة على طول الهلال الممتد من برزة شمالاً، حتى مدينة المليحة جنوباً.
للمرة الثانية على التوالي ينفتح خط التفاوض بين النظام ومقاتلي المعارضة من أجل عقد هدنة في مدينة المليحة. لكن المحاولة الجديدة تبدو أكثر ثباتاً بعدما وافقت جميع القوى المعارضة في المدينة على إنجازها. حركة أحرار الشام وجيش الإسلام وجبهة النصرة، هي التشكيلات التي تقود هذه المفاوضات من الخلف، فيما يظهر في الواجهة فيلق الرحمن عبر أحد قادته.
 
أوقف النظام منذ ثلاثة أيام عملياته العسكرية في المليحة بعد أكثر من تسعين يوماً من حملته العسكرية عليها. ويبدو أن هذه التهدئة تأتي بعد إنجاز اتفاق مبدئي على هدنة شاملة في المدينة. لم توضع اللمسات الأخيرة على البنود التفصيلية بعد، لكن مصدراً من داخل فيلق الرحمن، طلب عدم الكشف عن اسمه، قال لـ"المدن" : "انفتح خط التفاوض منذ حوالي الأسبوع عبر اتصالات جرت بين نائب قائد فيلق الرحمن وبين ثلاثة أشخاص من أهالي المليحة شديدي القرب من النظام، وبينهم الوزير السابق عدنان سلاخو". 
يضيف المصدر : "لقاءان تم عقدهما بين الطرفين في نقطة متقدمة من جبهة المليحة المحاذية لإدارة الدفاع الجوي على مدار ثلاثة أيام. الأمر الذي مهد للقاء ثالث داخل مبنى إدارة الدفاع الجوي لمدة نصف ساعة، جمع المفاوض عن فيلق الرحمن بضباط من المخابرات الجوية وبمدير إدارة الدفاع الجوي الجديد".
ينص الاتفاق المبدئي على انسحاب قوات النظام والميليشيات العراقية إلى داخل الإدارة، وإلى مناطق مؤخرة الحملة التي تعد مدينة جرمانا قاعدة لها. كما تنص على خروج جميع المقاتلين الغرباء عن المليحة باتجاه عمق الغوطة إلى قرى شمال نهر المليحاني، أي خروج جبهة النصرة وجيش الإسلام وحركة أحرار الشام، فيما يبقى مقاتلو فيلق الرحمن كقوة محلية على غرار الهدن التي عقدها النظام في مدن حزام دمشق.
وكان النظام قد وضع هدنة المليحة على الطاولة في منتصف شباط 2014، عبر نفس الوسطاء المدنيين الحاليين بالتعاون مع قائد لواء سعد بن عبادة الخزرجي، ماهر عكاشة. لكن القوى العسكرية الأخرى وعلى رأسها جبهة النصرة، أفشلت الاتفاق حينها، واعتقلت أحد المفاوضين الذين دخلوا إلى المدينة، ويدعى فريز العسسي. 
على أثر فشل اتفاقات الهدنة الأولى بدأ النظام حملته الضارية على المدينة مطلع الشهر الرابع من العام الحالي ، مستخدماً الطيران الحربي والمدفعية، إضافة إلى القنابل العنقودية، في عملية تدمير منهجي طالت جميع المناطق السكنية والمرافق الخدمية. 
المفاوضات الحالية تشير إلى أن سياسات الحصار والتدمير المنهجي أتت بالثمار أخيراً. فالطرفان على جانبي خطوط التماس منهكان كما يبدو. فمن جهة، النظام يلح على عقد الهدنة تمهيداً لاستحقاق مقبل لا يزال قيد التكهن، ومن جهة ثانية مقاتلو المعارضة كذلك يحتاجون إلى التقاط الأنفاس، ولاسيما في ظل المعارك الدائرة في مواجهة تنظيم "داعش" داخل قرى الغوطة الشرقية.
من المرجح أن جبهات الغوطة الشرقية جنوب نهر المليحاني ستبلغ حالة من التشوه والتفكك، بما فيها جبهات منطقة المرج في حال تم التوقيع على الهدنة. إضافة إلى مكسب سياسي يلهث النظام وراءه.
 
وإذا كان لا بد من عقد هذه الهدنة حقاً، فإن منع النظام من الحصول على مكسب سياسي إضافة إلى مكسبه العسكري يفترض تجزئة شروط الهدنة إلى مراحل، بحيث تشمل المرحلة الأولى تنفيذ شروط حسن نوايا تتضمن وقفاً شاملاً لإطلاق النار وفتح المنافذ لدخول المواد الغذائية والطبية إلى المدينة، دون أي شروط ذات طابع إعلامي أو رمزي. 
بات من الواضح توافر مناخ من التهدئة الشاملة على امتداد المنطقة الجنوبية، تدفع به محصلة القوى التي تدير الشأن السوري. ويبدو أن هناك من يهيئ الأرض لنتائج تفاهمات دولية قد تأخذ طريقها إلى التنفيذ. وكذلك لا يغيب احتمال أن تكون هذه التهدئة الشاملة مقدمة لعاصفة عسكرية تعيد انتصارات 2012 إلى الواجهة مجدداً.
increase حجم الخط decrease