سجناء رومية والنقص الحاد بالتغذية: صحن برغل لـ250 شخصاً

جنى الدهيبي
السبت   2021/03/27
يقدمون تفاحة واحدة لعدة سجناء من أجل تقاسمها (Getty)

"نعيش بذلٍّ وحرمانٍ كبير. لم نتخيل أن يترافق تأخير محاكماتنا مع حرمان من الطعام، فيما عائلاتنا أصبحت عاجزة عن شراء حاجاتنا من الحانوت، الذي أصبحت أسعاره خيالية بعد أزمة انهيار الليرة". بهذه الكلمات، يشكو أحد نزلاء سجن رومية لـ"المدن". ويتحدث عن معاناتهم بالطعام الذي تقدمه إدارة السجن، ويصفه بـ"الكريه". ورغم ذلك فإن كمياته صارت ضئيلة جدًا وقد تقلصت إلى الربع مقارنة مع السابق، فيما أصبحوا عاجزين عن شراء السلع من حانوت السجن المركزي، الذي تتجاوز أسعاره معظم المتاجر الغذائية في لبنان، حسب شهادة معظم النزلاء وذويهم.  

نداءات استغاثة
وسجن رومية الذي يضم حالياً نحو 3200 سجين، بينما قدرته الاستيعابية هي لـ1500 فقط، فإن إدارته تمنع عائلات السجناء وزوارهم، من إدخال الطعام وأي سلع أخرى من خارج الحانوت، بحجة أنها قد تضم أغراضًا ممنوعة كالمخدرات.  

ومع ذلك، تستمر مناشدة النزلاء والأهالي، وجميعهم من الطبقات الفقيرة والمعدومة، أن يسمحوا لهم بظل الظروف الراهنة شراء حاجاتهم من خارج الحانوت، نظرًا لقدرتهم على تأمينها بأسعار أقل، من دون جدوى، كذلك لم تستجب إدارة رومية لطلب توفير بضائع مدعومة بالحانوت.  

وواقع الحال، يبدو أن إدارة السجن تستمر بسياسة التنكر لواقع نزلائها، الذي لا يراعي الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية، وفق شهاداتهم، على مستوى الطبابة والغذاء (إذا غضينا النظر طبعًا عن ذاكرة تعذيب مجموعة من سجناء رومية). وحتى منذ تفشي فيروس كورونا، لم تبد هذه الإدارة نفسها أي تحسن بأدائها على مستوى الرعاية الصحية. إذ لم توفر أجهزة أوكسيجين كافية ولا كمامات ولا معقمات، مقابل عدم التزام شرطة السجن بإجراءات السلامة (راجع "المدن").   

وحسب ما يفيد بعض السجناء لـ "المدن"، فإنهم أصبحوا يطلبون الأدوية من أهاليهم، لعدم توفرها بالسجن، وأصبحت تصل من رومية عشرات "الروشاتات" (الوصفات الطبية) لجمعيات خيرية وبعض المشايخ، كنوع من الاستغاثة، "لأن صيدلية السجن لا تلبي حاجاتهم حتى بأدوية مثل البانادول والمسكنات"، كما أن بعض السجناء الذين يعانون من أمراض مستعصية، لا توفر لهم إدارة السجن الأدوية والرعاية الصحية اللازمة..  

رد الإدارة.. والمحامون
على مستوى آخر، يؤكد مصدر مسؤول بإدارة رومية لـ"المدن" أن إفادة السجناء غير صحيحة، ويصفها بـ"الشائعات المغرضة"، مذكرًا أن الإدارة ترفض إدخال العائلات للطعام المطبوخ أو الناشف، لأنه بتجارب سابقة كانوا يُدخلون عبره كميات كبيرة من المخدرات.  

ويلفت المصدر أن الإدارة تقبل فقط الهبات من الجمعيات الخيرية والجهات الدينية، مثل دار الفتوى والمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، وتحديداً الطعام الناشف، مشيرًا إلى أنه ستصل نهار الثلاثاء المقبل إلى السجن كميات ضخمة من الطعام والحبوب. لكنه تحفظ عن الإجابة لدى سؤاله عن غلاء أسعار المواد الغذائية بالحانوت، مكتفيًا بالقول: "هناك بعض الفواتير المزورة يتداولها السجناء".  

كما تعتبر إدارة رومية أن كل صرخات السجناء تضمر نيتهم الضغط من أجل إقرار قانون العفو العام أو تسريع محاكماتهم.  

من جهته، يرفض رئيس لجنة السجون في نقابة المحامين بطرابلس، محمد صبلوح، ما يصدر عن إدارة السجن، ويصفه بالتكابر، مؤكدًا أنه دقق بشهادات السجناء، وتبين مثلاً أن صحن البرغل وحده، يقدم لنحو 250 شخصاً.

صحن برغل لـ250 سجيناً!

 

وقبل أيام، حضر صبلوح اجتماع لجنة حقوق الانسان البرلمانية، التي يرأسها النائب ميشال موسى، وقال لهم أن "رومية على أبواب الجوع"، لكن ممثل وزارة العدل القاضي رجى أبي نادر، ومدير السجون باللجنة العقيد غسان عثمان، نفيا ذلك، وفق صبلوح.  

وأشار صبلوح أن الطعام بسجن رومية سيء ما قبل الأزمة، وأن النزلاء لم يعتمدوا عليه، باستثناء أولئك الذي لا يزورهم أحد. لكن، بعد أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار لمستويات قياسية، لم يعد أهالي السجناء قادرين على الشراء من الحانوت، فاضطروا للاكتفاء بطعام السجن، الذي تقلص من 3 إلى وجبتين (فطور وغداء)، وأن كمية اللحوم والدواجن للسجين لا تتعدى 60 غراماً، وأحياناً يقدمون تفاحة لعدة سجناء من أجل تقاسمها.  

ويلفت صبلوح، أن الهيئة الوطنية المكلفة من لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، من المنتظر أن تزور سجن رومية للكشف على ظروفه، لكنه يظن أن الإدارة ستلجأ لتحسين كل الظروف المأسوية تزامنًا مع موعد الزيارة، من أجل دحض كل شهادات السجناء.  

بيان السجناء
واليوم السبت، صدر بيان من سجناء رومية – المبنى باء، وقدموا فيه بعض المقترحات للتخفيف من معاناة السجناء، وهي كما وردت:   
أولاً، نطلب من وزارة الداخلية السماح بدخول الطعام للسجناء من ذويهم، أسوة ببقية السجون ومراكز الاحتجاز بلبنان، لأن رومية هو السجن الوحيد الذي يحرم سجناؤه من هذا الحق.  ثانيًا، نطلب من الجمعيات الخيرية والإنسانية عموماً ومن دار الفتوى خصوصاً، ومن نقابات المحامين، الالتفات إلى أوضاع السجناء، وتنظيم حملة تبرعات عينية ونقدية لمساعدتهم في شراء الاحتياجات الأساسية التي تعجز الحكومة عن تلبيتها.