السبت 2017/01/14

آخر تحديث: 18:35 (بيروت)

سكان المحلة:بين الاستقلال عن مصر..و"الاستقالة"من الحياة

سكان المحلة:بين الاستقلال عن مصر..و"الاستقالة"من الحياة
الاضراب الكبير في المحلة عام 2008 (انترنت)
increase حجم الخط decrease

لعقود طويلة مضت، صُنِّفت مدينة المحلة الكبرى ضمن مدن الطبقة المتوسطة في مصر، نتيجة استقرار الأوضاع المالية والاجتماعية للغالبية العظمى من سكان أكبر مدن محافظة الغربية.

تبدو المحلة في طريقها إلى فقد استقرارها الاجتماعي والمالي، نتيجة تضررها من سياسات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وقراراته الإقتصادية، فبعد أن كانت قبلة للعرسان الجدد، ممن يرغبون في الحصول على الملابس ومستلزمات الأثاث بجودة عالية وأسعار مقبولة، نتيجة وجود أكبر مصنع للغزل والنسيج في الشرق الأوسط بها، تغيّر وجه المدينة حالياً، وسجّلت 4 حالات انتحار في 48 ساعة، الأسبوع الماضي فقط.


وبحسب البيانات الرسمية، فإن موظفاً حكومياً يبلغ من العمر 65 عاماً محالاً إلى التقاعد، وطالبين في 16 و14 عاماً، وشاباً في سن 24، أنهوا حياتهم شنقاً، فيما جاءت إفادات ذويهم أنهم جميعاً مروا بحالات نفسية سيئة ونوبات اكتئاب، نتيجة ارتفاع الأسعار الحادة، والأزمات المادية المتلاحقة على المصريين.


وجود مصنع الغزل الذي يعمل به 27 ألف موظف وعامل، ضمن للمحلة حركة عمالية قوية، وعدداً من الصناعات، والتجارة القائمة على تسويق منتجات المصنع، والصناعات القائمة حوله. ويقدر عدد المصانع في المحلة بين 400 و500، رفعت من دخل سكان المدينة، التي مثلت سوقاً تجارية مهمة لكل الصناعات القطنية في محافظات الدلتا.


ارتفاع دخل السكان، واستقرار الظروف الحياتية، سابقاً، ضمن لأهالي المحلة إمكان التحاق أولادهم بصفوف الدراسة، وكان التعليم الفني هدف الكثيرين من الطلاب، نظراً لأنه يؤهل كوادر وأيادي عاملة لها فرص عمل كثيرة في مصانع المدينة.


وكان لنمط الحياة شبه الريفي للمدينة، المعروف بقوة ومتانة العلاقات الاجتماعية بسبب المصاهرة المتبادلة، أن وحّد مصالح السكان، وكلمتهم في كثير من الأحيان، ما أدخلهم في مواجهات عديدة مع السلطة، نتيجة الاضرابات والاعتصامات والاحتجاجات المتكررة، التي تتمحور في معظمها وتبدأ وتنتهي بأمور مصنع الغزل والنسيج، إما للمطالبة بنسبة أكبر من الأرباح، أو احتجاجاً على قرارات خاصة بإدارة المصنع.


تحركات أهالي المحلة قديمة، وشهد عام 2006 ازدياداً ملحوظاً في وتيرة الاحتجاجات والاعتصامات، حيث سجّل إضراب واعتصام لمدة 3 أيام في ديسمبر/ كانون أول 2006، وإضراب لمدة أسبوع في سبتمبر/أيلول 2007، وتظاهرة احتجاجية لحوالى 10 آلاف عامل في فبراير/شباط 2008، وصولاً إلى نقطة التحول في تاريخ المحلة والسياسة المصرية بشكل عام، خلال إضراب 6 أبريل/ نيسان 2008.


تحول إضراب 6 أبريل من من إضراب عمالي خاص بعمال المحلة، إلى إضراب شامل في مصر، نتيجة مشاركة العديد من القوى والحركات الاحتجاجية كحركة "كفاية"؛ وللمفارقة، يذكر منظمو تلك التحركات أن أجهزة الأمن خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، ساهمت من دون قصد في نجاح ذلك الإضراب، عندما أطلقت التحذيرات والتهديدات على وسائل الإعلام الرسمي، ما دفع المدنيين إلى إلتزام منازلهم، ليساهموا في نجاح فكرة الإضراب.


آنذاك، أجبرت أجهزة الأمن بأجراءاتها الصارمة القيادات العمالية على التراجع عن الإضراب، غير أن الإنفجار أتى من الشوارع والميادين، بتظاهرات حاشدة جالت أنحاء المدينة، منددة بالفساد وارتفاع الأسعار، وحطم المتظاهرون صوراً لمبارك في شوارع المحلة، قبل أن يقدم آخر رئيس وزراء لمبارك، أحمد نظيف، تنازلات للقيادات العمالية في زيارة أتت بعد 3 أيام على الشلل التام الذي أصاب شوارع المحلة.


وسجلت المحلة مشاركة كبيرة في ثورة 25 يناير/ كانون ثاني 2011، ولم تنقطع فعالياتها الاحتجاجية طوال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، خصوصاً بعد صدور الإعلان الدستوري في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، حيث أعلنت الحركات الاحتجاجية وألتراس المحلة على إثره، بين الدعابة والجد، الاستقلال عن مصر، وتكوين مجلس رئاسي مدني لتسيير أمورها، بعد اقتحام مقر مجلس المدينة (حاكم المدينة) والإستيلاء عليه. كما كان للمحلة حضور قوي في تظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، التي مهدت لعزل الرئيس محمد مرسي.


بيد أن جموح سكان المدينة للمطالبة بحقوقهم، وعدم السكوت على ممارسات السلطات بحقهم، اختفى في عهد السيسي، وأصبح الاحتجاج الوحيد الذي يقوم به شبابها هو الانسحاب من حياة ثقيلة انتصر فيها السيسي، ليسلكوا هم طريق الانتحار، وينصبوا المشانق بأيديهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها