أن تكون لبنانياً اليوم

محمد حجيج
الجمعة   2022/04/29
أن تكون لبنانيّاً اليوم، يعني أن تداس كرامتك في كلّ لحظة (Getty)

لبنان اليوم هو تلك البقعة على الكرة الأرضية التي تتناتشها الأزمات ويسودها الظلام. هو ذلك المكان الذي خسر سحره في ظل تمدد وحش نظامه القاتل. هو تلك الفسحة حيث يَصعب التفكير بنظرية "التغيير" والأمل. فنحن اليوم في مرحلة ما بعد تبدد الأمل، مرحلة القتال من أجل الاستمرار فقط. ومع ذلك نجد بعض الشباب الذين أُرغموا أو اختاروا البقاء والخوض في التجارب السياسية. بعض الشباب الذين وضعوا الحلم أمامهم من دون أي مقومات وأي أدوات يرتكزون عليها.

ولكن، لماذا نبقى في لبنان اليوم؟ بحثاً عن ماذا؟ وحالمين بماذا؟

لا جواب على هذه الأسئلة. فأن تكون لبنانيّاً اليوم، يعني أن تداس كرامتك في كلّ لحظة من قِبل زمرة من الطغاة، يتربّعون على عرش النظام القاتل ويحميهم السلاح.

تعيش على أثر موجة من الأزمات اليومية اللامتناهية. تنام في الظلام وتستيقظ على انقطاعٍ دائم للكهرباء، وبحثٍ عن بعض الماء، في انتهاكٍ لأبسط حقوقك. تقف ساعات وساعات في طوابير الخبز والمحروقات وتبحث لساعاتٍ أخرى عن دواء ولا تجده، ومن ثم تطلب مِمَن هاجر أن يرسله لك من الخارج. تعمل طوال الشهر وراتبك لا يكفي لبضع ليتراتٍ من البنزين. تخسر هدفك في تحصيل شهادة علميّة لأن إدارات الجامعات الخاصة اتّخذت قرارها في دولرة أقساطها، في ظل إضرابات الجامعة اللبنانية المتواصلة وقراراتها الاعتباطية وتهميش دورها. يتساقط عليك سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار ويسحقك والطبقات الاجتماعية. تعيش حتمية الانهيار الإقتصادي وتدفع ثمن الأزمة. تمرّ عليك كل أنواع الانتهاكات والتعديات في مجتمع تسوده الطبقية والذكورية وشتّى أنواع التمييز والظلم.

تعيش السياسة في أسوأ أزماتها واصطفافاتها وانقساماتها. تأتي الانتخابات النيابية لتضع المسمار الأخير في نعش ثورة كانت آخر آمالك في البقاء والمواجهة. تُفجَّر عاصمتك ويُقتل الأبرياء ويبقى المجرمون من دون أن يدفعوا الثمن، بحماية السلاح وأمرته. تنتظر الحدث الأمني الدائم، "الميني" حرب أهلية على المتاريس، الاغتيال السياسي.. فالنظام لا يعيد إنتاج نفسه إلّا بالطرق الدموية والميليشياوية.

يهاجر من تعرفهم واحداً تلو الآخر. تتهرّب في كل مرّة وتضع الحجج الكاذبة هرباً أو خوفاً من لحظات ونظرات الوداع والاستسلام. تودّع من قرر أن يهاجر، وتبقى تودّع باستمرار من دون أن يبقى أحداً ليودّعك عندما يأتي دورك وتتّخذ القرار، فأنت مضطرٌ على الهجرة.

أن تكون لبنانياً اليوم يعني أن تعرف أن لا تأثير لك على ما يجري هنا، لا تأثير لك حتّى على القرارات التي تخصّك، يعني أنك موجود في عالم يدور بعكس اتجاهاتك. يعني أن تضيق بك فسحة الأمل وتُجبر على الرحيل. يعني أن تبدأ من جديد كالأطفال في إتّقان لغاتٍ جديدة، بحثاً عن مساحة على هذه الأرض لتحتضنك وتتحمّلك.

تسأم من النقاشات السياسية وكيفية التغيير. فأنت تعلم أنّ التغيير بعيد وربما مستحيل، ولكن ترفض الاعتراف. تفقد الحلم كما تفقد الكثير من الأحاسيس الأخرى. بمجرّد أن تتّخذ قرار معارضة هذا النظام وقواه، تخسر الكثير، تخسر الأصدقاء والمقربين، ينبذك المجتمع بعد أن تتم شيطنتك وتخوينك.

أن تكون لبنانياً اليوم، هو أن يتم ترويضك، وأن تعتاد على نمط حياة جديد تفرضه عليك أزمات النظام من دون أن يكون لديك أي قدرة لترفض هذا الواقع، فأولويات النظام وطغاته فوق أي اعتبار.

أن تكون لبنانياً اليوم هو كل هذه الخيبات، ومع ذلك يصعب الرحيل.