حريق الإهراءات مستمر: شكوك لمحو معالم الجريمة.. ومخاطر صحية

وليد حسين
الثلاثاء   2022/07/26
تطاير الفطريات في الجو جراء سقوط الإهراءات يؤدي إلى التهاب الجهاز التنفسي (علي علوش)
كان يمكن للحريق الذي اندلع منذ مطلع الشهر الحالي، في بقايا إهراءات الحبوب، التي خلفها انفجار مرفأ بيروت، أن يكون عادياً. ويصدق اللبنانيون ما يقال عن عدم وجود حلول تقنية لإطفائه. وينتظرون سقوط هذه الصوامع من دون إثارة الشكوك حول نوايا المسؤولين. لكن ما حصل أنه منذ أكثر من سنة ثمة مخطط لهدم الإهراءات لتطوير مرفأ بيروت. وهذا ما دفع أهالي ضحايا انفجار المرفأ، واللبنانيين عموماً، إلى الشك بأن الحريق مفتعل، وعدم اللجوء إلى إطفائه يجعل سقوط الإهراءات أمراً "طبيعياً"، وتمحى معالم جريمة العصر حينها، من دون تدخل جرّافات وآليات الراغبين بهدمها.

اتساع منطقة الخطر
منذ اندلاع الحريق لم يتمكن فوج الإطفاء في بيروت من السيطرة عليه. وشرح رئيس فوج إطفاء بيروت العقيد ماهر العجوز لـ"المدن" مسار محاولة إطفاء الحريق، مشيراً إلى أنه في مطلع شهر تموز كان تصنيف منطقة الخطر، التي يمنع الاقتراب منها حسب الخبراء الفرنسيين والسويسريين، خمسين متراً، بمحيط الإهراءات. حينها كانت خراطيم فوج الإطفاء قادرة على الوصول للنيران لتبريدها من دون القدرة على إطفائها. لكن حركة ميول الإهراءات تسارعت مؤخراً، وباتت منطقة الخطر، التي يمنع الاقتراب منها، تمتد بشعاع يصل إلى مئة متر. ولم تعد خراطيم المياه قادرة على الوصول إلى مصدر النيران، وتوقفت عمليات الإطفاء. وأتى أمر بالإخلاء ومنع الاقتراب، نظراً لبدء تساقط أشلاء صغيرة من الحيطان. وأضاف، أن عناصر الإطفاء خاطروا بحياتهم وحاولوا تبريد الحريق من داخل الإهراءات لكن من دون نتيجة.

تسارع حركة ميل الإهراءات
وزير البيئة ناصر ياسين، وهو عضو اللجنة الوزارية المكلّفة بدراسة وضع المبنى، شرح لـ"المدن" أنه بعد وقوع الانفجار وضع خبراء فرنسيون وسويسريون مجسّات لفحص حركة الإهراءات. وكان الميل يقتصر على 2 ملمتر باليوم سابقاً. لكن قبل اندلاع الحريق مطلع الشهر الحالي، تحركت الصوامع بحركة غير اعتيادية. وباتت حركة ميول الإهراءات منذ نحو الشهر 2.5 ملمتر بالساعة.

وأكد ياسين أن الجهة المهددة بالسقوط هي تلك التي تقع فوق الحفرة التي خلفها الانفجار، أي الجهة الشمالية. بينما لا يوجد مشاكل أو مخاطر في الجهة الجنوبية للإهراءات.

نصائح بعدم إطفائها
ولفت ياسين إلى أنه استشار مهندسين ورؤساء أقسام هندسة في جامعات مختلفة لمتابعة الموضوع. وكان الرأي الهندسي أن الحديد في جدران الإهراءات بات ينحني ولا يمكن معرفة مدى صموده. وبالتالي قد يحصل الانهيار في غضون أيام أو ربما لا يسقط بتاتاً.

وأوضح أن الخبراء الأجانب نصحوا بعدم إطفاء الحريق لعدم جدواه. وبالفعل تبين أنه بعد كل محاولة إطفاء كانت النيران تعود وتشتعل أكثر من السابق، ومرد الأمر إلى أن المياه تقوم بإعادة ترطيب الحبوب ويزاد التخمر ويزداد الاشتعال. لكن عدم التحرك لإطفاء الحريق كان سيعني بعرف المواطنين أن المسؤولين يريدون ترك الحريق لهدم الإهراءات.

مخاطر صحية
وشرح ياسين أن الحديث عن سقوط مفاجئ للإهراءات لا يعني سقوطها كلها. فالمخاطر تقتصر على الجهة الشمالية التي باتت حركة ميلها دائمة ومستمرة. وأضاف أنه ارتأى مع وزير الصحة فراس الأبيض ضرورة إصدار البيان التحذيري حفاظاً على السلامة العامة، وتنبيه المواطنين الذين يقطنون في محيط المرفأ من الانبعاثات (راجع "المدن"). وهي وفق التقديرات تقتصر على غبار الإسمنت والفطريات، نتيجة تعفن وتخمر نحو ألف طن من القمح. ولا يوجد أدلة علمية على وجود مادة الاسبتسوس أو أي مواد كيميائية سامة، مطمئناً أن المخاطر تقتصر على المنطقة المحيطة للإهراءات بشعاع نحو 500 متر.

وحول المخاطر الصحية لهذه الانبعاثات شرح رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية في الجامعة الأميركية في بيروت، والبروفسور في طب الأطفال، غسان دبيبو، أن الفطريات تتكاثر وتضع بيضاً في الأماكن الرطبة التي لا يصلها الضوء. وخلال تنظيف هذه الأمكنة، وفي حالة الإهراءات إن سقطت، تتطاير الفطريات وبيوضها في الجو جراء الضغط القوي. وتصبح كثافتها في الهواء عالية في المحيط القريب للإهراءات. لذا فإن الأشخاص الذين يتنشقون كميات عالية من الهواء هناك يصبحون معرضين لمخاطر التهابات الجهاز التنفسي. وهذا بمعزل عن إذا كانوا يتمتعون بصحة جيدة. والخطر يرتفع عند الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية في الرئتين أو من نقص في المناعة. فحتى لو كانوا في منطقة أبعد من منطقة الاهراءات، هم معرضون للخطر، في حال تنشقوا كمية غير معتادة من هذه الفطريات، التي تستمر في الجو ما بين 24 إلى 48 ساعة.

محو معالم الجريمة
نائب بيروت المهندس إبراهيم منيمنة، الذي يشارك في الجلسة العامة لمجلس النواب اليوم الثلاثاء، وعلى جدول أعمالها اقتراح القانون المعجل المكرر لحماية الاهراءات، لفت إلى أن طريقة تعامل المسؤولين والسلطة مع الموضوع يثير الشكوك بأنهم يريدون محو معامل الجريمة.

وأضاف أن ثمة آراء مختلفة بين الخبراء حول القضية. فالجزء الشمالي هو المهدد هندسياً بالسقوط. لكن المسؤولين أهملوا موضوع الإهراءات، ووصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. منذ البداية يريد البعض تطوير المرفأ على حساب هدم الإهراءات. بينما ما حصل هو جريمة لا يمكن أن تطمس أو يتم تجاهلها، بحجة تطوير المرفأ. وهذا يعني لأهالي الضحايا وبيروت واللبنانيين عموماً وجود نوايا مبيتة لطمس معالم الجريمة.

ولفت منيمنة إلى أن المسؤولين يريدون فرض الحلول من الأعلى، بينما لو كانت النوايا صادقة لكان بإمكانهم الجلوس مع أهالي الضحايا، ووضع الأمور على الطاولة، للتوصل لحلول مشتركة تُبقي الإهراءات، وتطور المرفأ.

وشدد على أن نواب التغيير تقدموا باقتراح قانون لحماية الإهراءات وعدم هدمها، إضافة إلى قانون آخر مقدم من كتلة نواب الكتائب اللبنانية للغاية نفسها. فمن غير المقبول هدم الإهراءات لأنها تمثل ذاكرة جماعية، وبقاؤها بمثابة شاهد أساسي على الجريمة التي حصلت.