الإثنين 2014/05/05

آخر تحديث: 03:57 (بيروت)

درعا: مغامرة تنتهي بتوازنات جديدة

الإثنين 2014/05/05
درعا: مغامرة تنتهي بتوازنات جديدة
قائد المجلس العسكري لمحافظة درعا العقيد أحمد فهد النعمة
increase حجم الخط decrease
 انهمك الرعاة العسكريون للملف السوري في إعادة ترتيب الأوراق منذ فشل مؤتمر "جنيف 2". وفيما تراجعت أولوية الجبهات الشمالية في حلب وإدلب والساحل، وضِعت الجبهة الجنوبية في مركز الطاولة. على قاعدة أن تهديد الأسد لا يمكن أن يكون جدياً إلا بإحكام الطوق العسكري على العاصمة، وبتهديد قصر المهاجرين.
 
وبينما يتم العمل على التوازي في المحافظات الخمس الجنوبية، وربط أدائها العسكري عبر إستراتيجية شاملة، ظهرت مقدماتها في جبهات درعا والقنيطرة، عبر غرف العمليات الموزعة على خطوط التماس مع النظام. وظهر جلياً أن "جبهة ثوار سوريا" وتوسعها في درعا والقنيطرة سيكون محور دفع هذه الخطة .
 
ترتيب الأوراق الذي أتى بعبد الإله البشير إلى رئاسة الأركان الجديدة، وأقصى مجموعة اللواء سليم إدريس، انعكس على مؤيدي الأخير في المنطقة الجنوبية. الأمر الذي بدأ مع ظهور قائد المجلس العسكري في درعا، العقيد أحمد النعمة، والقائد الثوري للجبهة الجنوبية، بشار الزعبي، إلى جانب إدريس، أثناء تلاوته لبيان الرد على قرار إقالته. وسرعان ما وجد الرجلان أنهما خارج لعبة الجبهة الجنوبية. وأنه لا بد من أن يقول كل منهما : "أنا هنا" ، وكل على طريقته الخاصة .
 
اختار الزعبي الذي يقود "فرقة اليرموك" ـ وهي من أكبر التشكيلات العسكرية المعارضة في درعا ـ أن يستعمل الخطوط الحمر الخارجية، ليثبت نفسه كمركز ثقل لا يمكن الاستغناء عنه في أي استراتيجية جديدة. من تنظيم دخول قوات المعارضة إلى درعا المدينة، إلى التهديد الناري لمعبر نصيب الحدودي، إلى قطع طريق دمشق نصيب دون الإعلان عن ذلك، وصولاً إلى الخط الأحمر الأكثر تأثيراً، والذي تجلى في سيطرة أحد ألوية فرقة اليرموك على قرية خربا المسيحية في محافظة السويداء، والمتاخمة لحدود محافظة درعا. 
 
تجاوز هذه الخطوط الحمراء لم يكن متعارضاً مع المزاج العام في درعا من جهة. كما لم يتعارض مع سياسات "جبهة النصرة" المسيطرة على القضاء الشرعي، عبر المحكمة الشرعية في بلدة المسيفرة، وعلى معظم مناطق درعا الخارجة عن سيطرة النظام، عبر تحالفاتها مع فصائل درعا العسكرية ذات التوجه الإسلامي. 
 
وعلى خلاف ذلك، استدرك القطب الثاني، أحمد النعمة، متأخراً، أهمية عودته إلى اللعبة، لكنه اختار الطريق الأكثر صعوبة، وعلى النقيض من القوى الإسلامية. البيان الذي أعلن فيه النعمة عن تشكيل جبهة "ثوار جنوب سوريا"، كتوأم جديد لـ"جبهة ثوار سوريا"، كان في الحقيقة مقدمة لمغامرة كبرى حين أعلن في 4 مايو/أيار الماضي، عن أهداف تشكيل الجبهة. وهو ما ظهر كاستعادة لبيان مصطفى الشيخ، من حيث تأكيده على السعي لبناء دولة مدنية ديموقراطية تعددية، والالتزام بتسليم السلاح إلى السلطة الجديدة عقب سقوط الاسد، غامزاً من قناة القوى السلفية وإرادة تعويمها لاحتلال المشهد السوري. ولمست فيه بعض القوى الوطنية إعلان ميثاق شرف للجيش الحر، لطالما انتظرته. 
 
لعله كان أقصر الطرق لعودة النعمة، وأكثر ما يثير شهية رعاة التوجه الإقليمي الجديد من أجل تعديل صورة المعارضة المسلحة. لكنه وضع حوران على أبواب انقسام حاد، أشار إليه كثيرون من داخل درعا بأنه مقدمة لفتنة وشيكة.
 
لم يكن القلق من تأثير هذه المغامرة مقتصراً على درعا فقط، بل تجاوزها إلى السويداء، التي نظرت بتخوف إلى الأثار المحتملة للفوضى العسكرية العامة في درعا، وما يمكن أن ينعكس منها على استقرار المناطق المحاذية لمحافظة درعا.
 
 الأرجح، أن هذه المغامرة تأسست على الثقة بقوة الروابط العشائرية داخل حوران، في مواجهة "جبهة النصرة"، الغريبة عن بيئة المنطقة. وكذلك على ما يمكن أن تسفر عنه أي مواجهات جدية، بين فصائل حورانية وبين "النصرة"، من ضعضعة للوضع العسكري في درعا. في الوقت الذي لا أحد في حوران يريد خلخلة ميزان القوة المنقلب لصالح المعارضة، وخصوصاً في ظل التقدم السريع الذي تشهده جبهات درعا في الشهرين الأخيرين. 
 
تتواتر الأنباء اليوم  حول الإفراج عن أحمد النعمة، بعد اعتقاله من قبل "جبهة النصرة" ليوم واحد. وبعد بيان تهديد شديد اللهجة من حلفاء النعمة لـ"جبهة النصرة"، ينذرها بحرب شاملة لاستئصالها من درعا بعد مهلة 12 ساعة. و على الأغلب فإن خروجه يتعدى حريته الشخصية إلى ثلاث نتائج قابلة للقراءة .
 
أولى هذه النتائج، هي تثبيت قوة عسكرية واضحة المعالم في تأييدها لمشروع الدولة المدنية، واعتبارها بداية عمل المكبح العسكري لتمدد الإسلاميين المتشددين. وكذلك فشل "النصرة" في محاكمة من تكفرهم، باعتبارهم قطاعاً وطنياً أو علمانياً. إضافة إلى ظهور ضعف "جبهة النصرة" أمام قوة الرابطة العشائرية والعائلية، في منطقة تعتبر هذه الروابط أحد أسس تشكيل العمل العسكري فيها. وهو الأمر الذي سيسعى مديرو الملف السوري لاستثماره بشكل حثيث بعد خلاصات هذه المغامرة. وأخيراً، عودة النعمة إلى لعبة الجنوب، بما تمثله من تثبيت لقوة الجار الحليف، الأردن، في شؤون ترتيبات الأمن على حدود المملكة.
increase حجم الخط decrease