مناظرة "كتائبية": أكثر من مسرحية

عباس سعد
السبت   2016/05/28
لا يمكن إخفاء الطابع التحديثي الذي تتبّعه مصلحة طلّاب "الكتائب" (محمود الطويل)
في البداية، وفي مقر النائب سامي الجميل في بكفيا، مساء الجمعة، كان يمكن للمرء أن يشعر أنه موجود في جو بعيد من الحزبية اللبنانية التقليدية كثيرة التأهب والحذر. وهذا ما يعززه، أساساً، سبب الوجود في المكان، بين أناس يبتسمون من مختلف الأجناس والطبقات وحركتهم الشبابية الكثيفة. أي انتظار بدء المنظارة بين المرشحّين إلى رئاسة مصلحة طلاب الكتائب، إيدي نادر وأنطوني لبكي، تمهيداً للانتخابات التي ستحصل في الخامس من حزيران المقبل.

لكن، ما إن دخل الشيخ سامي حتّى تحوّل الحاضرون، في اختلافهم السابق، إلى كتلة بشرية تقف لضرب التحيّة. وإستبدلت الموسيقى الكلاسيكيّة بالنشيد الوطني الذي لم يقدم حماسة كافية، فعوضه نشيد "حزب الكتائب"، "هيّا فتى الكتائب"، الذي حوّل الإبتسامات إلى نظرات جدّية وصلبة، والحيويّة الشبابيّة إلى عنفوان غاضب لا يُهزّ.

روح "الشباب" التي بدت أوّلاً تحوّلت إلى صلابة في لحظة واحدة، ما يعكس طبيعة "الكتائب" والإنتساب إليه. والشيخ سامي الذي قال كلمة صغيرة قبل بدء المناظرة، مشدداً على تميّز "الكتائب" عن الأحزاب الأخرى، في هذا الحدث الديمقراطي و"التجربة الأوروبيّة"، التي "علّت السقف، ولا بدّ من إدراجها في انتخابات الرئاسة بعد ثلاث سنوات"، غادر لـ"إعطاء الرّاحة للمرشّحين"، كما قال.

شطارة القيادات
تضمّنت المناظرة طرح مشاريع المرشحين عبر منح كل واحد منهما عشرين دقيقة للتقديم. ثم، أسئلة طرحت من المنظّمين أو مباشرة من الجمهور. لا أحد من المرشّحين يسمع الآخر عند الإجابة عن الأسئلة، حيث توضع سمّاعات مع موسيقى عالية على أذني المرشّح حين يتحدّث الآخر. كما تم منح ثلاثين ثانية لطرح السؤال ودقيقة للإجابة.

تميّز كل من المرشحيّن بمهنيّة عالية في نوعيّة التقديم وفهمهما الكامل لعمل الحزب وتنظيمه وطريقتهما الذكيّة في الكلام وتغيير جوّ القاعة من التقني إلى "التجييشي" كلّما احتاج الأمر. ويمكن القول إنهما عكسا "شطارة" ونوعيّة في تحضير القيادات في الحزب. لكن في شكل عام، تشابهت المشاريع مع وجود بعض الفوارق، حيث ركزا على شرح هيكليّة الحزب ومقترحات لتعزيزها، أفكار وطنيّة لا تنحصر بطلّاب "الكتائب"، طرق وتقنيّات الإستقطاب، كيفيّة إنتاج القيادات لتأمين إستمراريّة مصلحة الطلاب. وطرح كلّ من المرشّحين أفكاراً وجديدة على ثقافة الأحزاب اللبنانية مثل CV الحزبي، التي تحدّث عنها إيدي، أو فتح "بيت الكتائب" كمكتبة للطلاب للدرس وانجاز أبحاثهم فيها، وليس لحضور الاجتماعات فقط. وهذا ما تحدّث عنه أنطوني.


تمسّك بالتاريخ
على صعيد تنظيمي، وكما بدا في المناظرة، لا يمكن إخفاء الطابع التحديثي والقريب إلى أسلوب المجتمع المدني الذي تتبّعه مصلحة طلّاب "الكتائب". فالتركيز على عبارات "الشباب"، "التمكين"، "القيادة" وغيرها بدا واضحاً. وفكرة الإستقطاب الليّنة التي تتماشى مع رغبات الشباب، والتي وعد بها المرشحان، تعبّر عن تغيّر في التفكير العقائدي والسياسي البحت. وفي هذا السياق، يندرج الإنفتاح على المجتمع المدني، حيث أعتبر توسيع باب العلاقات معه من الأهداف الأساسيّة. في سؤال المرشحين عن ذلك وعلاقته بوجود رئيس شاب ومنفتح لـ"الكتائب"، يقول إيدي لـ"المدن": "طبعاً الأمر له علاقة بقيادة الحزب، التي وضعتنا في علاقة مع منظمات غير حكومية وطنية وعالميّة". أما أنطوني فيقول إن "هذا ليس إنفتاحاً أكثر من كونه نهجَ الحزب الحقيقي التقدّمي والمنسجم مع التغيّرات".

في مقابل هذا "التحديث"، إذا صحّ القول، برز واضحاً في كلام المرشحين أو في تفاعل الجمهور، أنّ جزءاً مهماً من هويّة الحزب ما زال يُعرّف بالتاريخ والصلابة في الدفاع عن المسيحيين. فاللقطات الأكثر حماسة في المناظرة كانت عند حديث المرشحّين عن تاريخ الحزب في مواجهة الشيوعيين واليسار أو عن التضييق عليهم من قبل النظام السوري أو عن تحريف التاريخ المسيحي الذي قامت به "القوّات" والعونيون أو عن "مكتب القوى النظاميّة" الذي يدرّب شباب "الكتائب" بدنيّاً وعسكريّاً.

في سؤال المرشّح أنطوني عن هذا الموضوع وسبب تفاعل الناس مع هذه الشعارات أكثر من غيرها، يقول لـ"المدن" إن "الناس لا تتفاعل من باب عقائدي، بل من باب القضيّة. فحزبنا ليس حزب عقيدة بل حزب قضيّة والقضيّة تتطلّب أن نبقى مستيقظين ووجودنا حرّاً". هكذا، برهن المرشحان أن لا مكان لنظرة أخرى للتاريخ، فهما قال إنهما كانا ليعيدا "توحيد البندقيّة" لو كانا في مكان بشير الجميل في العام 1978.

الديمقراطيّة مقابل الإنضباط؟
رغم سذاجة بعض الأسئلة، إلّا أنّ بعضها الآخر كان مهمّاً وكاد يحرج المرشّحين، وتحديداً السؤال عن مدى إستقلاليّة مصلحة الطلاب وموقفها عند التعارض مع القيادة الحزبيّة. هنا برزت مشكلة لا تنحصر في "حزب الكتائب"، بل تمتدّ إلى الأحزاب اللبنانية الأخرى، أي علاقتها بطلّابها الشباب.

وعليه، لم يكن مفاجئاً أن تُكسر حماسة أحد الشبّان في القاعة، الذي لا يريد لمصلحة طلاب "الكتائب" أن تكون مثل مصلحة طلاب "القوات"، في التزامها بقرار قيادتها بالتصالح مع "التيار الوطني الحر"، بمجرد أن قال إيدي كما أنطوني إنّ "ديمقراطيّة الحزب لا غبار عليها"، لكنه أيضاً "مشهور بالإنضباط" و"سنحاول ما في وسعنا لإقناع المصلحة بقرار القيادة".