لا أحد يوقف العصابات: "الخوّات" بالضاحية أسلوب حياة

المدن - مجتمع
الأحد   2022/09/25
فشلت الخطط الأمنية في مكافحة العصابات (علي علوش)
يعيش في الضاحية الجنوبية ما يزيد عن مليون مواطن لبناني، وأجنبي، ما يجعلها "سوقاً اقتصادياً" ضخماً، يُثير رغبة الطامحين في تأسيس مشاريع تجارية، ويُغري في الوقت نفسه "العصابات" التي تعتاش على "الخوّة" وتستفيد من فائض الفوضى لتُنتج أموالاً "بالحرام".
أخبار العصابات لم تتوقف، على الرغم من تنفيذ أكثر من "خطة أمنية". ويبدو أن واقعها بات أسلوب حياة هناك.

الانصياع أو العقاب
"لا مكان للدولة والقانون في الضاحية الجنوبية"، يقول أحد الشبان الذين حاولوا إنشاء عمل صغير في هذه البقعة الجغرافية. محاولة لم تستمر لأكثر من شهر، خرج بعدها الشاب "خالي الوفاض"، ململماً ذيول خيبته وخسائر بقيمة 5 آلاف دولار دفعها بدل إيجار لسنة، ولتجميل المحل وتزيينه بالديكور.

يُشير الشاب عبر "المدن" إلى أن القصة بدأت في الأسبوع الأول من افتتاحه لمحل هواتف في منطقة الكفاءات القريبة من المريجة من جهة، والليلكي من جهة أخرى، حيث تلقّى زيارة من شابين، دخل الأول وبقي الثاني في الخارج. يقول الشاب: "بدأ الرجل حديثه بتوجيه التبريكات على المحل، متمنياً لي التوفيق، ثم دخل صلب الموضوع، فقال بأن الحي خطير وفيه الكثير من السارقين الذين ينشطون ليلاً، وأن كل "زملائي" التجار يحتاجون إلى الحماية، وهو من يوفرها لهم مقابل بدل ماليّ هو 500 دولار أميركي شهرياً".

ويضيف: "اعتذرت من الرجل مبتسماً، فأنا لا أعلم كيف سيكون العمل وما هي الأرباح التي سأنتجها، فقال لي بأن الاعتذار ليس خياراً فهكذا تسير الأمور في هذا الحي، إلا أنني أصرّيت على الرفض بأدب ولباقة".

لم يكن يدري الشاب أن الرفض في هذا المقام إهانة لعارض الخدمة، وأن الردّ لن يطول، إذ عاد في اليوم التالي ليجد باب محلّه مخلوعاً، من دون أن يُسرق منه شيء، فعلم أن الرسالة وصلت. لم يستجب التاجر للتهديد، وأبلغ أحد المسؤولين الحزبيين في تلك المنطقة بالواقعة، ولم يرض بالعرض المقدّم من عصابة الحي. إذ كان يظن أن دفع "الخوّة" مرّة سيجعل الطلبات لا تنتهي، فحاول الاستمرار بالعمل، ليجد بعد أيام أن مدخل محلّه مدمر بفعل الرصاص، عندها تيقّن أن المسألة تحمل خطراً على حياته، فأقفل المحل ورحل، لانه كان أمام خيارين، إما خسارة الرزق، أو العمل والكدّ لتنعم العصابات بالمال.

وضع اليد بالقوة
ليست هذه الحادثة يتيمة في الضاحية، فحوادث إطلاق النار على المحلات التجارية أصبحت عادة، والخوّات ليست حالة فريدة بل عامّة، بحجة الحماية، علماً أن "حاميها حراميها"، فإما يقبض ثمن الحماية وإما يتولى السرقة.

تتعدد أشكال الخوّات في هذه المنطقة، فمنذ فترة -وحسب معلومات "المدن"- تعرّض المولّد الخاص بأحد المحلات التجارية لسرقة المازوت منه من قبل "أصحاب الأرض" الموجود فيها، وفي التفاصيل أن صاحب المحل استأجر بقعة في هذه الأرض لوضع مولده فيها مقابل بدل مالي، لكنه كان كلما أراد تشغيل المولد وجده فارغاً من المازوت، ليكتشف أن أحد أصحاب الأرض يسحب المازوت منه، والأنكى أنه يرفض إخراج المولد من أرضه، إلا مقابل مبلغ مالي، وكأنه أصبح شريكاً فيه.

خوّة مستترة
لا تتوقف المهزلة عند هذا الحدّ، ففي الضاحية خوّات شبه مقوننة، إذ يروي أحد السكان عبر "المدن" كيف حاول أحد أصحاب المولدات فرض خوّة عليه من دون وجه حق، مشيراً إلى أن القضية حصلت يوم قرر تركيب طاقة شمسية وطلب من صاحب الإشتراك وقف اشتراكه لحين الدخول في فصل الشتاء.

رفض صاحب الاشتراك، يقول الرجل، كاشفاً أنه طلب منه مبلغ مليون و200 ألف ليرة شهرياً طيلة فترة التوقف، من أجل أن يُعيد إليه التيار في فصل الشتاء، وهذا يُشبه قانون "الحدّ الأدنى" للفاتورة، والذي سنّه بعض أصحاب المولدات في الضاحية، ويؤدي إلى إلزام المشترك بدفع مبلغ معيّن من المال، بحال كان مصروف عدّاده أقل من المبلغ المحدّد.

هذه أمثلة بسيطة على واقع صعب، وهذه الحالات منتشرة ومتشابهة، وأبطالها مجموعات معروفة لا يزيد عددها عن ألف ربّما، ولا يحتاج توقيفها إلا إلى قرار واضح يقوم على 3 أعمدة: العائلي، الحزبي والأمني.