ضجة في إيطاليا: الأسد خارج الشاشة وفي الإنترنت

عبدالله أمين حلاق
الأربعاء   2019/12/11
ماذا سيحصل لو تسلّم دفة الإعلام الغربي إعلاميون/ات مثل مونيكا ماجّوني؟
ليس من السهولة بمكان، الفصل بين تصريحات وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، بخصوص العلاقة مع النظام السوري، وبين مبادرة الصحافية والإعلامية الإيطالية مونيكا ماجوني في ذهابها لمحاورة رئيس النظام السوري، بشار الأسد. في 6 كانون الأول/ديسمبر الجاري، أعلن دي مايو، في حواره مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا"، أنه "يجب إعطاء زخم أكبر للحوار مع دمشق"، معتبراً أن "التطورات في الساحة السورية تتطلب تجديد الجهود الدبلوماسية"، وأنّ "على أوروبا أن تفعل المزيد في هذا الاتجاه".

أثارت تصريحات رأس الديبلوماسية الإيطالية، غضباً ملحوظاً في صفوف المثقفين والناشطين الإيطاليين المناوئين لنظام دمشق، بينما استقبلها إيطاليون مؤيدون لهذا الأخير بغبطة وبأمل كبير في "الانفتاح على الأسد"، من دون المرور بصعوبات ذلك الانفتاح وتحدياته في السياق الأوربي نفسه. وفي هذا الإطار، ربما يمكن قراءة و"فهم" المبادرة الشخصية للإعلامية الإيطالية ومديرة قناة "راي كوم"، مونيكا ماجّوني، وحوارها مع بشار الأسد في مقابلة كان من المقرر بثها عبر قناة "راي 24" في وقت محدد، قبل أن يتم تأخير البث ثم إلغاؤه. وأتى هذا الإلغاء، أيضاً، بعد اعتراضات على نطاق واسع داخل إيطاليا على إجراء المقابلة، والدعوات إلى تفعيل أكبر لمقاطعة النظام السوري.

في دلالات الإفراج عن المقابلة
أثار إيقاف بث المقابلة، ردّ فعل كبيراً من قبل النظام السوري، لكن المفاجأة التي يمكن التوقف عندها كثيراً، هو أن المجموعة الإعلامية الإيطالية الحكومية "راي"، والتي تضم راديوهات ومحطات تلفزيونية عديدة، أفرجت عن المقابلة أخيراً وقامت ببثها، صباح 10 كانون الأول/ديسمبر، لكن فقط في موقع الانترنت التابع للمجموعة ككلّ، والمسمى "raiplay".


وكانت مصادر دبلوماسية، أكدت لوكالة "آكي" الإيطالية للأنباء، أن الوزير دي مايو "لم يكن على علم" بالمقابلة التي أجرتها قناة "راي نيوز 24" الحكومية مع الأسد.

وفي تعليق له على الموضوع، قال الكاتب الصحافي الإيطالي ومؤلف كتاب "سوريا، نهاية حقوق الإنسان"، ريكاردو كريستيانو، في حديث مع "المدن"، أن "مدير قناة راي 24 رفض بث المقابلة، وهي مقابلة تمت بمبادرة شخصية من ماجّوني دون علم القناة، ليتم وضعها لاحقاً في موقع raiplay، وهو موقع يختلف من ناحية الإقبال عليه ومتابعته عن أي قناة تلفزيونية أخرى تابعة للمجموعة. يحتاج المتابع إلى البحث عن المقابلة في الموقع أو على محرك البحث غوغل ليعثر عليها، بعكس ما سيكون عليه الحال لو تم بثها على الشاشة ولو أتيحت بشكل مباشر لملايين الإيطاليين".

وتابع كريستيانو قائلاً أن "المقابلة كانت عبارة عن سؤال مقتضب من المحاوِرة، يتبعه جواب باستفاضة من الأسد، من دون أن يكون هناك أي إشارة من الإعلامية التي تحاوره يمكن أن توحي باعتراض، أو من دون أن يكون هناك تساؤل حول أجوبته التي جاءت عبارة عن اتهامات للغرب وللفاتيكان، بحيث بدا أن المقابلة كانت محضرة بالأساس ليقول الأسد ما يريد قوله، من دون تدخل أو نقاش من قبل ماجّوني التي كان بادياً أنها لم تكن على خلاف مع الأسد ومع مضمون كلامه".

وفي تعليقها على المقابلة، قالت وزارة الخارجية الإيطالية إنها "لا تهتم بهذه القضية"، وفقاً لموقع "dagospia" الإيطالي، والذي ذكر أيضاً أن الإعلامية ماجّوني حاولت تمرير المقابلة أيضاً خلال النشرات الإخبارية في قناة "Rai1"، لكنها لم تفلح في ذلك.

حلفاء الأسد من الأوروبيين
وعندما تم تأخير عرض المقابلة، قبل اتخاذ قرار بإيقاف بثها في قناة "راي 24"، كتبت صفحة "رئاسة الجمهورية العربية السورية" عبر حسابها في "فايسبوك": "لقد كان حرياً بوسيلة إعلامية أوروبية أن تتقيد بالمبادئ التي يدعيها الغرب، وخصوصاً أنها تعمل في بلد هو جزء من الاتحاد الأوروبي الذي يفترض أن تكون الحريات الإعلامية والرأي والرأي الآخر جزءاً أساسياً من قيمه".


كلام "الرئاسة" أعلاه لا يستحق النقاش. لكن يمكن التوقف أمام نقطة فيه تبدو مهمة. فردّ الفعل من قبل الأسد على الإعلام الغربي جاء بعد إيقاف بث المقابلة. ولو تم بث المقابلة لما كان صدر هذا الموقف وبهذا الشكل، ولكان الأسد اكتفى بتناول الغرب من زاوية "الدعم الغربي للإرهابيين" و"قيام الغرب بخلق الأزمات"، وصولاً إلى "العقوبات المفروضة التي تمنع رجال الأعمال من القدوم إلى سوريا والعمل فيها" كما جاء في المقابلة نفسها.

والحال أن الهجوم على الغرب مسألة محورية لدى بشار الأسد، ويتم التحكم بجرعة هذا الهجوم بناء على المقتضيات والضرورة، فعدم بث مقابلة معه عبر قناة حكومية إيطالية يقتضي منه توسيع مروحة الهجوم لتشمل الإعلام الغربي ومسائل وقضايا الحريات التي تبدو، رغم التهديدات التي تطاولها اليوم في أوروبا نفسها، ضمانة أخيرة تقي هذا العالم الذهابَ أبعد من الحالة الكارثية التي يبدو عليها.

واستطراداً، فإن الحريات وحقوق الإنسان التي يقول الأسد أن "الغرب يدعيها"، هي مهدَّدة بالأساس من قبل حلفاء مباشرين أو غير مباشرين له، من قادة التيارات الشعبوية والفاشية الجديدة في إيطاليا وفي عموم أوروبا. هؤلاء، هم أصدقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأصدقاء الأسد أيضاً. ومازال الفيديو الشهير الذي ظهر فيه وزير الداخلية الإيطالي السابق، ماتيو سالفيني، ماثلاً وحاضراً في أذهان إيطاليين وسوريين كثر. سالفيني، وهو واحد من أبرز قادة التيارات الفاشية الجديدة في إيطاليا وأوروبا، ومن أشد المعادين للاتحاد الأوروبي، وصديق شخصي لبوتين، أنكر في ذلك الفيديو أي احتمال لقيام الأسد بالهجوم بالأسلحة الكيميائية على بلدة خان شيخون، ناسباً إلى المعارضة اتهامات بالتضليل والفبركة على مستوى المجزرة آنذاك.

ليس واضحاً ما هي التوجهات السياسية للسيدة مونيكا ماجّوني، التي حاورت الأسد أخيراً، وليس آخراً، وما إذا كانت يمينية أم يسارية (وثمة يسار أوروبي موالٍ لنظام دمشق، وإن بخلفيات ودوافع مختلفة). لكن المؤكد أن ما حصل في إيطاليا قبل يومين وما رافقه من ضجة إعلامية وسياسية في سوريا وفي إيطاليا، يحمل دلالات كبيرة لناحية ما يمكن أن تعنيه العودة إلى المبادئ التي تقوم عليها أوروبا وتحرز معناها عبر تلك المبادئ، في الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، ودلالات لما يحصل عند الالتفاف عليها ومحاولة تسويق خطابات شعبوية تلعب على الكلمات، سواء كان هذا الكلام من الأسد نفسه أو ممن يدورون معه في المحور ذاته ويتبنون الخطاب المعادي لحقوق الإنسان لا سيما من قِبل إعلاميين.

ويمكن تخيل المشهد في حال امتلك هؤلاء القدرة على إدارة منابر إعلامية والتحكم بها وبما يبث عبرها، وتوجيه الدفة فيها في إطار الشخصنة وخارج منطق المؤسسات. ولحسن الحظ أن منطق المؤسسات والقانون قال كلمته هذه المرة أيضاً، مخالفاً سُفن كل من السيدة ماجوني و"السيد الرئيس" كما كانت تسميه وتخاطبه هي نفسها، أكثر من مرة في حوارها معه.