عون يسترضي بكركي و"حزب الله"

نذير رضا
الثلاثاء   2021/12/28
يحاول الرئيس اللبناني، ميشال عون، ترتيب الملفات الخلافية، ومحاصرة الإشكاليات التي تهدد مستقبل تياره السياسي، عبر موقفه الأخير الذي لم يبدُ تصعيدياً بقدر ما كان "تسووياً" مع سائر الأقطاب في الداخل والخارج، خلافاً للقراءات المتسرعة بعد انتهاء رسالته التلفزيونية، مساء الإثنين. 
توقف كثيرون عند الكلام المكرر لعون عن إرث الماضي الثقيل، وعن مهاجمته لتعطيل المؤسسات، بوصفه حدثاً مستجداً يعادل "قنبلة" سياسية فجّرها بخصومه، وهو ما أوحى به مؤيدوه ومعارضوه على حد سواء في مواقع التواصل الاجتماعي. وتسرّع كثيرون بالقول انه يهاجم "الثنائي الشيعي"، على خلفية تعطيل جلسات مجلس الوزراء التي ربط انعقادها بتنفيذ ما يسعى اليه، وهو الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية، وإقرار المركزية المالية والإدارية الموسعة، والحوار على توزيع الخسائر المالية حول الأزمة. 


والحال إن تجميد جلسات مجلس الوزراء، يعود بالفائدة على النظام بأكمله، ومن ضمنه عون، منعاً لإقرار قرارات "غير شعبية" حالياً، مثل رفع الدولار الجمركي، أو التوصل الى اتفاق حاسم مع صندوق النقد من شأنه أن يثبت توزيعاً للخسائر ويحرم "المصرف المركزي"، أي الدولة، من فرصة تقليص خسائره عبر "الهيركات" القائم، طالما أن الاقتراب من أموال المودعين محرّم، وتحميل الخسائر للمصارف مرفوض، والمسّ بالدائنين الخارجيين تحول دونه عقبات دولية.


وليس من المنطقي على أي سلطة أن تزيد الدولار الجمركي من غير خطة تعافٍ، ما يجعل اجتماع مجلس الوزراء قبيل الانتخابات النيابية، بمثابة انتحار للقوى السياسية الممثلة فيها، وهو ما يحاذره الجميع، ولا يعارض "حزب الله" تحميله مسؤولية التعطيل، طالما أنه غير متوتر من نتائج الانتخابات المقبلة. 

وإذا ما جرى تخطي هذه المحاور من الخطاب، يتضح أن عون يطرح تسوية مع جميع خصومه، ويصالح جمهوره، ويسترضي بكركي. ما طرحه ينطوي على شعارات متصلة بملفات خلافية عميقة، لا يمكن حلّها بـ"كبسة زر"، ولا بعشرين جلسة حوارية متتالية... فتوزيع الخسائر المالية ليس مهمة سهلة تسترضي الأطراف الأربعة (الدولة والدائنين والمصارف والمودعين)، وتثبت التجارب أن أي ملف من هذا النوع، يُفرض من الخارج، وتتحمل فيه الدولة مجتمعة القسم الأكبر من الخسائر.. 

إضافة الى ذلك، "الاستراتيجية الدفاعية" لا يمكن إقرارها فوراً، وسط التجاذب الدولي وضبابية المواقف الدولية.. ولا إقرار اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، سيلقى إجماعاً وطنياً وسط تناقض بين مفهومين، أولهما المفهوم الذي تحدث به اتفاق الطائف، وثانيهما المفهوم المطروح الذي يشبه الفدرلة، وتدفع اليه قوى مسيحية وازنة.
  

بهذا المعنى، رمى الرئيس عون قنبلة دخانية، أراد بها إرضاء بكركي لتصويبه على سلاح "حزب الله" الذي كان حاذر في السابق مناقشته، وطرح اللامركزية الموسعة، وهما ملفان خاطب بهما أيضاً دول الخليج العربي بوصفه مستجيباً لرؤيته حول هذه الملفات الاشكالية المتصلة بالسلاح وتطبيق الطائف، كما خاطب الضغوط الدولية المعترضة على بقاء السلاح. 

وفي الوقت نفس، خاطب عون "حزب الله"، بمنحه فرصة لمناقشة سلاحه عبر "الاستراتيجية الدفاعية"، وهو ما لا يعارضه الحزب الذي يمتلك غالبية تؤازره، وأسباب كثيرة تدفعه للاحتفاظ به بدءاً من الصراع مع اسرائيل، وصولاً الى حضانة الغالبية الشيعية لـ"سلاح الطائفة" بوظائفه الداخلية في ظل النظام القائم. 


يدرك عون أن هذه الملفات لا يمكن تبسيط حلولها على النحو القائم، ولا متسع من الوقت لحلها خلال أشهر قليلة تسبق الانتخابات النيابية. فعرض الملفات على طاولة حوار سيطول نقاشها إذا ما عُقدت، ويخرج منها عون منتصراً أمام الجميع على قاعدة "المحاولة". وإذا لم تُعقد، فإنه سيعفي نفسه من مسؤولية التفرج على أسباب الانقسام العمودي في البلد. 

في الواقع، يرتب عون أوراق تياره قبل الانتخابات النيابية والرئاسية مع جميع الأطراف الداخلية والخارجية. سواء حققت إنجازات أو لم تحققها، سيكون قد كسب شرف المحاولة، وأعفى نفسه من الاصطفاف السياسي، من غير أن يخسر أياً من الاطراف.