"المدن" تكشف "تيك توك" لبنان: مخدّرات ودعارة..وتبييض أموال

فتات عيّاد
الخميس   2024/05/02
"عصابة منظّمة". بهذا التعبير وصفت قوى الأمن الداخلي، أكثر من 20 مجرماً متورطاً باستدراج فتيان قصّر الى محل حلاقة hair zone في السبتية، ليتم بعدها اغتصابهم وإبتزازهم بفيديوهات الاغتصاب في شاليهات. 
والعملية النوعية لمكتب جرائم المعلوماتية، تمكنت من إيقاف 6 منهم، 3 منهم "تيكتوكرز"، أبرزهم صاحب المحل، جورج المبيض، في أخطر جريمة معلوماتية عبر "تيك توك" في لبنان.

هذه العصابة المنظمة، التي هزت الرأي العام اللبناني، وأيقظت الرعب في قلوب الأهل من استهداف أبنائهم القُصّر من خلف شاشات هواتفهم، ليست إلا جبل الجليد الذي كشفت عنه السلطات لممارسات وجرائم تجري عبر التطبيق في لبنان، وتتبعها الأجهزة الأمنية وتحقق فيها وتفكك ألغازها، وملاحقة المتورطين بها. 

عشرات العصابات
تشير التقديرات الأمنية الى "عشرات العصابات تستخدم تيك توك مسرحاً لجرائمها واستدراج ضحاياها"، تبدأ من جرائم تبييض الأموال، ولا تنتهي بالترويج للدعارة والترويج للمخدرات، وتشمل، أيضاً، الابتزاز وإطلاق النار.. 

تبدأ المؤشرات من هويات المتفاعلين وأسباب التفاعل مع فيديوهات "تيكتوكرز"، عبر إرسال "قلب" أو "أسد" وغيرها من الأيقونات التي يتيحها تيك توك للدعم المالي، وتخفي وراءها تبييض أموال. 

وتقول مصادر أمنية ناشطة في ملاحقة المتورطين في هذا النوع من الجرائم الإلكترونية، لـ"المدن"، أنه خلف الدعم من خلال خاصية البث المباشر للتيكتوكرز live video، عمليّات تبييض أموال لتجار مخدرات وشبكات دعارة. وهي أرباح منظمة، تتقاسمها عصابات منظمة، دخلت بالشراكة مع "تيكتوكرز". فكيف يتم ذلك؟

الأسد... وحش "تيك توك"
وموضوع تبييض الأموال، تهمة يتبادلها التيكتوكرز في ما بينهم أحياناً. فكسب المال عبر المنصة يجعل منهم أعداء يتصارعون على الكسب المالي السهل، عبر التفاعل على فيديوهاتهم. وصحيح أن قسماً كبيراً من "التيكتوكرز" يجني ربحه من خلال مضمون متخصص، لكن عدداً آخر لا يستهان به، يجني المال من وراء شبكات تبييض أموال، يتورط معها في هذه العمليات، لقاء إثرائه من العملية، بجزء من الأرباح.

عملياً، تحصل عمليّات تبييض الأموال عبر "تيك توك"، خصوصاً، عند تفعيل خاصية البث المباشر للتيكتوكرز الذين يطلبون علانية "دعمهم" بالمال.

ويخصص "تيك توك" تقنية الدعم المالي، عبر أيقونات يتم إرسالها للتيكتوكر خلال فيديو البث المباشر مثل "الخرزة الزرقاء"، "هدية القلب"، "الباندا"، "الميكروفون"، "لوليبوب"، "كود نايت"، "هدية المرح"... وغيرها. ولكل أيقونة تسعيرة، وتبدأ تسعيرة بعض الأيقونات بدولار واحد، وينتهي بعضها بـ300 دولار. ولعلّ أهم تلك الأيقونات وأغلاها سعراً في لبنان هي أيقونة "الأسد"، التي تساوي قرابة 300 دولار، علماً أن تسعيرتها تختلف من بلد إلى آخر.

10 آلاف دولار... في 5 دقائق
وقد يحصل "التيكتوكر" في جولة خمس دقائق من البث المباشر، على مبلغ 10 آلاف دولار، من خلال التفاعل معه من جهات داعمة. وهنا يأتي السؤال: لماذا قد يمول متمولون كبار، تيكتوكر، بمبالغ طائلة جداً؟ 

والجواب بسيط جداً، فلا شيء بالمجان في عالم "تيك توك". وعلى طريقة "عطيني بعطيك"، يمول هؤلاء المتمولون، حسابات بعض التيكتوكرز، عبر اتفاق مسبق بين الطرفين، في صفقة مبطنة، فحواها تبييض الأموال وتقاسم الأرباح. 

وتوضح المصادر: "جراء كل عملية، هناك نسبة منها للمنصة، ونسبة للتيكتوكر الذي يحصل على العائدات عبر منصات تحويل أموال غير مرخصة وغير شرعية، ثم يعيد التيك توكر جزءاً من الأموال التي تقاضاها الى مرسلها عبر آلية تحويل خاصة"، أو يرسلها الى حسابات في الخارج وبعدها يحولها إلى لبنان لإدخالها الى سيستم الموال الشرعية.

وفي هذه المرحلة أيضا يخسر التيكتوكر قرابة 10% من الأموال، تذهب لشركة تحويل الأموال غير المرخصة لقاء سحبها. أما نسبة تقارب 40% من المال الذي أرسل له عبر "تيك توك"، فيتقاسمها مع مرسل الأموال له، المتمول مبيض الأموال، بنسبة 20%.

وغالباً ما يكون مبيّضو الأموال مهربي مخدرات أو رؤساء شبكات دعارة. و"المزح" معهم ليس بالأمر السهل، أي أن الطعن بهم من قبل التيكتوكر لا يمرّ بسهولة. وفضائح عديدة ظهرت للعلن بين مبيضي أموال وتيكتوكرز، أقفلت حساباتهم، نتيجة عدم إيفائهم بوعودهم بإرسال حصة الـ20% أو أكثر لمبيض الأموال الذي بيّضها من خلالهم.

وإحدى أبرز الفضائح التي ظهرت للعلن في نيسان/أبريل الماضي، لمهرب مخدرات فلسطيني، أقفل حسابات عديددة لتيكتوكر لبناني واتهمه بسرقة أموال حولها إليه، ولم يعطه حصته من عملية تبييض الأموال تلك.

ترويج للدعارة
تتوسع الجرائم في "تيك توك" الى الترويج للدعارة. يسأل كثيرون كيف باتت فلانة، التي لم تكن تمتلك ثمن نارجيلة في مقهى، من مالكي السيارات الفارهة، خلال فترة بسيطة؟ وكيف "ظهرت النعمة" على أخرى فجأة، بعد ظهورها في "تيك توك" كمؤثرة، ظهرت نصف متعرية في البث المباشر؟ 

يقول المواكبون لتلك العمليات إن الظهور في "اللايف"، يخفي وراءه محادثات تنتهي بتجارة الجنس، ويكون "تيك توك" منصة ترويج لتلك النساء. 

Hair Zone ليس إلا نموذجاً
"يشكلون عصابة منظمة تمتهن تجارة الممنوعات واغتصاب الأطفال وابتزازهم، بينها 10 أشخاص يختارون لرئيس العصابة الأطفال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقسم آخر يحدد مكان الجريمة من خلال حجز الشاليهات المتواجدة في جبل لبنان وبيروت، والقسم الأخير لتنفيذ الاعتداءات". 

هي تفاصيل قاسية في الرواية الأمنية، ازدادت قسوة، لدى انتشار صورة التيكتوكر جورج مبيض، "واجهة" العصابة عبر "تيك توك"، والمسؤول الأول عن استدراج الأطفال عبر التطبيق الصيني، عبر عرض فيديوهات حلاقة كان يقوم بها في المحلّ لصبية ورجال، ويجذب الأطفال الى المحل، ثم يدعوهم بعدها للاحتفال بإحدى الحفلات حيث يتم اغتصابهم.

وصحيح أن التحقيق مستمرّ بإشراف القضاء المختصّ، والعمل جار لتوقيف جميع أفراد العصابة، لكنّ انكشاف هذه العصابة أسس لمرحلة جديدة من التعاطي مع "تيك توك" في لبنان، أقلّه من قبل الأهل الذين باتوا يعلمون أن "دعم" بعض "التيكتوكرز" بالمال إنما ينطوي على جرائم مبيتة وتغطية لشبكات خارجة عن القانون، وبأن كلفة الانغماس في هذا العالم الأسود الذي يخفيه "تيك توك" على أبنائهم، باهظة الثمن.