الجمعة 2019/03/01

آخر تحديث: 08:22 (بيروت)

محطة رمسيس.. شاهد على انهيار الدولة

الجمعة 2019/03/01
محطة رمسيس.. شاهد على انهيار الدولة
Anadolu ©
increase حجم الخط decrease
كان كل شيء يسير في القاهرة كالمعتاد، حوادث الطرق المستمرة تتسبب في حصد الأرواح، وحوادث التسمم والحرائق هي أخبار معتادة من جنوب مصر إلى شمالها، وضحايا كثر لا ينتبه إليهم آحد، يضيعون في زحام الأحداث كما ضاعت حياتهم بلا ثمن، في حوادث ألفها المصريون وتآلفوا معها، ولم تعد تشكل لهم إزعاجا.

لكن ما جرى في محطة رمسيس، التي تضم محطة القطارات الرئيسية في الجمهورية بأكملها، وهي تربط خطوط السكة الحديد ببعضها البعض، وتضم تحت الأرض محطة مترو الأنفاق الرئيسية المعروفة باسم "محطة الشهداء"، كان دموياً ومفزعاً ومفجعاً.

الحادث على فداحته كشف حقيقة الخلل الواضح في المنظومة الحكومية، فلا مطافىء للحريق ولا سيارات اسعاف ولا خطط طوارىء، ولا مخارج للهروب، في أزمات كهذه، حيث كانت عملية الإطفاء وفق ما تبين من المقاطع المصورة، محاولات إخماد بدائية من قبل بعض العاملين في المكان، باستخدام "جراكن المياه"، لعدم توافر المعدات اللازمة، وبطء الاستجابة الحكومية سواء بالدفع بسيارات إطفاء أو إسعاف وغيرها.

بحسب التحقيقات الأولية، فإن جرار أحد القطارات خرج من المخزن بدون سائق، ليصطدم برصيف المحطة، قبل أن ينفجر خزان الوقود الخاص به، مخلفا نحو 30 قتيلاً، وضعفهم من الجرحى، والمفقودين، في مشاهد مفزعة نقلتها كاميرات التسجيلات، لأشخاص يهرعون في كل الاتجاهات والنار مشتعلة بهم، بحثاً عن منفذ للهروب، قبل أن يتفاجأوا بأبواب موصدة، فيقررون العودة مرة أخرى لجحيم الرصيف، فيما تبدو الأرقام مرشحة للتصاعد بالنظر إلى فداحة الإصابات، ووجود العديد من الجثث المتفحمة.

الحادث  جاء ليضيف حلقة جديدة في سلسلة كوارث المصريين مع شهر فبراير/شباط، حيث تختزن ذاكرة المصريين العديد من الحوادث والكوارث التي جرت جميعها في شهر فبراير، بدءا من كارثة قطار الصعيد 2002، وغرق العبارة السلام 2006، وموقعة الجمل 2011، ومذبحة بورسعيد 2012، ومذبحة الدفاع الجوي 2015.

بعيداً عن الأسباب الفنية للحادث الذي يجري التحقيق فيه الآن، فإن هناك نقاطاً تكشف عن طبيعة ما يجري في مصر السيسي الآن. بشاعة الحادث أعادت التذكير بما قاله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل نحو 6 أشهر، وفي واحدة من الحفلات التي اعتاد عليها، عند افتتاحه أي من المشروعات الحكومية. قال السيسي في معرض حديث وزير النقل عن احتياجات الوزارة لتطوير الخدمة واحتياج مبلغ 10 مليارات جنيه لتطوير بعض الأعمال الكهربائية، إن "العشرة مليار دول لو حطيتهم في البنك، هاخد عليهم فايدة 10 مليار جنيه في السنة، وبالأسعار الموجودة دلوقتي هاخد 2 مليار في السنة".

السيسي يتحدث بلغة رجل الأعمال المقاول الذي يهمه المكسب، ولا يتعامل كرجل دولة معني بمرفق عمومي يخدم 100 مليون مواطن، وفي الفيديو نفسه يخاطب السيسي المواطنين "هتقولي أنا كمواطن غلبان مش قادر أدفع، صحيح.. وأنا كمان غلبان مش هاقدر"، من دون أن يسأل نفسه على ما كلفه للخزينة العامة وما حمله للمواطنين من قروض كانت نتيجتها العديد من المشاريع الوهمية التي يحبها السيسي فقط لتخليد اسمه، كافتتاح مسجد الفتاح العليم وكنيسة ميلاد المسيح في العاصمة الإدارية الجديدة، والعديد من القصور الرئاسية في مدن مختلفة.

في مواجهة نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أعادوا تداول تصريح السيسي، وحملوه المسؤولية، فإن ماكينة الإعلام الرسمية دارت لإعادة إنتاج التبريرات، وتحميل المسؤولية لسائق القطار، مع إقالة وزير النقل، ورئيس هيئة السكك الحديدية، وهي إقالة تعني إفلاتهم من العقاب القانوني والمسؤولية الجنائية والسياسية، باستخدام أكباش فداء من صغار الموظفين، وتحميلهم المسؤولية.

حملة السوشيال ميديا الواسعة يبدو أنها أزعجت النظام ورموزه، فقد صدرت التعليمات لبرامج التوك شو، بالتركيز على أن الفيديو الذي يضم تصريحات السيسي، مقتطع من سياقه ومجتزأ، مع أن وصل الكلام، بما قبله وبما بعده، يفيد المعنى ولا يغيره.

في موازاة ذلك، تلقت وسائل الإعلام الخاصة المقروءة والمرئية، تحذيرات شديدة اللهجة في تغطية الحادث، بضرورة الالتزام بنقل البيانات الحكومية وتغطية ما قامت به الحكومة للتعامل مع الحادث بعد وقوعه، بصرف تعويضات للمصابين والمتوفين ونقلهم إلى المستشفيات وغير ذلك من الأمور الروتينية، للتغطية على الحادث المفجع، لتخرج التغطيات خبرية تقريرية باهتة، لا تتناسب مع فداحة الحادث وفظاعته.

وعلى ضوء هذه الكارثة، تلقى البرلمان المصري، الخميس، مشروع قانون يقترح إدخال تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية بتشديد العقوبات لتصل إلى أحكام الإعدام والمؤبد، في حالات الإهمال التي ينتج عنها كوارث على مستوى البلاد، في وقت ما يزال ينظر في تعديل الدستور، لمد ولاية السيسي، الذي لم يكتف بكل الدم الذي سال بعد ليريح المصريين من حكمه الثقيل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها