أيأتي زمن لا نحيي فيه اليوم العالمي لضحايا التعذيب؟
ومع صور السجون في العراق والمقابر الجماعية لضحايا التعذيب في السودان، وصولاً إلى صور التشوهات التي تحملها أجساد الناجين من المعتقلات في موريتانيا، يبدو الواقع في العالم العربي ككل مخيفاً، خصوصاً ان ثورات الربيع العربي قامت من أجل وضع حد لذلك الرعب، من ضمن إصلاحات سياسية عديدة، إلا أن مصير عدد كبير من الناشطين والثائرين كان مظلماً وانتهى بهم الأمر في السجون، ليعانوا التعذيب بدورهم، مثلما تشير تقارير حقوقية صدرت بشكل خاص في كل من مصر والعراق وسوريا والبحرين واليمن، وغيرها.
وتكرر وصف "الداعشية" لوصف طبيعة الأنظمة الحاكمة في العالم العربي، حيث يعمل التعذيب على سحق المسجون وإرهاب غير المسجون في وقت واحد، من أجل خلق حالة من الخوف بوصفه عنصراً لا يتجزأ من طبيعة الأنظمة الاستبدادية، وتصبح السلطة بالتالي هي مصدر الخوف والحامي منه في الوقت نفسه، لأن شرط الطاعة للسلطة، نظرياً، ينفي العقوبة. مع الإشارة إلى أن هذا النوع من التهديد يتكرر في دول المنطقة، مع اختلاف التسميات. ويمتد هذا العقد الاجتماعي المشوّه، القائم على ثنائية الخوف - الحماية، نحو خلق مصادر خوف خارجية متنوعة، يتم وسم المتعرضين للتعذيب، بالعمالة لها، وتصويرهم عموماً كمصدر للخطر، ما يجعل السلطات بقيامها بعمليات الاعتقال والتعذيب، الذي لا يتم الاعتراف به صراحة، مصدراً للاستقرار.
ومن المؤسف أن العالم مازال مضطراً لتكريس يوم كل عام من أجل مساندة ضحايا التعذيب، بعد 22 عاماً على إعلان 26 حزيران/يونيو من كل عام يوماً مخصصاً لهذه المناسبة من طرف الأمم المتحدة، وبعد 33 عاماً على إطلاق اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي توقع عليها 162 دولة اليوم، من بينها العديد من دول الشرق الأوسط التي تمارس التعذيب بشكل ممنهج، ويروي مواطنوها في "فايسبوك" و"تويتر" اليوم، قصصهم مع التعذيب في المعتقلات، بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وغيرها.
والحال أن هذه القصص الفردية المؤثرة تعطي بُعداً مختلفاً لمعنى الحياة في دول المنطقة، حيث يمكن أن يتعرض أي شخص للاعتقال والتعذيب لسبب أو من دون سبب. يروي أحدهم مثلاً قصة شخصية لاعتقاله وتعذيبه لسنوات في سوريا نيابة عن شقيقه الذي لم تجده قوات الأمن السوري في المنزل حين أتت لاعتقاله في ثمانينيات القرن الماضي بتهمة الانتماء للحزب الشيوعي، فيما يروي آخر ذكرياته مع غياب والده المعتقل وزيارات والدته المتكررة للسجن والفراغ العائلي الذي أثر عليه لعقود. وكلها قصص لحياة المهمشين الذين لا يحظون بشهرة وتعاطف واسع ويبقون في الظل، بعكس الناشطين البارزين ومعتقلي الرأي من السياسيين، وحتى أولئك المدنيين الذين لا يتذكر أحد أسماءهم بالتحديد، بقدر ما يتذكر ظروف تعذيبهم التي قام فيها الجلادون أنفسهم بتصويرها ونشرها لتصبح قضيتهم قضية رأي عام لفترة محدودة قبل أن تظهر مروعة جديدة لتخطف الأنظار.
وأظهر تقرير خاص أصدرته "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" مقتل 14388 سورياً تحت التعذيب من بينهم 14235 شخصاً قتلوا في معتقلات نظام الأسد منذ العام 2011، في وقت أنكر فيه رئيس النظام بشار الأسد في عدد من المقابلات الإعلامية وجود التعذيب في البلاد من أساسه، وهي السياسة المتبعة في التعامل هذه الأيام مع قانون قيصر الأميركي الذي يفرض عقوبات جديدة على النظام والمقربين منه، ففيما أتى القانون نتيجة تسريب المصور "قيصر" المنشق عن النظام 55 ألف صورة مروعة من داخل المعتقلات الأسدية، بما يظهر التعذيب كسياسة ممنهجة هناك، فإن النظام لا يذكر ذلك مطلقاً في شرحه الإعلامي والدبلوماسي لجذور القانون، مع الاكتفاء بالقول أنه تمثيل لـ"الهيمنة الأميركية"، فيما وصف الأسد الصور المسربة شخصياً في إحدى المرات بأنها نتيجة التلاعب بالصور عبر برنامج "فوتوشوب".
وفيما يرتبط التعذيب في سوريا تحديداً بالثورة السورية التي انطلقت في درعا العام 2011 بعد تعذيب عدد من الأطفال الذين كتبوا على الجدران عبارات مستمدة من الربيع العربي الذي عصف بدول الجوار حينها، ما أدى لموجة غضب كبيرة في المنطقة، فإن قصص التعذيب تعود لعقود سابقة، ويمكن تلمس قصص مروعة له سواء من ناجين من المعتقلات أم من أقربائهم، وتحديداً في فترة الثمانينيات المظلمة، ويكفي القول أن سوريا الأسد قدمت للعالم نماذج للرعب المعاصر مثل سجن تدمر سيئ السمعة أو سجن صيدنايا العسكري الذي تصفه منظمة العفو الدولية "أمنستي" بـ"المسلخ البشري" وبأنه "أسوأ مكان على الكوكب".
وإن كانت الأنظمة الشمولية الحاكمة في الشرق الأوسط هي المسؤولة عن جرم التعذيب عموماً، لكنه في الواقع ليس مقتصراً عليها، فالميليشيات والقوى الفاعلة غير الحكومية تمارس التعذيب بدورها في دول المنطقة، خصوصاً بعدما باتت القوى الوكيلة أسلوباً أساسياً في حروب المنطقة. وتكررت قصص ضمن هذا السياق من السودان إلى اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغيرها، كما يمكن رصد العديد من القصص التي يمارس فيها التعذيب على نطاق فردي، لسبب أو لآخر، من بينها فائض القوة أو التمتع بنفوذ وسطوة أمنية وغياب القانون وانتشار السلاح غير الشرعي.
وهنا تسقط الكثير من المحددات الضيقة في النقاشات، مثل جنسية الجاني والضحية، وتصبح كل قصة حالة قابلة للتكرار بغض النظر عن المكان والزمان، طالما أن الحديث يتناول الشرق الأوسط الذي تتشارك معظم دوله ضبابية القانون، أو الاستهتار به، حيث تضم دساتير معظم الدول مواداً تنبذ التعذيب رغم اعتماده كأسلوب يعرف به الجميع ولا يريد الحديث عنه أحد، علماً أنه حتى في قضية لا ينبغي أصلاً أن تخلق جدلاً مثل التعذيب، يلاحظ وجود شيء من الانقسام المخجل، لأن أنصار السلطات المحلية والمرتبطون بها يميلون إما لتمجيد العنف الممارس من قبل السلطة والانبطاح أمام رموزها المختلفة، أو لإنكار وجود التعذيب بوصفه اتهامات لتشويه صورة الدولة القومية في تماه مع الخطاب الرسمي لا أكثر.
وفيما يمكن جر التعاطف مع الضحايا إلى الزاوية ونقاشه على أساس كونه محاولة سنوية للتملص من الشعور بالذنب الناجم عن العجز الفردي، يمكن تلمس حالة أكثر إلحاحاً ينشر فيها البعض تعليقات تبرر التعذيب بناء على هوية من يتعرض له، سواء كانت تلك الهوية طائفية أم دينية أم إثنية أو جنسية وغيرها، بدلاً من نبذ كل تلك الجرائم بغض النظر عن سياقها في المقام الأول. وربما تكون تلك أزمة أخلاقية بالدرجة الأولى، أو تعبيراً عن الإحباط الآتي من تحطم صورة الوطن المثالي الذي يحلم به أنصار السلطات في العالم العربي، بمطالعة الواقع وجهاً لوجه عبر السوشيال ميديا، التي تساهم في كسر جدار الوهم السابق المتمثل بالانتماء للوطن.
وأمام ذلك كله، لا يبدو المستقبل مشرقاً، فقصص التعذيب ستتكرر وستضاف لها قصص جديدة عاماً بعد عام، إلى حين تحقيق انتقالات سياسية حقيقية نحو الديموقراطية في دول المنطقة المختلفة التي تتشابه في تمزقها ومشاكلها البنيوية و"رجالها الأقوياء" الذين تصدوا بحزم لأحلام جيل كامل رغب في التحرر قبل عقد كامل، وقوبل بالعنف والرصاص وخطاب التخوين.
اليوم هو 26 يونيو يوافق "#اليوم_العالمي_لمساندة_ضحايا_التعذيب" لذلك واجب علينا أن نذكر ببعض ضحايا التعذيب في السجون الدول العربية وسوريا #التعذيب_جريمة#VictimsOfTorture pic.twitter.com/PRioCVeYdO
— Sultan Aljazzaf (@sjazzaf) June 26, 2020
التعذيب يطال الجميع صغار وكبار رجال ونساء، اكانوا علماء او نشطاء او نواب برلمانيين او اكاديميين او اعلاميين او رياضيين او أطباء أو من أي فئةٍ كانوا ... كل من له رأي خلاف رأي السلطة يطاله التعذيب او التنكيل#أوقفوا_التعذيب_في_البحرين #المنامة #البحرين #Bahrain pic.twitter.com/nudx08SJ1t
— حركة شباب الدراز (@DurazYouth) June 27, 2020
#اليوم_العالمي_لمساندة_ضحايا_التعذيب
— جويرية محمود (@GowyriaMahmoud) June 27, 2020
مهما شرحنا ووثقنا مش هيوصف مأساة المعتقلين في السجون المصرية .. هم لا يردون مننا الكلام والتعاطف .. هم يردوا العمل لنخرجهم ويرجعوا لأسرهم ..
مش كفاية تخاذل ؟
امس كان اليوم العالمي لمناهضه التعذيب"في هذا اليوم نقدم خالص احترامنا لهؤلاء الذين قاسوا مالايمكن ان نتخيله. هذه فرصه للعالم ليتحدث ضد المسكوت عنه. لقد تاخرنا كثير لنكرس هذا اليوم لضحايا التعذيب والناجيين حول العالم"الامين العام السابق للامم المتحدة كوفي أنان. كل سنه وانتم طيبين.
— Negad El Borai (@negadelborai) June 27, 2020
كراسي الصاج بشوارع دمشق ، مضمونها لا يقل بشاعه عن صور قيصر
— Veron...FSG (@FaeyzV) June 27, 2020
التعذيب في سوريا لم يكن فقط في اقبية أفرع المخابرات .
نظام الرعب و المخابرات المسعوره ، يعذب السوريين في كل مكان .
و كتجربة فريدة من نوعها ، حب يحرق طياز السوريين بالشوارع حتى
بشار حالف يمين ما يترك ليحرق الكل#FSG pic.twitter.com/5f1WLCE9S5
إن التعذيب يكسر المرء نفسيا ومعنويا وجسديا ويسلبه كرامته وإنسانيته،كما أن آثاره تبقى راسخة في ذهنه مدى الحياة.في #اليوم_العالمي_لمساندة_ضحايا_التعذيب نشدد وبقوة رفضنا التام لأي شكل من أشكال التعذيب ونؤكد عزمنا على العمل مع شركائنا الدوليين لوقف هذه الممارسة الشنيعة وغير المقبولة pic.twitter.com/HsFwqL1lpQ
— Rosie Dyasروزي دياز في البيت 🇬🇧 (@RosieDyasUK) June 27, 2020
#اليوم_العالمي_لمساندة_ضحايا_التعذيب
— رغد الوزان (@raghad_ana20) June 26, 2020
تشهد السجون المصرية ومقرات الاحتجاز العديد من جرائم التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة ما بين إهمال طبي ومنع من الزيارة بحجة مواجهة فيروس كورونا، بل والتعدي على أهالي المعتقلين، واختطافهم وتلفيق القضايا والتهم لهم
لن ننسى ولن نغغر ممارسات الحركة الاسلامية و اجهزة الدولة التابعة لها في السودان ، الاساليب التي تمارسها الاجهزة الامنية مرفوضة تماما ولا تُبرر . #اليوم_العالمي_لمساندة_ضحايا_التعذيب pic.twitter.com/L05fNucIL9
— AYAYA . (@Ayaya_xz) June 26, 2020